المتوكل الذي عرفته متوكلاً على الله

> بقلم : علي ناصر محمد

> كان على موعد مع الموت عدة مرات، سواء بالمرض الذي قاومه عدة سنوات دون أن يتمكن من كبح جماح رغبته بالانخراط في كل فعالية سياسية وفكرية يدعى إليها أو يعرف عن تدشينها أو يهندسها بنفسه، فلدى ذلك الرجل النحيل طاقة سمينة قل نظيرها.. أم بمحاولات اغتيال سابقة نجا منها بأعجوبة ليعود إلى تراب الحياة من بين رماد الموت ينثر وروده كما كانت عادته.. هكذا إلى أن جاءت الطلقة الأخيرة يوم الأحد الماضي لتنال منه وتنال معه من قامة سياسية وطنية ودوحة فكرية وشخصية أكاديمية فذة.
يشكل اغتيال الشهيد الدكتور محمد عبد الملك المتوكل خسارة كبرى على الوطن في مختلف أحواله، ويشكل خسارة أكبر في ظل ما تعيشه اليمن اليوم، وهو الذي امتاز بمقارباته التوفيقية التي لا تكل ولا تمل، وآرائه المتزنة التي لا تخشى اتزانها واعتدالها، وقد تسيّد التطرف على المشهد، ومواقفه الحكيمة التي يعوزها المجتمع حين تعز الحكمة وتصبح عملة نادرة، لاسيما في موطنها العميق، حسب توصيف الرسول الأعظم محمد (صلى الله عليه وسلم): “الإيمان يمان والحكمة يمانية”.
يعد الشهيد الدكتور محمد عبدالملك المتوكل من الشخصيات السياسية المخضرمة، فقد واكب الرجل معظم مراحل الحركة الوطنية، وكان في جلها إن لم نقل في كلها لاعباً محترفاً ورقماً حاضراً بقوة يشهد له خصومه قبل أترابه، وقد عُرف عنه الحصافة والنباهة واللباقة والوفاء، وهي مما يحتاجه المرء ليكون قيادياً بامتياز.
بالنسبة لي بصفة خاصة أشعر بخسارة فادحة باغتيال الشهيد محمد المتوكل فقد عرفته في وقت مبكر مع السفير مصطفى النعمان، وكان ذلك أول لقاء لي معه، وتلاها لقاءات مع بقية الأصدقاء المشتركين، ومنهم الراحل العزيز عبد القدوس المضواحي رحمه الله، ولطالما ترافقا في أسفارهما، وكان مكتبي أو منزلي محطة لقاء نتبادل فيه أطراف الحديث عن هموم الوطن في مراحل متعاقبة وظروف مختلفة.
كان المتوكل متوكلاً على الله، فبساطته اللافتة وحياته المتواضعة تشهدان على ذلك، كما أن عزوفه عن حياة الشخصيات السياسية التي تميل إلى عسكرة حياتها بالمرافقين وغير ذلك كان دليلاً ملموساً على صدق إيمان الرجل بالدولة المدنية التي كان ينادي بها ويعتبرها مفتاح الحلول لأزمات اليمن.
اغتيال المتوكل في هذه اللحظة التاريخية من أخطر محاولات خلط الأوراق وفق معطيات الراهن، لاسيما أن الرجل محسوب على كل الأطراف بصفة مباشرة وغير مباشرة نتيجة لآرائه النوعية التي لا تميل إلى الخصومة قدر ما تميل إلى الحكمة، وبهذا يعبر الطرف المتورط في اغتياله عن رغبته الواضحة في الإجهاز على ما تبقى لليمنيين من روح للاعتدال محاولاً التسريع بالخطى نحو الصوملة والاحتراب الأهلي، وهي المصيبة التي لطالما حذرنا منها، وحذر منها الشهيد محمد المتوكل.
تقبل الله الشهيد الدكتور محمد عبد الملك المتوكل كما يتقبل خيرة الشهداء وعظيم الصالحين في الفردوس الأعلى، والله نسأل أن يحمي وطننا من كيد المعتدين وأن يعيد له اعتباره قبل أن ينزلق إلى ما يريده قتلة المتوكل وقتلة سابقيه من الشهداء.. إنا لله وإنا إليه راجعون.
4 نوفمبر 2014م
**بقلم : علي ناصر محمد**

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى