لــو كــان القمندان حيا لبكــى حــال لحج اليوم

> عياش علي محمد

> استطاع الأمير أحمد فضل القمندان أن يقنع أخيه السلطان عبدالكريم فضل العبدلي بضرورة اتباع سياسة التغيير لتحسين حالة لحج الاجتماعية، بعد أن رأى القمندان ثورات التغيير في المنطقة بعد الحرب العالمية الأولى، واستغل القمندان الرحلة المنتظرة للسلطان عبدالكريم فضل إلى الديار الأوروبية لكي يدخل له مفهوم التغيير ليشاهده في أوربا بأم عينيه، ويعود بقبس منه تنتفع به لحج لاحقاً.
ذهب السلطان في رحلة أوروبية إلى بريطانيا بدعوة من رئيس وزراء بريطانيا (مكدونالد) وصديقه المندوب السامي بعدن.. ليتلقى الأوسمة والنياشين التي قدمتها بريطانيا لأصدقائها العرب.
وعندما زار السلطان لندن خصص له لقاء خاص مع ملك بريطانيا العظمى (جورج الخامس)، كما التقى بمجلس اللوردات، وقضى السلطان ثلاثة أشهر متنقلاً بين لندن وباريس وسويسرا.
وعند عودة السلطان إلى لحج استقبل بحفاوة بالغة من شعب لحج، وضيوفها من العرب والأجانب، وفي هذه المناسبة ألقى **الأمير أحمد فضل القمندان قصديته الشهيرة (طلعت أنوار لحج من عدن)، ذكَّر فيها أخاه بموضوع التغيير، وقال له:
كيف أوربا وما شاهدتموه
أعراة أجياع أهلها
أم رجال أحرزوا العلم

أسويرلند وحش كاليمن
في شقاء جهل وكرب ومحن
وفازوا بسعد فتلقوا كل فن

ثم رفع القمندان رأسه عن أسطر قصيدته، ونظر حوله وأمامه، واتجهت نظراته إلى أخيه القادم من أوروبا ليخاطبه بصوت أبناء لحج التواقين للتغيير، فقال له:
أنت مولانا ومن آمالنا
رحبت لحج بكم فاستقبلوا
عرفنا أن من آدابها

فيك تكفينا ملمات الفتن
بحثان صوت أبناء الوطن
حب مولاها كفر حتى وسنن

وكانت هذه القصيدة بداية عهد جديد بين السلطان وأبناء لحج، وخطوة جديدة لبناء مجتمع جديد يواكب التطور من منظور سلطاته.
وعهداً من السلطان لأخيه (القمندان) أن يسير على النهج الحسن، فكانت ثمراته بناء أول مدرسة حديثة في لحج هي المدرسة المحسنية، ورفدها بأساتذة من مصر العربية باتفاق مسبق بين السلطان عبدالكريم فضل وجلالة الملك فؤاد الأول ملك مصر.
ولحقتها خطوة ثانية تعلقت ببناء أول مستشفى عصري واستوظف أطباء من الهند ومن مصر لمعالجة الأمراض والأوبئة التي ظلت تفتك بأبناء لحج.
ومن أجل الحد من تأثير الجوع والفقر على أبناء لحج قام باستصلاح الأراضي الزراعية وشق القنوات المائية، وبنى السدود، وأصبحت لحج دولة زراعية منتجة، جعلت الزراعة منها سلة غذاء للمنطقة ولمن يعيش على أرضها.. ووصفها الكثير من الزوار بأنها أجمل وأغنى واحات شبه الجزيرة العربية.
وبموجب هذا التحديث ألغت لحج من قاموسها آفة الجوع والفقر والجهل، وحدت من تنامي الأمراض، وجعلت من المواطن اللحجي مواطناً سليم العقل والبنية والعقل والتفكير.. فجاءته المواهب الأدبية والفنية والغنائية، وتصدرت لحج لائحة النجوم الفنية في المنطقة..
ولو كان القمندان حياً الآن للطم خده، وذرف دموعه وسمع بكاؤه وعويله إلى أقاصي الدنيا من التدهور الذي تشهده لحج في بيئتها الزراعية والاجتماعية والثقافية.
وأسوأ شيء يعاب على الذين يساعدون على هدم كل مواقع التقدم والتحديث في لحج أنهم افتقدوا إلى حاسة الانتماء إلى لحج، وتركوا عندهم يعبثون بها.. فبستان الحسيني أصبح غابة من الحطب، تنأى طوير الحمام أن تغني على أعمدته، وبستان الرمادة أصبح كتلة من الرماد، فاختفى منها العود والرباب والماء النساب والمطر والسحاب، وانتهت فواكه الجامبو والقنص والزيتون، ومعظم الفواكه التي جلبها القمندان من الخارج ليس لها وجود في خارطة الفواكه اللحجية.
ولم تحتفظ لحج حتى بوسيلة وأداة واحدة كان يستخدمها القمندان في حياته، لا العود الذي كان يعزف به أغانيه ولا ملابسه التي كانت تشبه الملابس التي كان يرتديها راجيف غاندي.
حتى كتابه المعنون (هدية الزمن في أخبار ملوك لحج وعدن) تم تشويهه بتعليقات سيئة، وسخريات بذيئة يدسها أحد الذين طبعوا كتاب القمندان المذكور وحشوه بسم التعليقات الخارجة عن المنطق والحقائق. ولكننا سوف نرد على ترك السخريات بسخريات أضخم منها، وتعليقات أكبر مما تناولها (كاتب) يهوى تشويه إبداعات المبدعين، وحتى لا نجعل القمندان يبكي على أطلال لحجية، وعلى حالتها اليوم فإنه يكفيه فخراً أن كل شيء سطره لتاريخ لحج لا يزال ينبض بالحياة، وسوف تعود لحج بعظمتها وقامتها وتاريخها كطائر العنقاء الذي يبعث حياً من جديد في كل منعطف من منعطفات التاريخ.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى