محطة إذاعة عدن أيام زمان ( 2 - 3)

> إعداد : عبدالقادر باراس

> تناولت مجلة ميناء عدن السنوية لعام 66 – بال 1967 م والتي تصدر باللغة الإنجليزية المراحل الأولى لنشأة المحطة، حيث ذكرت “أن في عام 1954 أنشئ الإرسال الإذاعي في عدن،وفي البدء اعتمدت الإذاعة برامجها من قناة B.B.C العربية، وبعد ذلك بفترة وجيزة تم تشكيل خدمة الإرسال الإذاعي لعدن العديدة تدعى خدمة الإرسال الإذاعي للجنوب العربي،وأنتجت هذه الخدمة برامج عربية محلية بعضها وصل بثه إلى ساعتين، وبعض البرامج زيادة وقت البث إلى ثلاث ساعات ونصف، وذلك في عام 1956 وست ساعات في عام 1958 و إحدى عشرة ساعة في 1960 م”.
وكانت برامجها في البداية يتم بثها عبر كابلات وأجهزة إرسال لاسلكية، ثم استخدم فيما بعد أجهزة إرسال صغيرة 250 وات متوسطة الموجات، ونطاقها بشكل طبيعي كان محدودا، وبالكاد يغطي ولاية عدن، وكان من الواجب تقديم مساعدات للحكومة لتوفير تمويل لهذا التوسع.
وفي بداية عام 1957 تم توسيع مكان الإذاعة، وإضافة طاقمين للاستوديو، ثم بالتدريج تم إضافة طاقم ثالث، ومع نهاية العام نفسه تم التوقف تماما عن الاعتماد على برامج قناة ال B. C. C ، وكانت جميع البرامج يتم إعدادها محليا وباللغة العربية.
كانت المحطة توفر أيضا إرسال إذاعي مباشر، وكان كل هذا يتم من وحدة في سيارة (لاندروفر) موجود بها روابط عالية التردد وأجهزة تسجيل، كما توفرت أيضا مكاتب جديدة بها راديوهات مراقبة ومبرقات كاتبة،وهذا كان يوفر كمية جوهرية من الأخبار ليتم إذاعتها من الراديو.
الجالسون من اليسار الأستاذ محمد علي باشراحيل من الرعيل الأول للإذاعة ومنصب العيدروس والأستاذ توفيق ايراني مدير الإذاعة عام 1954 م والشيخ علي محمد باحميش، الأستاذ محمد سعيد الحصيني
الجالسون من اليسار الأستاذ محمد علي باشراحيل من الرعيل الأول للإذاعة ومنصب العيدروس والأستاذ توفيق ايراني مدير الإذاعة عام 1954 م والشيخ علي محمد باحميش، الأستاذ محمد سعيد الحصيني
كما أنه في عام 1957 تم شراء جهازي إرسال من نوع ماركوني أحدهم قدرته 5 كيلو واط ذو موجة متوسطة ليغطي مقاطعة عدن، والآخر 7 ونصف كيلو واط ذو موجات قصيرة ليغطي حكومة الوصاية، وهذه الإضافة قامت بتحسين الاستقبال بشكل ملحوظ، ولكن الاختبارات المتتالية بينت أن جهاز الإرسال ذات الموجات القصيرة بالرغم من أدائه المرضي خلال ساعات النهار، إلا أنه كان يعاني في الليل من الصعوبات المعتادة ألا وهي ازدحام الموجات قصيرة المدى مما يسبب تداخل ملحوظ فتم على ضوء هذا اتخاذ القرار بنصب جهاز إرسال 50 كيلو واط ذو موجات متوسطة بمساعدة تمويلية من المستعمرة، وهذا نتج عنه تحسن في التغطية في الاتحاد الفيدرالي والمقاطعات المجاورة.
ونظرا للدور المهم الذي تؤديه الإذاعة الصوتية في الوصول إلى أكبر عدد ممكن في الاتحاد الفيدرالي، فقد تم بذل كل الجهود لتحسين مستوى البرامج، وبالرغم من المنافسة القوية التي تشكلها المحطات الإذاعية الأخرى في المقاطعات المجاورة، إلا أن هناك أدلة تبرهن أن محطة الجنوب العربي الإذاعية كان لديها العدد الأكبر من المستمعين في الاتحاد الفيدرالي، على سبيل المثال في عام 1964 حصلت المحطة على 9000 طلب في شهر واحد.
وعن مساعٍ بريطانيا لتوسيع وتطوير الإذاعة نشرت صحيفة “الرقيب” لصاحبها الراحل محمد علي باشراحيل، في العدد (46) بتاريخ 27 سبتمبر 1956 م في صفحة الفن والأدب مقالا كتبه المحرر “الشريف الرضي” عن زيارة (اللورد لويد) الوكيل البرلماني لوزير المستعمرات البريطانية إلى عدن ومحمياتها، أورد فيه تصريحاته عن مساعٍ بريطانيا بتوسيع إمكانيات الإذاعة بإدخال آلات حديثة لتطويرها، وفسر الكثيرون تصريحات لويد على أنها أتت بعد انتقادات موجهة لأداء الإذاعة، وبهذا الخصوص أُعدَّ مشروع في عام 1957 م لتطوير الإذاعة وزيادة قدرة إرسالها من خال تزويدها بأجهزة حديثة كلفت حوالى 100 ألف جنيه إسترليني دفعت من مالية تطوير المستعمرات.
سالم أحمد بامدهف – فنان ومراقب صوت في غرفة التحكم بالإذاعة
سالم أحمد بامدهف – فنان ومراقب صوت في غرفة التحكم بالإذاعة
بعد ثلاث سنوات من تأسيسها تحسنت المحطة وتمتعت بوضع جيد، لكن الكثيرين من منتقديها تناولوا شكاوي في الصحف كانت تتعلق بضعف برامجها وأخطائها، معللين افتقادها للكادر الذي يديرها.
ومنذ افتتاح المحطة كان بثها يبدأ من الساعة الثالثة والنصف مساءً لمدة ساعة ونصف وتدريجيا ازدادت فترة البث إلى أن وصل سبع ساعات بث مسائية، وبحلول الأول من أكتوبر 1960 م بدأ الإرسال الصباحي، ولم تزد مدة الإرسال في أول الأمر على ساعتين، وذلك على مدى الأسبوع عدا يومي (الجمعة والأحد – الإجازة الأسبوعية) فكان يبدأ الإرسال من الساعة التاسعة والنصف إلى الواحدة بعد الظهر، ثم امتد الإرسال اليومي للإذاعة إلى 11 ساعة يوميا في منتصف الستينيات، وازدادت فيما يعد لتصل إلى 15 ساعة يوميا.
ومع بداية الستينيات شهدت الإذاعة تطورات ملموسة في الأصعدة كافة، وذلك بتولي مهندسين للإشراف على الشئون الفنية بافتتاح أول قسم هندسي واستحدث استديو ثالث حتى أصبحت البرامج والتمثيليات تذاع على الهواء مباشرة، ومنذ يوليو 1963 بدأت بنقل خطبة الجمعة من مسجد العيدروس بكريتر.
كما أصبح لها مراسلون معتمدون في عدد من مناطق ما كان يعرف ب “اتحاد الجنوب العربي” والدولتين القعيطية والكثيرية بحضرموت.
صورة لبطاقة تعريفية للإعلامي جعفر مرشد من إذاعة الجنوب العربي
صورة لبطاقة تعريفية للإعلامي جعفر مرشد من إذاعة الجنوب العربي
تولى قسم الأخبار والبرامج السياسية تقديم ما يتناسب مع طبيعة الوضع القائم آنذاك، إلا أنه كان يفتقر إلى مراسلين خاصين، ولذلك اعتمد القسم حصوله على الأخبار من هيئة الإذاعة البريطانية B. B. C أما الأخبار المحلية فكانت تستقيها من إدارة البرق واللاسلكي وإدارتي الهاتف والهجرة والجوازات.
ويتذكر متابعو المحطة عن أشهر معدي الأخبار والبرامج السياسية توفيق إيراني الذي كان يشغل مديرا للإذاعة، كما كان من أشهر الذين تميزوا بتقديم الأخبار آنذاك محمد غني ومحمد صالح راجح.
وعن الأحاديث الإذاعية كانت تقدم الإذاعة كل ليلة من الثامنة والربع وحتى الثامنة والنصف مساءً، وكانت تشترط على كل متحدث أن لا يزيد حديثه عن خمسة عشرة دقيقة، استضافت فيها المحطة أشهر الرواد في مجالات الأدب والصحافة كان منهم الأستاذ محمد عبده غانم، والصحفيان الكبيران محمد علي باشراحيل، وعلي محمد لقمان، والشاعر لطفي جعفر أمان وغيرهم من رواد الثقافة والأدب والصحافة في ذلك الوقت، وإلى جانب أنها كانت تذيع حديثين دينيين كل أسبوع على الناس مرة لفضيلة الشيخ البيحاني، وأخرى لفضيلة الشيخ الباحميش.
فوزية غانم مذيعة أولى ومقدمة برنامج «مجلة الاسرة»
فوزية غانم مذيعة أولى ومقدمة برنامج «مجلة الاسرة»
وكان أحب البرامج التي كانت تقدمها الإذاعة لمستمعيها برنامج (الصحف المحلية في سبعة أيام)، كما كانت تقدم الإذاعة برنامج (ركن المرأة) وهو أقل استماعا، حيث يتم إذاعة حديث نسوي مثلما كان سائدا في الإذاعة المصرية،وكانت هناك برامج أخرى مثل برنامج المرأة والطفل التي كانت تقدمها مذيعة إنجليزية )ميس بيري(، وحظي هذا البرنامج بإقبال كبير من المستمعين لكن مقدمته الإنجليزية لم تستمر فيه فطلب منها أن يكون يوميا، وبكفاءات محلية فاختيرت السيدة ماهية نجيب والآنسات نبيهة محمد وفوزية عمر وصفية لقمان ونجاة راجح والسيدة عزيزة عبدالله، بحيث تقدم كل يوم واحدة منهن البرنامج الذي حمل عنوانه فيما بعد بـ(برنامج ربات البيوت)، وهناك أيضا برنامج (الأسرة) الذي حقق نجاحا مماثلا، وكانت تتولى إعداده وتقديمه فوزية غانم، كما كان لبرامج الأطفال نصيب من اهتمام الإذاعة إذ شرعت بتقديم الأغاني الخاصة بهم والتمثيليات التي كانت تعد خصيصا لهم من خلال برنامج أسبوعي تجسد في شخصية عرفت باسم (بابا علوي) الأستاذ علوي السقاف الذي أولى البرنامج اهتماما بالغا.
ومن البرامج الإذاعية الأخرى برنامج عرف بـ(ركن الهواة) كان يتم فيها تقديم بعض الهواة لعدد من المغنيين وبث المقطوعات الموسيقية، وأيضا كان يذاع برنامج (اخترت لكم) يتم فيه تقديم أحد الضيوف ليختار من مكتبة الإذاعة. وللإذاعة برنامج خصصته للرياضة كان ثابتا منذ بداية إنشائها، بالإضافة إلى تقديمها أخبار رياضية قصيرة لعرض نتائج المباريات التي كانت تقام على ملعب المدرج البلدي بكريتر (الحبيشي حاليا)، وكان البرنامج يتم تسجيله قبل يوم من إذاعته ويترك فراغا في نهايته لا يتجاوز الخمس دقائق لإذاعة نتائج المباريات التي تقام كل يوم أحد.
ضابطة صوت في الإذاعة
ضابطة صوت في الإذاعة
وشكلت الأغاني والموسيقى في سنواتها الأولى الجزء الأكر من برامج المحطة،واعتبر الكثيرون البرامج الغنائية الوجبة الدسمة في الإذاعة، فكانت حريصة على تقديم فقرات غنائية يوميا بعد الظهر، التي كانت تستغرق نصف ساعة إلا أنها تلقت انتقادات لعدم تعاملها بنظام الدرجات مع المطربين بالتساوي، وكان يدفع للمطربين مبلغ 500 شلن مقابل تسجيل كل أغنية. وكانت من تلك البرامج الغنائية موسيقى الشعوب، وألحان غربية الذي كان يصنفه المستمعون على أنه لا يتماشى مع أذواقهم، ولم يلاقِ استحسانهم أسوة بالبرامج العربية الأخرى، وكذا برنامج مطربكم المفضل، وما يطلبه المستمعون الذي كان أسبوعيا يتم استلام ما لا يقل عن 2200 طلب، الأمر الذي أدى إلى زيادة وقت البرنامج في نهاية عام 1961 م إلى 9 ساعات أسبوعيا، كما كان يتم إحياء التسجيلات الغنائية التي كانت تقام في مدينة عدن عبر عربة النقل الخارجي لكبار الفنانين.
إعداد : عبدالقادر باراس

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى