مـسـرح عـمـرو جـمـال.. امـتـداد لـمـسـرح الـجـحـوشـي

> جمال كرمدي

> يذكرني مسرح عمرو جمال بمسرح الفنان المسرحي الكبير سالم حسين الجحوشي، ذلك المسرح الذي كان له السبق والريادة في الانتقال بالمسرح اليمني من واقعه التقليدي الملتزم والذي كان يعتمد كليا على دعم الدولة وإمكانياتها المحدودة إلى المسرح التجاري الحر المعتمد على شباك التذاكر وتمويل القطاع الخاص له.. لقد أحدثت تجربة مسرح الجحوشي الرائدة التي بدأناها معه في عام 1993م وكان لنا الشرف في تأسيس المسرح التجاري الحر في اليمن وما أحدثته تلك التجربة الرائعة من نقلة نوعية جديدة ومتميزة على صعيد حركتنا المسرحية اليمنية،
تمثلت أولا في الانفتاح الدرامي والتحرر من قيود الرقابة على النص المسرحي والتمرد على مقص الرقيب الذي كان مسلطا على رقاب المؤلفين والكتاب المسرحيين.
**ثانيا: خروج المخرج عن المألوف الذي كان سائداً وقتذاك وتحديداً في فترة السبعينات والثمانينات من القرن الماضي عندما كان المخرج مجرد بوق من أبواق السلطة بلا موقف ولا رأي، ولكون الإخراج عبارة عن (فكر وإبداع) فقد كان لمسرح الجحوشي دور فاعل في تحفيز قدرات المخرجين نحو التخلص من كابوس الخوف الجاثم على رؤاهم الفكرية والفنية، كذلك الممثلون الذين ظلوا السنوات طويلة مقيدين في أدوارهم لا يحق لهم الخروج عن النص أو التصرف في إطلاق ملكاتهم التمثيلية كلما وصلوا إلى قمة النشوة في أدوارهم أي (السلطنة في الأداء والتعبير) فكانت مسرحيات (دنيا فالتو ويا بلاشاه وهب له من الديش وغيرها من المسرحيات التي قدمها مسرح الجحوشي) لها بالغ الأثر في إحداث نهضة مسرحية راقية استطاعت أن تخلق للمسرح جمهوره الخاص الذي كنا نفتقد حضوره في السابق ولم نره ونشاهده إلا في المواسم والمهرجانات المسرحية فقط.
ومع ظهور مسرح الجحوشي استمرت الحركة المسرحية في الاتصال والتواصل مع جمهور النظارة، بعيداً عن الموسمية التي تميزت عروضها المسرحية بضعف الإقبال الجماهيري لها وعدم استمراريتها لفترة زمنية طويلة وبالكاد لا يتجاوز عرض المسرحية الواحدة منها أكثر من ثلاثة عروض فقط وتختفي تماما رغم مجانية العروض و(الفرجة بلاش).
بينما كنا في مسرح الجحوشي نقدم عروضنا المسرحية أكثر من ثلاثة أشهر متتالية وبشكل يومي دون توقف وأحياناً نقدم عرضين في اليوم الواحد لا سيما في عيدي الفطر والأضحى المباركين وشباك التذاكر كان شغالاً إلى درجة أن تذاكر المسرحية كانت تباع في السوق السوداء من قبل بعض المستغلين لشدة ازدحام الجمهور وقوة الإقبال على المسرح.
هكذا كانت الحالة المسرحية في بلادنا في قمة انتعاشها وحضورها حتى عام 1990م ذلك العام المشؤوم الذي تم فيه إعادة المسرح الوطني بالتواهي إلى مالكه (جعفر المرزا) بناء على توجيهات رئاسية من (الرئيس السابق) وإن شاء الله في مقالتنا القادمة سننشر لقرائنا الأعزاء تفاصيل الحديث الساخن الذي دار بين (الرئيس السابق) وبين عميد المسرح اليمني (علي أحمد يافعي) حول قضية المسرح الوطني بالتواهي.
المهم، في ضوء ذلك القرار الأرعن توقف النشاط المسرحي في عدن وأصبحنا كمسرحيين بلا مأوى ولا مسرح، واستمر ذلك الوضع قائماً على مدى عشر سنوات من الركود المسرحي إلى أن ظهرت فرقة خليج عدن المسرحية في عام 2005م هذه الفرقة المسرحية الرائعة بشبابها المتعطشين لفن المسرح، فوجدوا منه متنفساً لإطلاق الفنان لمواهبه وقدراته الفنية المختزنة في مستودع اللا شعور (العقل الباطن) فتفجرت عليه طاقاتهم الإبداعية عاما بعد عام حتى وصلوا إلى ما وصلوا إليه اليوم من روعة واقتدار في العطاء والخلق الفني.
حقيقة استطاع مسرح عمرو جمال أن يحذو حذو مسرح الجحوشي في اعتماده على القطاع الخاص وشباك التذاكر اللذين أطالا من عمر مسرحه وأبقياه نابضاً بالحياة خلافاً لمسرح الجحوشي الذي انهار بسبب الصدمة التي تلقاها من جراء ضياع المسرح الوطني والشتات الذي ألم بنا كمسرحيين في عدن.
**ختاماً: نستطيع القول إن مسرح عمرو جمال أعاد الاعتبار لمسرح عدن خاصةً وللمسرح اليمني عامة ودفع بالكثير من الشباب الموهوبين نحو الاقتداء به واتباع طريقه، فظهرت فرق شبابية مسرحية في عدن ومازالت إلى يومنا هذا تقدم أعمالها المسرحية في الملاهي والمتنزهات والأندية وعلى الهواء الطلق.
الجدير بالذكر أن مسرح عمرو جمال قدم خلال مشواره الفني عددا من المسرحيات الجيدة التي أعادت ثقة الجمهور بالمسرح ومن أهم الأعمال المسرحية التي قدمت (عائلة دوت كوم - حلا حلا يستاهل - سيدتي الجميلة - بشرى سارة - معاك نازل - كرت أحمر - وأخيراً مسرحية (صرف غير صحي) التي شاهدنا لها عرضاً لا يرتقي إلى مستوى العروض السابقة للأسف الشديد وسوف نتناولها بالنقد والتحليل في مقالتنا القادمة.. مع حبي وتقديري لمسرح عمرو جمال.
**جمال كرمدي**

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى