هـــنا عـــدن

> عبداللة باكداده

> خمسون شمعة تضيء في سماء قناة عدن الفضائية لتتلألأ أنجما تجوب عوالم شتى وتسافر في مدارات الكون المختلفة كي تتحدت عن تجربة هذا الكائن الفضائي الذي سبق كائنات مثيرة مثيلة له في عالمنا العربي ولكنها لا تشبهه بالتأكيد.
فقد صادف الحادي عشر من سبتمبر الجاري مرور خمسين عاماً على تأسيس تلفزيون عدن الذي بدأ بالبث الأرضي بشاشته الفضية ثم انتقل بألوانه الزاهية إلى البث الفضائي.
ولعل خلال هذه السنوات مرت أحداث وتوالت متغيرات مختلفة أحرقت نظام تطور آلات العمل ولكنها جعلت من كادره الصلب يعمل بتقنية عالية متحدياً أصعب الظروف.
أتذكر أول تجربة لي مع هذا الجهاز في العام 1973م، وقد كان مبناه في الجبل بمدينة التواهي، حينها كنت طالباً في المرحلة الإعدادية أمارس هواية التمثيل مع فرقة القوات المسلحة والمخرج الكبير فيصل بحصو، حيث قمنا بتسجيل أوبريت (اليمن) تأليف الكاتب أحمد الحمزي (أطال الله في عمره).
ليس من قبيل المبالغة إذا اعتبرنا مكتبة تلفزيون عدن أول مركز توثيق مرئي يمكن التفاخر به على مستوى الوطن اليمني عموماً، استفادت من مواده بل تأسست ـ في حالات ـ سائر القنوات اليمنية الوطنية والأهلية والحزبية في الداخل والخارج واشتغلت من ورائه المحلات التجارية في ظل غياب واضح لقانون الصحافة والمطبوعات رقم (25) الذي يحفظ الحقوق الفكرية والأدبية، من نافل القول هنا إن هذا الأساس المتين بكل أقدميته وخبراته وكنوزه الثمينة التي واكبت المتغيرات والتحولات على أرض الواقع اتكأت عليه هذه القنوات وسبقته اليوم في تجهيزاتها الفنية والإدارية وفي تأهيل كوادرها وكأن الخوف من الحديث عن أسبقيته قد جعل الجميع يسعون إلى تخلفه، ولكن ذلك لم ينجح ألبتة.
أتذكر عندما كنت صغيرا مشاهداتي من هذه المكتبة التلفزيونية مسلسل الأطفال (فيوري) القوس الذهبي، كما أتذكر مسلسلات بونانزا / شايان بودي / كوم باك الهارب ريتشارد كمبل، والترجمة الفورية للمذيع عبدالرحمن باجنيد والدوري الإنجليزي لكرة القدم إبان الإدارة البريطانية وإبداعات فرقة المصافي الكوميدية، وتلك الصورة الكرتونية لمهرج يلبس طرطورا كتب عليها (لحظة من فضلك) تبث في الفواصل والتوقفات حيث كان البث حينها مباشراً وعلى الهواء.
قناة عدن الفضائية قناة وطنية بامتياز وعلى الوطن استشعار ذلك وعلى سائر المسئولين الشعور بمسئولياتهم لتطويرها وهي ذاكرة وطن وثقت لكل تاريخه الوطني المعاصر ولكل مراحله ومتغيراته، فليس من المنطق طمس هذا التاريخ العريق والكبير بسبب تطور وتغير الأجهزة وعدم مواكبة ذلك أو التسجيل على مادة مهمة بسبب عدم توفر الأشرطة الكافية.. فعلى الجميع مسئولية حفظ ذلك.
أذكر نجاحاتي في قناة عدن في برامج شتى لعل أهمها برنامج (شاعر وفنان) مع المخرج الكبير محسن يسلم الذي استمر بثه لعام كامل، وكان المقترح لفصل واحد فقط، حيث استطاع هذا البرنامج أن يوثق لحياة الكثير من فنانينا وشعرائنا ومثقفينا.
أتذكر عندما كنت طفلاً عديلة بيومي وعديلة إبراهيم، وأتذكر قامات أسست للعمل الإذاعي ونجحت في ذلك أيما نجاح: فوزية غانم، فوزية باسودان، عبدالرحمن بلجون، عبدالرحمن باجنيد، فيصل باعباد، جميل مهدي، أمل بلجون، عوض باحكيم، شكيب عوض، عبدالقادر خضر... إلخ. أسماء كبيرة وكثيرة أثرت حياتنا وساهمت في تشكيل ثقافتنا وذائقتنا.
قناة عدن هي ثورة وثروة في عالم المعلومات والتوثيق المرئي، ولعل إنتاجها من الغناء اليمني والدراما اليمنية جعلها قبلة للفنانين منذ فترة الإدارة البريطانية، حيث سجلت للفنانين من صنعاء وتعز والحديدة وحضرموت وسائر الوطن اليمني في فترة عبرت من خلالها عن روح الانتماء للوطن العربي والإنساني، وحملت لواء الثقافة والمعرفة والإبداع والتألق، فلا يحق لأحد أيا كان ومن أي مكان كان أن ينكر تاريخ هذه القناة المعطاءة ومكانتها بين قنوات البث الفضائي العربي.. بقي أن نعطيها حقها فقط.
هذه هي عدن الفاتحة ذراعيها للقادمين من المحيطات عبر البحر الأحمر وبحر العرب المطلة من رأس قلعة صيرة المحتضنة لطيور النورس في ساحل أبين أسرابا من الجمال تقطع آلاف الأميال إلى مراعيها في عدن.
هذه هي عدن الميناء العريق الذي تداعت أمامه أعتى موانئ العالم في القارات الخمس وظل مرفأ يحتضن عملاقات السفن وخطا ملاحيا لا تخطئه العين وتسعى إليه القلوب.
هذه هي عدن بقناتها الرائعة وأعمالها القوية وعامليها المبدعين يذكرون الناس بالمرشدي ومحمد سعد وأحمد قاسم وبامدهف وخليل وفيصل وسبيت وبلفقيه، وإبداعات رائعة للغناء اليمني وللدلال الجميل في لهجة عدن الممتعة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى