مرضى الشوارع في عدن.. بين ضعف إمكانية مستشفى الأمراض النفسية وتجاهل الجهات المختصة

> استطلاع/ نوارة قمندان

> مرضى الشوارع (المختلون عقلياً) من أكثر فئات المجتمع تهميشاً، بعد أن تعرضوا لقساوة الزمن وأهله، بل إنهم أكثر عرضة للانتهاكات والقمع والتهكم من أفراد محيطهم الاجتماعي، مرضى معظمهم جن نتيجة لجور الزمن وتقلبه، وآخرون لأمر أو لآخر، فئة زاد عدد أفرادها في الآونة الأخيرة بشكل كبير ومخيف لا سيما وأن كثيرا منهم في عدن ينتشرون في الأسواق والشوارع، في الوقت الذي يتم فيه استيعاب القليل من هذه الفئة نظرا للإمكانيات البسيطة، وعدم تعاون الجهات الرسمية المعنية في انتشال هؤلاء المرضى من الشوارع وإرسالهم إلى المستشفى لتوفير لهم الرعاية والعلاج اللازمين.
بداية نزلنا لتملس آراء المواطنين حيال هذه الظاهرة التي بدأت تتفشى منذ سنوات في الكثير من طرقات وأسواق مدينة عـدن، وباتت تشوه مظهرها العام وتسيء إلى قيمها الحضارية وسلوكياتها الثقافية، حيث التقينا بعدد من المواطنين الذين عبروا عن استيائهم ورفضهم لوجود مثل هذه القضايا في إطار المجتمع العدني المتمدن.
يعتبر المواطن ناصر علي أحمد أن هذه الظاهرة تسيء للمجتمع، خصوصاً وأن مثل هؤلاء المتشردين يكون ضررهم أكثر من منافعهم، وقال موضحاً: “إن التصرفات الصادرة عن هؤلاء المرضى قد تضر أحياناً المواطنين والأطفال الآمنين، ويجب على الأمن أن يقوم بتولي أمرهم وأخذهم إلى مستشفى الأمراض النفسية ليحصلوا على علاجهم”.
أما المواطنة نورة أحمد فضل فإنها تصف الظاهرة بالقول: “الظاهرة سلبية خصوصا أمام السياح الأجانب الوافدين إلى عدن لرؤية مكامن جمالها وحضارتها، وكان ينبغي على الجهات المعنية القيام بواجبها بوضع الرقابة في أماكن انتشار هؤلاء المرضى والقيام بدورها في نقلهم إلى المستشفى لمعاينة حالاتهم”.
وتقول المواطنة ميادة مهدي: “إن منظر هؤلاء المجانين في الشارع سيئ على البيئة المحيطة بنا، كما أن موقعهم خطأ، حيث إنها أكثر فئة معرضة للإصابة بالأمراض بسبب طريقة الحياة الخاطئة التي يعيشونها”. موضحة: “هؤلاء الأشخاص معرضون للحوادث المرورية التي قد تودي بحياتهم”.
وأكملت حديثها: “إن المركز المتخصص لا تتوفر فيها قدرة استيعابية لمثل هذه الحالات، حيث يتم توفير لها العلاج المناسب”. واختتمت قولها مناشدة الدولة بـ “أن تضع رقابة لهذه الفئة والعمل على رعايتها في مراكز صحية مؤهلة”.
**لا توجد منظمات متخصصة**
د. نعمان
د. نعمان
ولمعرفة الوضع الخاص الذي تعيشه تلك الفئة المشردة وتأثيرها على المظهر العام في المجتمع قمنا بزيارة إلى مركز اليمن لدراسات حقوق الإنسان للسؤال عن دور منظمات المجتمع المدني وما يمكن أن تقدمه حيال تلك الفئة الضالة في شوارع المدينة.. يقول الأستاذ محمد قاسم نعمان، رئيس المركز: “هناك الكثيرون ممن يعانون من هموم نفسية نتيجة لأوضاعهم، البعض منهم يبقيهم أهلهم في منازلهم، وهم أكثر من الأعداد التي نشاهدها مشردة وتتواجد بكثرة في الشوارع وتتعرض للانتهاكات والقمع والظلم، ولا تجد منظمات أو مؤسسات تتبنى موضوعهم أو تقوم بتقديم الواجب الإنساني لهم”.
وقال: “نحن مهمتنا كمركز حقوقي ركزنا على الانتهاكات التي حصلت في الجنوب وفي عدن بدرجة رئيسية وهي تتعلق بحقوق الناس، وتم الاتفاق في مؤتمر الحوار الوطني على أن يتم معالجة هذه الانتهاكات التي حصلت منذ عام 1994م، خاصة كتلك التي وقعت للمفصولين والموقوفين عن أعمالهم”.
وأضاف: “كعضو في مؤتمر الحوار أقمنا ورشة عمل في هذا الجانب وقمنا بالوقوف أمام هذه القضية، وكانت هناك عدة خطوات لكن لم يتم التنفيذ”.
مختتماً بقوله: “قبل عشرين سنة كان يوجد نظام يعمل على نقل أي شخص مريض نفسياً ويتواجد في الشارع إلى مستشفى الأمراض النفسية الموجودة في الشيخ عثمان”.
**لا نتعامل مع هذه الفئة**
د.الخضر
د.الخضر
وعن دور مكتب الصحة في محافظة عدن وواجبه حيال أوضاع تلك الفئة المشردة التي تعاني من أزمات نفسية مزمنة جعلتهم يتوهون في الشوارع والأسواق العامة، توجهنا إلى مدير عام مكتب الصحة الدكتور الخضر ناصر لصور الذي قال: “نحنُ لدينا مستشفى الأمراض النفسية والعصبية في محافظة عدن، الذي أنشئ في مرحلة الستينات وكان يسمى حينها بمصحة (السلام) وطاقتها الاستيعابية محدودة وهي تستوعب حالياً عينة من المرضى الذين يأتون بواسطة أقاربهم أو عبر أجهزة الشرطة، ويتم إخضاعهم للعلاج بإشراف أطباء متخصصين في هذا المجال”.
وحول المرضى الذين يتواجدون في الشوارع مسببين حالة من القلق والأذى العام قال: “الذين يتواجدون في الشارع هم من المرضى المصابين بأمراض مزمنة، وهذا ليس من اختصاص وزارة الصحة بشكل مباشر، كما أن هذا الموضوع بحاجة إلى تنسيق وتعاون بين جهات كثيرة منها وزارة الداخلية، ووزارة الشؤون الاجتماعية والعمل ووزارة الصحة”.
ويستطرد بقوله: “أحياناً نتلقى بلاغات من بعض السكان أو من أقسام الشرطة حول بعض الحالات المرصودة والتي يتم من جانبنا نقلها إلى المستشفى بواسطة سيارة الإسعاف، حيث يتم التعامل مع الحالة بحسب وضعها، ولا نستطيع نحن في وزارة الصحة أو في مكتب الصحة، التعامل مع جميع الحالات واستيعابها في ظل محدودية المستشفى الخاص بهم”.
وبخصوص سؤالنا عن الخطة المستقبلية التي تعد لها وزارة الصحة ممثلة بمكتبها في عدن أجاب: “لا توجد لدينا أية فكرة عن وجود خطة”، وقال: “نتعامل مع الحالات التي تأتي عبر المحكمة، أو مع الحالات التي تقلق السكينة العامة، وهذه الشريحة بدأت تتسع حالياً”.
واختتم الدكتور لصور بالقول: “لابد من وجود خطة تشارك بها جميع الجهات المعنية لإيجاد وسائل إنسانية للتعامل مع هذه الفئة، لأنني شخصياً لا توجد عندي فكرة كيف يتم التعامل مع مثل هذه الحالات في الدول الأخرى”، معبراً عن شكره للصحيفة لتسليطها الضوء على هذه القضية ومناقشتها مع الجهات المعنية.
**المستشفى يعمل بإمكانية ضعيفة**
ذهبنا إلى مستشفى الأمراض النفسية والعصبية في مديرية الشيخ عثمان، والتي يعتبر المستشفى الرئيس لاستيعاب واستقبال مثل هذه الحالات النفسية المزمنة، وهناك التقينا بالدكتور ثابت قاسم محسن، مدير عام المستشفى، الذي أوضح جانبا من المعوقات التي يعاني منها المستشفى، وظل مرافقاً لنا طيلة زيارتنا ولم يبارحنا لحظة واحدة.
د.ثابت
د.ثابت
يقول الدكتور ثابت: “إن السعة السريرية في المستشفى تصل إلى 240 سريرا، وأن السعة السريرية المشغلة حالياً ما بين 30 % إلى 40 % أي ما يعادل 140مريضا، 100 من الذكور، 40 من الإناث، وما زالت تتواجد حالياً في إطار المستشفى”.. موضحاً بالقول: “يستقبل المستشفى كل الحالات من جميع محافظات الجمهورية، لكن للأسف مازال يتم التعامل مع هذه المستشفى على أنه مستشفى مديرية وليس مستشفى عام للمحافظة بحسب تصنيف وزارة المالية”.
وعن نوع الحالات المرضية المتواجدة في المستشفى أجاب: “الحالات المتواجدة حالياً في المستشفى هي حالات مزمنة تتمثل في انفصام الشخصية والهستيريا والذهان، فبعض هذه الحالات متواجدة بالمستشفى منذ 30 سنة، والبعض منها منذ 20 سنة، وهؤلاء هم من أصحاب الأمراض المزمنة الذين تخلى عنهم ذويهم، حيث أصبح المستشفى ملجأ لتلك الحالات المزمنة بسبب تأخر علاجها”.
وحول إمكانيات المستشفى ووضعها التشغيلي الحالي قال: “الميزانية المخصصة ضئيلة جداً وبالكاد تلبي 30 % من نشاط المشفى، والميزانية التي تقدمها الدولة شهريا ثلاثة ملايين ومائتا ألف ريال، منها مليونا ريال تذهب لبند الطعام، مع العلم أن المستشفى يحتوي على 140 مريضا تصل قيمة تغذيته اليومية 650 ريالا، أي بمعدل إجمالي شهري لجميع المرضى بمليوني وخمسمائة ألف ريال”.
وأضاف: “لدينا 350 ألف في بند النظافة وتصل تكلفة المريض في اليوم إلى 2000 ريال، من ناحية النظافة والممرضين المتخصصين بشكل عام، فنحن نتعامل مع إنسان مريض نفسيا وليس جسديا، كما يوجد لدينا قسم نساء ويوجد أيضا أطفال يتم علاجهم في العيادة الخارجية ممن يعانون من التوحد والتشنجات وغيرها من الأمراض النفسية”.
**أدوية تستخدم للمرضى**
وما يتعلق بنوع وأسماء الأدوية التي يتم تجريعها للمريض وطريقة العلاج الذي يتلقونه قال: “هي كالآتي: صوديوم، فالبرويت، كاربامازين، هلوبيرادول، ملوفينازين، ديازيبام، كلوريد، مازبين، بنداكسول، متريتالين، صوديوم فالبرين، وهذه الأدوية يتم صرفها بحسب حالة المريض وبإشراف الدكتور المشرف على الحالة، وهناك حالات لبعض المرضى يتم معالجتهم بالوخز الكهربائي، وتصل عدد الوخزات الكهربائية إلى ثلاث مرات أسبوعيا للمريض الواحد”.
وحول موضوع المرضى المشردين في الشوارع تحدث بالقول: “نحن نستطيع أن نستقبل 100 % من قدرة المستشفى الاستيعابية، لكننا نريد الدعم المالي”.. منوهاً إلى أن “الجهات الرسمية من نيابة وأجهزة أمنية ومكتب المحافظة، مهمتها جمع المرضى ونحن من سيقوم بإيوائهم باعتبارنا واحدة من هذه المجموعة شريطة أن يتم توفير لنا ميزانية تشغيلية كاملة”، مبيناً أن “المستشفى لا يستطيع قبول المشردين في الشوارع، وأنها تكتفي بالمرضى الذين يأتي بهم ذويهم”.
وعن المشاريع الخاصة بالمستشفى تحدث: “نسعى إلى إعادة ترميم قسمين في إطار المشفى، وترميم العيادة الخارجية والصيدلية، حيث إنه لم تجر أية ترميمات للمشفى منذ عام 1936، والمبنى قديم إلا أنه صامد كونه صمم من الحجر”.
**نتعرض لمخاطر كثيرة**
النقابي يحيى
النقابي يحيى
من جهته أوضح رئيس نقابة الأمراض النفسية يحيى عبدالرحمن سلمان جانبا من دور النقابة في المستشفى قائلا: “إن الدور الذي تقوم به النقابة كبير وخاصة مع المصابين بهذه الأمراض”، ويضف: “إننا في إطار المشفى نعمل بصمت ونتعرض للضرب من قبل المرضى، كما أن هؤلاء المرضى يأتون بهم إلينا محملين بالأمراض مثل السل ولا يتم فحص هؤلاء المرضى أثناء مجيئهم إلى المشفى، ونحن أكثر الأشخاص عرضة للإصابة بالعدوى وذلك لتعاملنا المباشر مع هؤلاء المرضى، ورغم الصعوبات والنواقص التي يعاني منها المشفى إلا أننا نقوم بما يتوجب عليها القيام به، على الرغم أننا نستقبل مثل هذه الحالات من جميع المحافظات وليس من محافظة عدن فقط”.
وعن عدد الوفيات خلال السنتين الماضيتين أوضح أنه لم يشهد المشفى سوى حالة وفاة واحدة إثر قيام المريض بإحراق نفسه في القسم وتم إسعافه على إثرها إلى المشفى ولكنه فارق الحياة.
ويوضح سلمان أن سبب ذلك كان ناتجا عن نقص الكوادر الذين عددهم ثمانية ممرضين فقط، في الوقت الذي يصل فيه عدد المرضى إلى 130 مريضاً، أي أن في كل قسم من الأقسام 25 مريضاً وأربعة ممرضين.
وعن المخاطر التي يتعرض لها الممرضون أوضح رئيس النقابة في سياق حديثه أن “الاختلاط المباشر ما بين المرضى والممرضين أدى إلى تعريض ستة ممرضين إلى الإصابة بالأمراض النفسية، أحدهم توفي بعد إصابته بالجنون ويدعى قائد علي حمود”.
واختتم حديثه بالقول: “نطالب الجهات المختصة بالنظر إلى موضوع المشفى لا سيما وأن أقسامه مزود بأجهزة حديثة ومكيفة تم توفيرها على حساب منظمة الصحة العالمية، ولكن بسبب عدم وجود ميزانية تم إغلاق قسم رقم (“2” رجال) في الوقت الذي يعاني المستشفى من ازدحام بسبب ضيق الغرف الخاصة بالمرضى”.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى