القيادي الاشتراكي قاسم داود لــ«الأيام»:اليمن شهدت اختلالات بنيوية عميقة بعد 94م أفقدتها التوازن والاستقرار لذلك يجب العودة إلى نقطة توازن حقيقي مهما كانت مؤلمة

> حاوره / صلاح سيف

> قال القيادي في الحزب الاشتراكي اليمني والناشط في الحراك الجنوبي ورئيس مركز عدن للرصد والدراسات والتدريب الأستاذ قاسم داود: “إن المشهد السياسي بعد أحداث 21 سبتمبر لا ينفصل عن المسار الذي تطورت فيه الأحداث وإنما يأتي نتيجة لتداعيات وتطورات وتراكمات سابقة للأوضاع التي عاشتها اليمن التي مازالت تشهد أزمات متفاقمة ومتنوعة لحروب وصراعات مختلفة”.
وأوضح قاسم داود في حوار مع «الأيام» أن “مؤتمر الحوار أخفق في وضع معالجات حقيقية لقضايا رئيسية تحقق الشراكة الحقيقية”، مشيرا إلى أن “مجمل الحروب والصراعات التي دارت بعد انتهاء مؤتمر الحوار كانت بين أطراف مشاركة في مؤتمر الحوار وليس من خارجه”.
وحذر داود في حوار ينشر على حلقتين من محاولات إضعاف الحراك الجنوبي لأن أي محاولة لإضعاف الحراك لا يخدم السلطة ولا الأحزاب السياسية، بل يصب في خدمة القوى الإرهابية المتطرفة.
وتحدث القيادي الاشتراكي عن حالة التباين، والتشظي التي تعيشها قوى الحراك الجنوبي وحاجة الجنوب الملحة لرؤية وقيادة موحدة تمثله وتتحدث باسمه أمام القوى الدولية والإقليمية.. فإلى تفاصيل الحوار.
- كيف تقرأ المشهد السياسي في اليمن بعد أحداث 21 سبتمبر وسيطرة مليشيات الحوثي على العاصمة صنعاء؟.
شكرا عزيزي على منحي هذه الفرصة للاجتهاد في الإجابة عن أسئلتكم، أقول اجتهادا لأنه لا أحد - كما أعتقد - يمتلك دراية ومعرفة بما ستؤول إليه التطورات المتسارعة والعاصفة سواء في اليمن أو المنطقة بشكل عام، وبما أن اليمن قد وضعت في دائرة الرعاية الدولية بموجب أحكام الفصل السابع فذلك يعني وجود شركاء معترف بدورهم مقررين في شئون وأحوال هذه البلاد، لهذا أود التأكيد على أن ما سوف أقوله مجرد اجتهاد شخصي لا يلزم بالضرورة أي مؤسسة أخرى ولا يحسب عليها.. طبعا المشهد السياسي بعد أحداث 21 سبتمبر لا ينفصل عن المسار الذي تطورت فيه الأحداث طوال الفترة الماضية، فهو نتيجة لتداعيات وتطورات وتراكمات سابقة وللأوضاع التي عاشتها اليمن، فاليمن شهد ومازال يشهد أزمات متفاقمة ومتنوعة لحروب وصراعات، وكان الأمل في أن مؤتمر الحوار الوطني سيشكل محطة فاصلة في هذا التاريخ، ولكن للأسف المؤتمر حقق نجاحات في مجالات، ولكنه أخفق في مجالات أخرى.. أخفق في وضع معالجات حقيقية لقضايا رئيسية وأخفق في تحقيق شراكة حقيقية وأخفق في النظر إلى الواقع الراهن كما هو ووضع توجهات ورؤى مستقبلية تعبر عن مصالح كل الشرائح والقوى والمكونات الوطنية لهذه الأسباب كانت أولى نتائج أو تداعيات هذا الإخفاق لمؤتمر الحوار ما حصل من اقتتال في عدد من المحافظات وما شهدته صنعاء مؤخرا، خاصة ومجمل تلك الحروب قد دارت بين أطراف كانت مشاركة في مؤتمر الحوار وليس من خارجه، لأن اليمن شهدت اختلالات بنيوية عميقة ما بعد 94م أفقدتها التوازن والاستقرار لذلك يجب العودة إلى نقطة توازن حقيقي، مهما كانت مؤلمة حتى تتمكن من الانطلاق مجددا دون ذلك سيكون مصير كل المشاريع الإصلاحية بما فيها الجارية حاليا الفشل لأنها تجاهلت جذر المشكلة.
- هل ما حدث في عمران وصنعاء والجوف من حروب وصراع هو نتيجة طبيعية لانعدام وضع حلول ومعالجات عادلة للقضية الجنوبية وقضية صعدة دون وجود مسببات وعوامل أخرى؟.
هذه إحدى تجليات عناصر الفشل وهي واضحة، من قاد مؤتمر الحوار هي القوى الأساسية التي وقعت على المبادرة الخليجية أولا، والتي شكلت منها بعد ذلك لجنة التواصل الرئيسية التي حضرت لمؤتمر الحوار الوطني، وكان الحراك الجنوبي والحوثيون خارج اللجنة، فالحراك قاطع المؤتمر وشارك مكون واحد فقط، والحوثيون شاركوا في الحوار لعمل سياسي، وإن كان المكونان لم يشاركا في العملية السياسية من بدايتها ولم يوفر لهما مؤتمر الحوار الاطمئنان حول المستقبل، وذلك وضح بما تم في إطار العملية السياسية منذ المبادرة الخليجية حتى مؤتمر الحوار.
- ذكرت أن مؤتمر الحوار لم يوفر الاطمئنان حول المستقبل، هلا توضح هذه الجزئية؟.
تجلى ذلك بكل الإجراءات التي تمت وكان الهدف منها حل أزمة السلطة بصنعاء أولا وتاليا إنتاج عملية سياسية وتصورات مستقبلية لا تلبي تطلعات الكل ولا تستجيب لحقائق موجودة على أرض الواقع، قبل المؤتمر طرح موضوع إدانة الحروب وبالذات حرب صيف 1994م وحروب صعدة الستة .. إدانة واضحة ومتكاملة غير ملتبسة ومن الأطراف المعنية وهو الأمر الذي لم يتم، وكانت في هذه الإدانة مصلحة لليمن كلها، وللأسف هناك أطراف حالت دون أن تتحقق تلك الإدانة للحروب والاعتذار للجنوبيين وأبناء صعدة.
- لكن حكومة الوفاق قدمت اعتذارا نيابة عن الدولة؟.
ما قدم هو اعتذار ملتبس في ظاهره اعتذار وفي باطنه تهديد ودعوة لحروب جديدة، ولأن النوايا لم تكن صادقة وجادة طلع علينا مؤخرا أحد قادة المؤتمر الشعبي العام بموضوع نشرته إحدى الصحف الأهلية يصف فيه حرب 94م بأنها حرب الدفاع عن الوحدة، وشاهدنا أيضا في الأيام الماضية من كان يظهر على شاشات التلفاز ويقول أن الحروب الست في صعدة هي حروب الحوثيين ضد الدولة، يعني هذا أن مؤتمر الحوار كان فعلا ملتبسا وفيه قوى لم تكون جادة وصادقة، ولهذا عادت الحروب، ولو كان المؤتمر نجح في إدانة ورفض الحروب والعنف لأهداف سياسية ما كان حصل ما حصل في عدد من المحافظات الشمالية وحتى صنعاء، وقس على ذلك في القضايا الأخرى.
- فيما يتعلق بالحلول الخاصة بالقضية الجنوبية التي خرجت بها وثيقة الحوار الوطني هل وثيقة الحوار لبت الحد الأدنى من مطالب الجنوبيين؟.
لا لم تلب الحد الأدنى من مطالب الجنوبيين، فموضوع الجنوب مع مؤتمر الحوار قصة طويلة، أولا من مضمون المبادرة الخليجية التي لم تتطرق للقضية الجنوبية، وثانيا في أسس مؤتمر الحوار، وفي تمثيل الجنوب كانت هناك خدعة كبيرة هي نسبة التمثيل 50 % للجنوب مقابل 50 % للشمال والتي احتسبت من الناحية الشكلية فقط، فالتمثيل الجنوبي في مؤتمر الحوار خضع لعلاقات شخصية ومصلحية مع احترامي لمن شاركوا هم شاركوا كمواطنين، لكن تمثيل الجنوب كقضية هذا لم يحدث، والأمر الآخر كان في قوى جنوبية لها ثقلها ووزنها مستعدة أن تشارك في مؤتمر الحوار وطرحت مطالب من أجل مؤتمر حوار ناجح ولم يستجب لمطالبها ولم يتم مناقشتها معها، بل جرى تجاهلها حيث لم يشارك من القوى المنظمة سوى مؤتمر شعب الجنوب حديث النشأة، واضطر للانسحاب في مرحلة متقدمة من المؤتمر، وهناك من أراد أن يكون تمثيل الجنوب وفق مواصفات معينة تمرر المشروع السياسي واختصر تمثيل الجنوب لتمرير طبخة سياسية، وللأسف كان لها نتائج وخيمة على الوضع اليمني كله وليس فقط على الجنوب، خلاصة الأمر كان هناك تغييب للإرادة الجنوبية ومصادرة لحق الجنوبيين وتجاهل للمليونيات التي جرت حينها وتعاملوا معها وكأنها في عالم اخر.
- إذا كان مؤتمر الحوار فشل في وضع حلول عادلة للقضية الجنوبية فما هو الحل من وجهة نظرك؟.
ببساطة الاستماع إلى رأي الجنوبيين واحترام إرادتهم الجمعية وتمكينهم مما تقره لهم المواثيق الدولية، ومن خلال الحوار وحده بمعنى ألا يتم فرض الأمر الواقع ولا اللجوء إلى وسائل لا تفيد الشمال والجنوب، هناك إمكانية للبناء على ما تحقق في مؤتمر الحوار بمستوى آخر من الحوار بين الأطراف المعنية وعلى أسس ومرجعيات تتفق عليها الأطراف الرئيسية، وفي هذا مصلحة للشمال والجنوب على حد سواء، اللبنانيون تحاوروا في سويسرا منتصف السبعينات وبعدها في الطائف وفي الدوحة ومازالوا مستمرين في حوار مفتوح، ومشاكل لبنان أقل شأنا من مشاكل اليمن.
في 21 سبتمبر الجاري تم التوقيع على اتفاق السلم والشراكة برعاية أممية.. هل تعتقد أن هذا الاتفاق سيجد طريقه للتنفيذ أم أنه سيتعثر وستذهب اليمن نحو الحرب الأهلية والتشظي؟.
بنود الاتفاق هي بنود إجرائية آنية، فعوامل الصراع وجذور الأزمة والاختلاف موجودة، وفي اعتقادي أن بنود اتفاق السلم والشراكة هو عملية تسكين للأزمة، وكل طرف يسعى لتوظيفها لمصلحته فأنصار الله يستخدمون الوثيقة لمنح شرعية لما قاموا به، والسلطة استخدمت الوثيقة للتأكيد على أنها مازالت قائمة وتمارس دورها، والأحزاب تريد توظيفها لإثبات وجودها وحضورها حتى لا يقال بعد سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء إن الحوثيين كنسوا الأحزاب الأخرى، والمجتمع الدولي يريد تأكيد دوره في اليمن وأن العملية السياسية مازالت قائمة في اليمن، وأنه لم يفشل كما فشل في العراق وسوريا وليبيا، فكل طرف له مصلحة معينة ولكن الاتفاق هو لتهدئة الأزمة فقط، أما الأزمة لازالت قائمة وستظل مستفحلة، واليمن اليوم أمام مسارات و احتمالات متنوعة.
- معظم القوى الرئيسية كانت تشخصن الصراع بين الحوثيين وقوى معينة مشاركة في السلطة.. فهل كانت محقة في تشخصيها للصراع أم أن نظرتها وقراءتها كانت قاصرة في هذا الأمر؟.
الحقيقة في صراع واضح في اليمن بين أطراف سياسية معينة تمتلك السلاح وتتقاتل في مناطق ومحافظات معينة منذ سنوات، فحصل تداخل وتحالفات مع أنصار الله وهذا الموضوع واضح للجميع، لكن هذه ليست نهاية المطاف، والآن الوضع قابل للتغيير وليس كل الناس التي خرجت بعشرات الآلاف مع الحوثيين في صنعاء سيظلون مع أنصار الله فهذه الكتلة البشرية تجمعت من مصالح وأحزاب وقوى وطبقات مختلفة وكان لها هذا الموقف مع أنصار الله لأنهم استغلوا الوضع وتبنوا قضايا مرتبطة بهموم ومعاناة وقضايا الناس ومعيشتهم اليومية، ولكن في ظرف آخر قد تتغير المعادلة ونفس الموضوع بالنسبة للقوى الأخرى.
- هل تعتقد أن ما حدث من عمليات سلب ونهب لمؤسسات الدولة العسكرية والأمنية ولمنازل قيادات سياسية وما تلاها من تصرفات غير مقبولة ستجعل الشعب يثور وينقلب على أنصار الله؟.
أنصار الله تحملوا عبئا ثقيلا في هذا الظرف وسوف يواجهون تحديات ليست هينة وقوى متنوعة، وهناك قوى سوف تواجههم مواجهة أمنية قد تتسع ساحتها كما حصل مع الحزب الاشتراكي بعد 1990م، وهناك قوى سوف تعمل على إعاقة نجاح أنصار الله في إحداث تغيير حقيقي على الأوضاع في البلد يكون له تأثير على حياة الناس مثل تحقيق الاستقرار الأمني وتحسين معيشة الناس ومحاربة الفساد وتجفيف منابعه، فهناك قوى لن تسمح لهم بتحقيق هذا، إضافة إلى أنهم سوف يأتون بحجمهم ووزنهم إلى مناخ آخر في السلطة وهو مناخ فساد واستبداد فظيع، فما هي قدرتهم على التأثير فيه، ولهذا فوضعهم سيكون صعبا ويحتاج منهم إلى حسابات دقيقة لكل خطوة وإلى مبادرات سياسية جادة كتشكيل تحالفات واستنهاض المجتمع كله، فهم سوف يدخلون في حكومة مع قوى أخرى كشركاء والشريك لن يقرر وحده، والأخطر من ذلك ليس على أنصار الله وحدهم بل على المجتمع كله بمختلف قواه ومكوناته هو إذا أخذت الأحداث طابع العنف واتسعت رقعة المواجهات وجبهات الصراع وتدخلت أطراف خارجية، كما يحدث في العراق وسوريا وجرى نقل الصراع الطائفي الجاري في المنطقة إلى اليمن حينها سوف ينجر الكل إلى معارك خاسرة وسوف تغرق البلد وكل القضايا الوطنية العادلة والتطلعات المشروعة.. موضوع الحديث عن الانتهاكات التي حدثت ما بعد 21 سبتمبر يجب أن تؤخذ بحجمها وظروفها دون مبالغة أو تهويل، ونود أن نذكر الكثيرين بما حدث في الجنوب وللجنوبيين بعد 94م ولايزال مستمرا حتى اليوم من مصادرة وانتهاكات وقمع.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى