الفجوة بين النقد الأكاديمي وإبداع الشباب

> د. علي الزبير:

> إن المتأمل في حركة المشهد الثقافي اليمني في السنوات الأخيرة، لن يجد مناصاً من الاعتراف باتساع دائرة الإبداع وتنوعه، ومحاولاته الجريئة في ملاحقة موكب الحداثة ومافجرته من ينابيع الكتابة والتعبير. والشاهد على ذلك - على الأقل من الناحية الكمية - ما نراه من العنوانات الإبداعية الجديدة والمتنوعة في المعارض والمكتبات، وما نقرأه من أخبار الإصدارات الجديدة في الصحف والمجلات، وأخبار الملتقيات والأمسيات الشعرية والقصصية التي تقيمها المنتديات والجمعيات الأدبية في مدن اليمن المختلفة، فضلاً عما تنشره الصحف والمجلات والملاحق الثقافية من نصوص إبداعية شعرية وسردية، تبشر بمستقبل واعد للحركة الإبداعية اليمنية.
ومن البديهي أن يكون المبدعون الشباب القوة الأكثر فاعلية في هذه الحركة الإبداعية، سواء أولئك الذين بدأت أسماؤهم تبحث لها عن مكان في أجندة الإبداع منذ أواخر القرن الماضي، ولمعت نجوميتهم في السنوات الأخيرة، أو أولئك الذين مازالوا في طور التكوين الإبداعي، ومازالوا يتحسسون طريقهم نحو أفق الإبداع الأرحب.
والسؤال الذي ينبغي طرحه في هذا الحيز المحدود هو: هل حظيت هذه الحركة الإبداعية الشبابية بما تستحقه من الرعاية النقدية؟
والإجابة عن مثل هذا السؤال لن تكون - طبعاً - بـ(لا) أو (نعم)، بل إنها أكبر من أن يستوعبها مقال صحفي، ولكن ذلك لايمنع من أن نشير إلى أن ثمة قراءات نقدية لنصوص أو مجموعات قصصية وشعرية لمبدعين شباب، تطالعنا بها بين الفينة والأخرى - بعض الصحف والملاحق الثقافية، أو تتم في بعض المنتديات الأدبية، ولكن هذه القراءات تظل قليلة، ويغلب عليها التكثيف الشديد، فضلاً عن كون أكثرها - على الرغم من قدرات أصحابها التحليلية - يفتقر إلى الوظيفة التقويمية الجادة التي لا تتحقق إلا بالوقوف على إيجابيات العمل المقروء وسلبياته، وليس بإظهاره وكأنه خالٍ من العيوب والقصور.
أما إذا وجهنا أنظارنا إلى الوسط الأكاديمي فسنجد الهوة بين النقد وإبداع الشباب أوسع وأعمق، فقلما يتخذ الطلاب الباحثون إبداع الشباب -كلياً أو جزئياً - موضوعات لأطاريحهم العلمية، وقلما يميل الأكاديميون إلى اتخاذ تجربة مبدع شاب موضوعاً لوقفة نقدية جادة، وكأنه لا قيمة للدراسة النقدية إلا إذا خاضت في تجربة مبدع معروف في الوسط الإبداعي. فمن - إذاً - يستطيع إضاءة الطريق للأقلام الأدبية الشابة، إذا أعرض عنهم الباحثون الأكاديميون؟ فكيف تنمو نبتة بصورة سوية إن لم تجد العناية من أهل الدراية والخبرة؟
ومن ثم فإني أوجه دعوة إلى الأساتذة القائمين على تدريس طلاب الدراسات العليا في الجامعات اليمنية، لاسيما أساتذة مساق النقد التطبيقي أو أي مساق يلامس قضية الإبداع الأدبي الحديث، لأنْ يدفعوا بطلابهم إلى التدرب على تجارب إبداعية شابة في بحوث مصغرة، لعلها تكون نواة لأطاريح علمية أوسع وأكثر جدية في المستقبل. ومن زاوية أخرى يمكن للمؤسسات الأكاديمية والمراكز البحثية المختلفة أن تسهم في رعاية الحركة الإبداعية الشبابية بإقامة الندوات والمؤتمرات الجادة حول تجارب الشباب المبدعين في مجالات الإبداع المختلفة.. والأهم من كل ذلك أن يسعى المبدعون أنفسهم إلى صقل مواهبهم بمتابعة كل جديد في الكون الإبداعي والنقدي العالمي، وإدراك المتغيرات الفكرية والثقافية التي يتسارع حدوثها في عالم اليوم، والتي من دونها لن يستطيعوا أن يحققوا إنجازات واعية في عالم الإبداع.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى