الـفـتـاوى الـتكـفـيـريـة .. وتـداعـيـاتـهـا الـتـدمـيـريـة

> يحيى عبدالله قحطان

>
يحيى عبدالله قحطان
يحيى عبدالله قحطان
لاريب أن الوازع الإيماني والحس الوطني والوعي الوحدوي والشعور الأخوي والذي ملك بشاشته قلوب ووجدان الجنوبيين هو الذي دفعهم (قيادة وحكومة وشعبا) للسعي الحثيث المتواصل إلى تحقيق الوحدة اليمنية بالطرق السلمية بين الجمهورية العربية اليمنية وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية في 22 مايو عام 90م بعد قطيعة بين الشمال والجنوب دامت عدة قرون، رغم صدور الفتاوى التكفيرية من قبل بعض علماء الشمال، والتي لا تجيز الوحدة مع الجنوب الاشتراكي، حيث ظل هؤلاء التكفيريون بعد الوحدة يشككون في عقيدة الجنوبيين وينظرون إليهم نظرة دونية، ويتعاملون معهم كالطلقاء، وكضيف غريب حل بديار البخلاء، تلاحقهم فتاوى التكفير والتحقير والتبديع، كما تم رفض دستور دولة الوحدة بحجة أن الدستور اشتمل على الإشراك بالله في الحكم حسب زعمهم، وأنه ساوى بين المسلم والكافر والرجل والمرأة. لقد ظل هؤلاء الإخوة الذين يعتقدون أنهم وحدهم يمثلون ظل الله في أرضه، وحماة الإسلام وأنهم يملكون مفاتيح الجنة والنار، باعتبارهم الفرقة الناجية وغيرهم الفرقة الهالكة، صار هؤلاء يمهدون لحرب 94م المشؤومة والترويج للفتاوى التكفيرية، من خلال التجمعات في المعسكرات والمساجد، وخاصة في جامع الجند، وتحريض الإخوة الشماليين ضد الإخوة الجنوبيين ، باعتبار المعركة وكأنها بين الإسلام والكفر. وعلى إثر ذلك صدرت فتوى التمترس التكفيرية سيئة الصيت والتي تضمنت استباحة دماء وأموال وأعراض الجنوبيين، وقتل المتمترس بهم من نساء وأطفال وشيوخ بحجة أن قتل هؤلاء المستضعفين الجنوبيين يعتبر مفسدة صغرى، وأن الحزب الاشتراكي هم عدد محصور، وهم الذين فرضوا الإلحاد، واستحلوا المحرمات، والسكان الجنوبيون هم الذين نفذوا للاشتراكي ما أرادوا (وقد أجاز أهل العلم قتل المتمترس بهم في الحرب، ولأن عدم قتل هؤلاء المسلمين يترتب عليه مفسدة هي أعظم من مفسدة قتلهم)، بل يلاحظ أن هذه الفتاوى التكفيرية الكارثية لها تداعياتها التدميرية، حيث لاتزال سارية المفعول، فكل من يطالب بفك الارتباط والتخلص من الظلم والقهر والحرمان والتحرر من الإقصاء والتقتيل والتنكيل والإذلال الذي يتعرض له الجنوبيون منذ حرب 94م الظالمة، أو حتى المطالبة بدولة اتحادية من إقليمين إقليم جنوبي وإقليم شمالي، أو المطالبة بحق تقرير المصير والذي كفلته الشرائع السماوية والمواثيق الدولية والعهد الدولي وميثاق الأمم المتحدة يعتبر ذلك كفر أو شركا بالله عز وجل، لأن من يقرر مصير العباد هو الله عز وجل وفقا لهذا الفتاوى التكفيرية.
والسؤال الذي يضع نفسه أمام علماء وحكماء وعقلاء اليمن لماذا لم يقوموا بالتنديد بهذه الفتاوى التكفيرية في حينها، والحد من تداعياتها الكارثية التي صدرت وتصدر بحق شعب الجنوب اليمني العربي المسلم؟!، والتي أهدرت دماءنا ظلما وعدوانا، مع العلم أن هناك علماء كثر من علماء أمتنا الإسلامية خاصة من مصر والسعودية قد نددوا واستنكروا في حينها صدور هذه الفتوى التكفيرية على شعب الجنوب المسلم، مذكرين أن ديننا الإسلامي الحنيف قد شدد النكير على أنه لايجوز ـ بأي حال ـ تكفير من قال (لا إله إلا الله) فمن صلى صلاتنا واتجه إلى قبلتنا وأكل ذبيحتنا فهو مسلم يحرم دمه وماله وعرضه. كما أن إسلامنا أرشدنا إلى أن سباب المسلم فسوق وقتاله كفر وتكفيره كفر وتحقيره كبر، ولا يدخل الجنة من كان في قلبه مثال ذرة من كبر، كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه.. ولماذا لم يتم التنديد ووقف المجازر التي ترتكب في حق شعبنا الجنوبي منذ 94م وحتى يومنا هذا؟ والتي ذهب ضحيتها آلاف الجنوبيين الأبرياء من نساء وأطفال وشباب وشيوخ، بين قتيل وجريح وسجين، برصاصات وقنابل الجيش والأمن وتدمير قرى ومدن الضالع على رؤوس ساكنيها؟ ترى من أزهق تلك النفوس المطمئنة؟ من مزق تلك الأجساد الطاهرة والطفولة الوادعة وهي في أحضان آبائها وأمهاتها؟ ولماذا لم يتم وقف الدماء التي تسفك يوميا هنا وهناك في اليمن شمالا وجنوبا، إضافه إلى التفجير المتكرر لأنابيب الغاز والنفط والأبراج الكهربائية، وأيضا التفجيرات والاغتيالات والاختطافات والتي ذهب ضحيتها الآلاف من مواطنينا الأبرياء، ومن الأمن والجيش ورجالات اليمن الأحرار، ومن أصدقاء وضيوف اليمن الأجانب والمعمدة بفتاوى التضليل والتخوين والتكفير والتفجير والتي كرست للأسف الشديد في المجتمع اليمني وخاصة بعد 94م المشؤومة، كرست الأحقاد والضغائن، وقطع أواصر القربى، وما أمر الله به أن يوصل، وإثارة النعرات القبلية والمناطقية والتعصبات الحزبية والمذهبية والطائفية والحروب الأهليه والمجازر الوحشية، والتي يغذيها مسعرو الفتن التدميرية ومصدرو الفتاوى التكفيرية والذين يتاجرون بدماء ومشاعر وإسلام ووحدة شعبنا اليمني، ليشتروا بآيات الله ثمنا قليلا، ويستبيحون دماء وأعراض وأموال اليمانيين بدون خوف من الله ولا حياء من خلقه، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.. وهنا نتساءل مع علماء وعقلاء اليمن: لماذا المتاجرة بالوحدة المغدورة من قبل المتنفذين والمستبدين، ورفع شعار (الوحدة أو الموت) وفرضها بالقوة؟ كيف يكون ذلك؟ والله عز وجل وفي أقدس المقدسات وهو الإيمان بالله عز وجل يمنع إكراه الناس على الإيمان به وفرض الإيمان بالقوة، قال تعالى: “فمن شاء فاليؤمن ومن شاء فاليكفر)، وهذا رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم لم يرفع شعار الإسلام أو الموت وفرض الإسلام بالقوة والإكراه، قال تعالى: “لا إكراه في الدين”، فمن باب أولى لا إكراه في الوحدة الاندماجية، قال الله تعالى “أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين”.. فكيف يحق لهؤلاء فرض الوحدة الاندماجية الفاشلة على الجنوبيين بالقوة والإكراه، وهل هناك إكراه أشد من قتال الجنوبيين وإكراههم على الوحدة مع أنها خيار سياسي؟، إضافة إلى ذلك أن القوى السياسية اليمنية ومؤتمر الحوار الوطني والدول الراعية الجميع اعترفوا بفشل هذا الوحدة، مالكم كيف تحكمون؟.
والسؤال الذي يضع نفسه إذا كان البعض يصرح إن أغلب الجنوبيين مع الوحدة وأن الذين يرفضون الوحدة الاندماجية هم قلة لايعتد بهم، نقول على هؤلاء الحضور إلى ساحة العروض في خورمكسر ليروا المسيرات الجنوبية المليونية والاعتصامات السلمية الحضارية وليس الخبر كالعيان.. إضافة إلى ذلك لماذا لا يعطى لشعب الجنوب الحق في تقرير مصيره بنفسه من خلال استفتاء شفاف وبإشراف دولي ليقرر شعب الجنوب إما البقاء في ظل الوحدة أو استعادة استقلاله وحريته وكرامته، أليس ذلك هو الحل الديمقراطي العادل للقضية الجنوبية؟.
ختاما يتساءل الضمير اليمني والإسلامي هل كانت هذه الاختلالات الأمنية والصدامات الدامية والمجازر الوحشية والإبادة الجماعية والتي يتعرض لها أهلنا في اليمن شمالا وجنوبا هل كانت موجودة في عهد الاستعمار وعهد الإمامة والتشطير؟.. ولماذا تفاقمت هذه السلوكيات المشينة والصراعات المذهبية المنتنة والفتاوى التكفيرية التدميرية والاختلالات الأمنية والاغتيالات الوحشية والمجازر الجماعية بعد الوحدة؟ ولماذا الصمت المريب والسكوت المعيب والتعتيم الإعلامي حول ما ذكر؟ ولماذا المتاجرة بالإسلام وبالوحدة الاندماجية الفاشلة، والتي تم إلغاؤها بحرب 94م المشؤومة والمعمدة بفتوى التمترس التكفيرية، والتي استباحت دماء الجنوبيين وأموالهم وأعراضهم (كفيد وغنائم) والله المستعان.. قال الله تعالى: “ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون متاع قليل ولهم عذاب أليم” صدق الله العظيم.. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى