وستبقى ينبوعا من عطاء لا ينضب

> جهاد محسن

> حققت مدينة عدن في مرحلة من مراحلها الذهبية نهضة ثقافية وفنية إبداعية مازال صداها وتأثيرها ساطعاً في الساحة المحلية والعربية، وعبر مجموعة متناغمة ومتنوعة من القصائد والألحان والأغاني الوطنية والعاطفية التي عزفت بكل الألوان والإيقاعات الغنائية والتراثية اليمنية، وكانت مصدر إلهام للعديد من الأدباء والشعراء، وحاضناً لكوكبة كبيرة من الفنانين والمبدعين الذين وفدوا إليها من كل مدن اليمن ـ جنوباً وشمالاً ـ ليدرسوا في مدارسها الفنية التي منحتهم (جواز سفر) لتتلألأ أسماؤهم في سماء الطرب والفن، وترسيخ حضورهم على مسارح الخليج والوطن العربي.
خلال العقدين المنصرمين، خصوصاً بعد تحقيق الوحدة اليمنية، تعرضت مدينة عدن لانتكاسة ثقافية وفنية كبيرة سادها الكثير من الإحباط والكساد والتذمر الفني، بسبب سياسة الإقصاء والإهمال والتدمير الممنهج الذي مارسته السلطات الرسمية في صنعاء حيال كل مثقفيها ومبدعيها، وقيام متنفذيها بالاستيلاء على مراكز ومنشآت ثقافية وفنية، وتدمير مسارحها ومحو هويتها الإبداعية.
بيد أنه في السنوات الخمس الأخيرة، برزت بعض المواهب العدنية الشابة والمتحمسة للفن، والتي كان بالإمكان التعويل عليها في مواصلة مشوار العطاء والإبداع للحفاظ على خصائص عدن الفنية ومقوماتها الثقافية، وهي مواهب كانت بأمس الحاجة لمن يتعهدها بالرعاية والاهتمام، والاعتماد على قدراتها لتعزيز الرصيد الإبداعي لعدن، غير أنه من المؤلم تم تجاهلها وكسر إرادتها وتطلعاتها، كما لو أن الانتقام المبطن يأبى إلا أن تبقى عدن في حالة ركود دائم وجمود مستمر، وأن تكون مشلولة وخالية من مشاريع ثقافية جديدة، ومن مواهب عدنية خالصة لديها من العطاء والقدرات الإبداعية ما يؤهلها للاستمرار في عالم الفن.
يحضرني في هذا الموضوع الإشارة إلى عدد من الأصوات والمواهب الغنائية التي برزت في عدن، وتم كسر عظمها وتجميد إرادتها حتى لا تنمو وتتطور، حين أجبروها على تقديم أعمال وأغان قديمة ومتكررة سبق تسجيلها وتوثيقها قبل عقود طويلة في تلفزيون وإذاعة عدن، وهي أعمال صارت مكتنزة في وجدان الآلاف من الناس الذين لا يستسيغون سماعها سوى بأصوات أصحابها الحقيقيين، وكانوا يتطلعون ولو لوهلة إلى مشاهدة أفكار ومشاريع إبداعية متطورة ومبتكرة، والتعرف على أسماء ووجوه فنية جديدة، تقدم نفسها إلى الساحة الإبداعية من خلال أعمال تحمل طابعها الخاص، بدلاً من أن يتم استغلال حماسها في تقديم القديم، وتوثيق الموثق، وتقديم ذات التقليد الغنائي الرتيب، كما لو أنهم يريدون القول: “إن عدن قد وصلت إلى حالة من اليأس والإفلاس!!”.
والعتاب هنا مُرسل إلى المؤسسات الثقافية الرسمية، ولكل القائمين على شؤون التلفزيون والإذاعة في عدن وصنعاء، لماذا لا يقومون بإنصاف مواهب (عدن) وإفساح المجال أمامها لترجمة ذاتها وبرهنة طموحها في الحياة، علها تتألق وتنجح في تحقيق أحلامها وحضورها في المستقبل، لأنه بتألقها تتألق عـدن وتسترد عافيتها ومجدها الثقافي العتيق.
ختاماً نؤكد لكل من يعتقد أن بسياسة التجاهل والإقصاء سوف يفلح بالقضاء على ثقافة المدينة ومكوناتها الإبداعية أن عدن ستبقى ينبوعا من إبداع لا ينضب، وهي الوحيدة القادرة على إيجاد المزيد من الأجيال والمواهب الصاعدة، والتي حتماً ستكافح بأقصى طاقاتها وإرادتها لتعيد لهذه المدينة المكانة الرائدة والعريقة مجدداً، وهي مواهب لاشك أنها سترفض بقوة العيش بلا طموح وبلا أمل، حتى لا تظل (عدن) بلا حاضر وبلا مستقبل!!.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى