فساد قطاع النفط يدفع الوزير بحاح لقيادة حكومة المرحلة الحرجة تصعيد الشارع الجنوبي أجبر صنعاء على قبول شخصية جنوبية لرئاسة الوزراء

> تقرير/ مرزوق ياسين

> دفعت الأوضاع السياسية في اليمن بالوزير المستقيل من وزارة النفط في يونيو الماضي ومندوب اليمن لدى هيئة الأمم المتحدة خالد محفوظ بحاح إلى رئاسة حكومة قد يطول انتظارها وبعد أكثر من عشرين يوما من المشاورات بين القوى السياسية المتصارعة لتسميته.
جاء القرار الجمهوري بتسمية بحاح رئيسا للوزراء وتكليفه بتشكيل حكومة جديدة في ظرف دقيق تمر به العاصمة اليمنية صنعاء التي أصبحت في قبضة جماعة الحوثيين، وتجوب في شوارعها دوريات لجان شعبية تابعة للجماعة وحراك سياسي غير مسبوق تشهده محافظة عدن بمناسبة الذكرى الـ51 لثورة الـ14 من أكتوبر - بحسب مراقبين - قد يكون لها أثر كبير في حسم تسميته رئيسا للوزراء.
كانت جماعة أنصار الله التي دخلت تحالفا غير معلن مع الرئيس السابق علي عبد الله صالح قد شنت هجوما حادا على مدير مكتب رئيس الجمهورية الخبير الإداري أحمد عوض بن مبارك، واتهمه زعيم الجماعة عبدالملك الحوثي بأنه صنيعة سفارات، ودعت إلى الاحتشاد بميدان السبعين قبل أن يعتذر بن مبارك عن قرار تكليفه بعد صدوره بساعات.
وبالرغم من أن اتفاق السلم والشراكة الذي وقعته القوى السياسية عشية سقوط صنعاء في 21 سبتمر الماضي يؤكد على ما كان يؤمل عليه الشارع اليمني والمجتمع المدني بأن يدفع بوجوه جديدة إلى الحكومة إلا أن المتغيرات الجديدة التي تشهدها الساحة الجنوبية تحديدا جعلت القوى المتصارعة في صنعاء أمام أمر واقع للقبول بوزير انطبق عليه معيار النزاهة، في حين تسلم مرات عدة حقيبة وزارة النفط (القطاع الذي يشهد فسادا كارثيا ويتقاسمه نافذون).
وكان رئيس الوزراء في يونيو الماضي قد أقر أثناء تسلمه حقيبة وزارة النفط بالفساد الذي يشهده قطاع النفط وكتب قبل استقالته بأيام رسالة للرئيس هادي تحدث فيها عن شخصيات كبيرة تقوم بتهريب النفط من جنوب اليمن إلى جنوب إفريقيا مقابل بيعة بالسعر العالمي وشراء بسعر الوطن أي بما يعادل خسارة ميزانية الوطن حوالي (123) مليار ريال سنويا.
وقال في رسالته قبل إعلان استقالته من وزارة النفط على صفحته في الفيس بوك: “فخامة الرئيس نحن عجزنا عن التصدي لهذه الشخصيات بكل الوسائل المتاحة لنا، فنطالب فخامتكم بالوقوف والتصدي لهم حتى يعود الوضع ونستطيع توفير النفط للمواطنين، وإنهاء الأزمة الحالية”.
وخالد محفوظ بحاح من مواليد محافظة حضرموت الديس الشرقية 1 يناير 1956 حاصل على ماجستير من جامعة بونا الهندية في (إدارة أعمال وبنوك ومال) 1990 - 1992.

وعمل بحاح في إحدى الشركات النفطية باليمن قبل أن يعين وزيراً للنفط والمعادن، في حكومة باجمال 2006، وحكومة علي مجور حتى 2008.
كما عُين سفيرا لليمن لدى كندا في ديسمبر 2008م، ومن جديد عين وزيراً للنفط والمعادن في حكومة باسندوة من 7 مارس 2014 حتى 11 يونيو 2014 م، وقبل تكليفه يوم أمس الأول بتشكيل الحكومة عين مندوبا لليمن في الأمم المتحدة منذ تاريخ 11 يونيو 2014م.
ثمة ترحيب كبير أعلنته القوى السياسية بتعيين بحاح رئيسا للوزراء، وكانت قد بذلت مساع كبيرة لإقناعه بعد أن تعثر إقناع عدد كبير من الخبراء من بينهم شخصيات جنوبية مرموقة لقيادة حكومة مقبلة من بين قائمة وصلت إلى 30 اسما قدمت إلى الرئاسة، ولم يتم الإفصاح عن معظم الأسماء.
وقال محمد الغباري مراسل (رويترز) بصنعاء: “دون مزايدة، وشهادة أتحمل مسؤوليتها، كل الأحزاب بما فيها الإصلاح والحوثيون والاشتراكي والناصري أيدوا بدون تحفظ ترشيح خالد بحاح لرئاسة الحكومة، وجميعهم يعرفون أنه ليس محسوبا على أي طرف”.
يواجه رئيس الحكومة تحديات إيجاد دولة غابت وظيفتها وإعادة الأمور إلى نصابها في بلد تقوده تطورات الأوضاع والأزمات إلى الهاوية.
وكتب الصحفي المستقل نبيل سبيع: “التحدي الأكبر الذي سيواجهه خالد بحاح وحكومته هو نفس التحدي الذي سيواجهه أي رئيس حكومة يأتي بعده وبعد حكومته في ظل سلطات الحوثي المطلقة، وغير المحدودة، وهو على الأرجح يفوق التحدي الذي واجهه باسندوة وحكومته بكثير.
وأبدى سبيع في مقال له مخاوفه من وجود اللجان الشعبية التابعة لجماعة أنصار الله وإحكامها القبضة على صنعاء، وقال: “مبدئياً تبدو اللجان الشعبية هي الشكل الذي سيحكم الحوثي من خلاله صنعاء وحكومتها”. فمنذ سيطرته على العاصمة، أكد أكثر من مرة على أن “اللجان الشعبية لن تغادر صنعاء، بل ستبقى حتى بعد تشكيل حكومة الشراكة الوطنية لممارسة رقابة شعبية على الحكومة، وهكذا ستمارس لجان الحوثي الشعبية سلطتها على الحكومة من فوقها باسم الرقابة الشعبية”.

وأضاف: “بعبارة أخرى اللجان الشعبية ستكون حكومة حوثية فوق حكومة الشراكة الوطنية، وقد بدأت فعلاً في ممارسة الرقابة على المؤسسات الحكومية منذ دخولها صنعاء، حتى شيكات وأوامر صرف رواتب الموظفين الحكوميين لابد أن توافق عليها اللجان الشعبية، وتحت إشراف مكاتب أنصار الله بصنعاء”.
من جهته كان القيادي في جماعة أنصار الله، علي البخيتي قد حمل رئيس الجمهورية مسؤولية التأخير في تسمية رئيس الوزراء عقب إعلان حزب الإصلاح فرع عدن انضمامه للفعالية المليونية التي شهدتها ساحة العروض بعدن قبل أن يرحب بتسمية بحاح رئيسا للوزراء بساعات.
وقال البخيتي: “نبارك لدولة رئيس الوزراء المكلف الأستاذ خالد بحاح ثقة فخامة رئيس الجمهورية عبدربه منصور هادي، ونتمنى له التوفيق والنجاح في مهمته الجديدة، ونأمل أن يتم الإعلان عن تشكيل الحكومة في أقرب وقت ممكن لنشرع جميعاً في تطبيق مخرجات مؤتمر الحوار الوطني المتوافق عليها وبناء اليمن الجديد”.
وأشار أستاذ الفلسفة بجامعة عدن الدكتور سامي عطا إلى “وجود تكهنات بتولي زميل دراسته خالد بحاح رئاسة الوزارء منذُ وقت مبكر”، مؤكدا أن “عليه تعقد آمال كبيرة”، متمنيا له التوفيق في هذه المرحلة.
فيما أشار وزير التربية والتعليم السابق، الدكتور عبد السلام الجوفي إلى أن “بحاح يحمل شخصية متزنة ورؤية اقتصادية ومهذب”.
تواجه الحكومة المقبلة صعوبات وتحديات كبيرة، وليس بمقدورها تجاوز مخاطر المرحلة الحرجة دون تضافر جهود القوى السياسية والمجتمع المدني، ودعا مرشح أنصار الله لرئاسة الحكومة أيوب الحمادي إلى دعم رئيس الوزراء خالد محفوظ بحاح، وقال: “الأخ خالد بحاح بحاجة إلى دعم صادق من الجميع في هذه المرحلة، لاسيما وأن الوقت لم يعد يتسع لمزيد من الأزمات والخيارات في إعادة مؤسسات الدولة التي تكاد تكون معدومة”.
وأضاف: “بحاح لديه تصور تام ومقنع لما كان يقوم به، مما يجعلني أثق بدعم الجميع له في هذه المرحلة”.
وقال البروفسور اليمني المقيم في ألمانيا أيوب الحمادي: “من الأجدر عند الحديث عن حكومة جديدة بعد الأزمات ألا نتحدث عن الأشخاص، وإنما أن نضع معايير شفافة لعملية التكليف والتعيينات القيادية في جهاز الدولة حسب خطط تنفيذية مزمنة، وألا نكرر أخطاء المراحل الماضية وأن تخلي القيادات العتيقة، التى عفا عليها الزمان لفهم متطلبات العصر بشكل عام، الطريق للقوى الصاعدة أصحاب الكفاءات العليا بعيدةً عن المصالح الآنية و الأنانية”.
وأضاف: “النظام القائم في هذه المرحلة الحرجة يجب أن يكون حريصا على ألا يعيد إنتاج نفس الأشخاص ونفس الآليات والأدوات في إطار هذه السلطة إذا كنا نريد الخروج من الأزمات بتقاليد جديدة بعيدة عن مآسي الماضي غير البعيد”.
وذكر أن “إصدار قرارات لا تُبنى على انسجام مع التوافق أو العمليات التنفيذية، لن تنعكس على نجاح العملية الأمنية والتنموية ولن تفي بتطلعاتنا، ولا جدوى بعدها من الحديث عن المستقبل والأمن بقيادات انتهت أصلا صلاحيتها، والأجدر اليوم أن يدرك الجميع بعد الفشل الذريع في منظومة الدولة والخوف من القادم أننا جميعا أمام المحك فيما يتعلق بالالتزام بمعايير النزاهة والكفاءة العلمية والتوازن الوطني في ما يخص المرحلة القادمة والعمل على مغادرة معايير الولاء والمحسوبية الضيقة التي أورثتنا هذا الوضع المأساوي المختل، والذي شكل البيئة المناسبة ليس فقط للفساد، والفشل بكل أشكاله، وإنما الشعور بالظلم والإقصاء الذي اجتاح النخب والفئات الاجتماعية التي وجدت نفسها على هامش الحياة”.
وتابع في منشور على صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي قائلا: “إذا كان هدفنا الخروج من الأزمات وفق خطط زمنية يجب أن تكون عملية منسقة وفق صلاحيات معينة يتم تحديدها في كل مفصل في الدولة من رأسها حتى أخمص قدميها تخضع للمحاسبة والمراقبة”.
ويرى مراقبون أن “تعيين خالد محفوظ بحاح أيضا جاء وفق توجه لدى قوى مدنية وسياسية لمواجهة فساد قطاع النفط”.
وكانت وزارة الخارجية الأمريكية قد مولت مؤخرا مشروعا يتيح لليمنيين الاطلاع على معلومات حول ثرواتهم النفطية والصناعات الاستخراجية في قطاعات النفط والمعادن بقيت لعقود من الزمن رهن تقاسمات قوى النفوذ، وإبرام صفقات لم يستفد منها سوى ثلة من قوى الفساد والنهب المنظم في البلد.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى