مسلسل البحث عن وطن

> جلال عبده محسن:

>
جلال عبده محسن
جلال عبده محسن
إنه المسلسل الدرامي الأطول زمنيا على الإطلاق في تاريخ الدراما العالمية، والذي لا يزال يعرض على قناة الواقع العالمية بأجزائه المختلفة.. ليس المقصود هنا بالمسلسل التركي أو المكسيكي المدبلج، بل هو المسلسل الدرامي الإسرائيلي الذي تجري أحداثه منذ العام 1897 م والذي قام بتأليفه الصحفي والأديب البرجوازي تيودور هيرتزل الذي قال كلمته الشهيرة حينها “فلنفترض أننا أجبرنا على أن نخلي بلدا من الوجود، يجب علينا ألا نقوم بهذا العمل وفقا لأسلوب الأوروبيين في القرن الخامس، كأن نأخذ رمحا ونذهب، كل على حدة، للبحث عن صيد للدببة، بل يجب علينا تأليف حملة صيد كبيرة، ومن ثم نجمع الحيوانات كلها معا ونلقي وسطها القنابل المميتة”.
وينجح هيرتزل في عقد المؤتمر الصهيوني الأول الذي عقد في أغسطس 1897 م برئاسته الذي حدد في خطاب الافتتاح أن هدف المؤتمر هو وضع الحجر الأساس لوطن قومي لليهود، ولإنجاح المشروع يتوجب الحصول أولا على سيادة حقيقية تضمنها الدول الأوروبية، وكانت الدعوة للدولة العثمانية حينها للسماح لليهود بالهجرة إلى فلسطين والإقامة بها، وبعد رفض السلطان عبدالحميد الثاني، عرضوا عليه بيع بعض الأراضي الفلسطينية فرفض رفضا قاطعا، فأيقن هرتزل أن العرب لن يتسامحوا في شبر واحد من أراضيهم.
وقبيل العام 1917 م أخذ الصهاينة أفكارا عديدة على محمل الجد وكانت تلك الأفكار ترمي لإقامة الوطن المنشود في أماكن أخرى غير فلسطين كالأرجنتين وكينيا إلى أن أفضت المشاورات إلى اختيار أرض فلسطين بموجب وعد بلفور المشهور بإقامة وطن قومي لليهود على أرض فلسطين عام 1917 م.
المسلسل شارك في إخراجه العديد من كبار المخرجين العالميين من الأمريكان والأوروبيين والإسرائيليين، أبرزهم البريطاني مارك سايكس والفرنسي فرانسوا جورج بيكو، ضمن معاهدة سميت (سايكس - بيكو) في العام 1916 م، وهي الاتفاقية التي جرت دراستها بعناية فائقة وبمفاوضات سرية، وشارك في الإخراج بعد ذلك العديد من الشخصيات السياسية المتعاقبة أمثال جولدا مائير ومناحم بيجن وشامير وشارون ونتنياهو، ومن هو على شاكلتهم.
يهدف مضمون المسلسل إلى حق إسرائيل التاريخي والديني في البحث عن وطن وتحقيق الدولة اليهودية والحفاظ على النقاء العرقي، حيث لا تزال أحداث المسلسل جارية ولم تشارف بعد على الانتهاء ولا تزال ملايين البشر تشاهده على الواقع وهم يرون حجم القتل والمذابح والتهجير لإبعاد الفلسطينيين عن أرضهم بالقوة وتهويد القدس وتدنيس المسجد الأقصى، بينما الصيحات الدولية ظلت وعلى فترات عرض المسلسل ترتفع وتنخفض ما بين مؤيدة وغاضبة ومتحفظة.
ومن المؤلم أن تظل ألأنظمة العربية تراوح صيحاتها بين الاستنكار والشجب والإدانة طوال عرض المسلسل.. وبغض النظر عن سيناريو المؤلف وعملية الإخراج الموضوعة كنهاية لذلك المسلسل وفقا لحساباتهم ونواياهم الشريرة، فإن الحقيقة الثابتة تظل كما هي في نفوس الأمة العربية والإسلامية، تتناقلها الأجيال جيلا بعد آخر مهما تخاذل المتخاذلون وتردد المترددون وتواطأ المتواطئون، وهي إن جوهر القضية الفلسطينية يكمن في حرمان شعب بأكمله من موطنه، وأنه لا حل عادلا لهذه القضية في الواقع إلا برجوع الفلسطينيين إلى وطنهم وقيام دولتهم الفلسطينية فيه مهما طال زمن عرض المسلسل.
وإذا كان التاريخ يخبرنا بأن القضية الفلسطينية المشكلة الوحيدة التي لم تحاول أمريكا معالجتها بجدية، والسبب هو علاقتها الخاصة بإسرائيل على حساب كرامة الشعب الفلسطيني الصامد والشجاع، فإن التاريخ الحقيقي يخبرنا هو الآخر بأن النهاية الحتمية لذلك المسلسل هو ما يحققه الفلسطينيون على الأرض، ولن يكون إلا باستعادة ذلك الحق المسلوب وعلى كامل التراب الفلسطيني، وإن كلفهم ذلك الكثير من الدماء والأرواح، فهي في الأخير ليست بأقل من مشاريع شهادة، دفاعا عن أرضهم وعرضهم ومقدساتهم.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى