عمر عبدالله نسير.. العصامية في الشعر والحياة

> شوقي عوض

> عمر عبدالله نسير، شاعر وطني وعاطفي متميز بمفرداته الشعرية وعطاءاته الإبداعية المتدفقة بالعطاء الشعري الغزير، والذي لا ينضب من حيث تعدد المفردات والجمل في التراكيب الشعرية وكذا الإيقاعات المتنوعة في البوح الشعري الغنائي وقصائده المتعددة ذات المضامين العاطفية والوجدانية والوطنية والإنسانية... إلخ.
والتي إن دلت على شيء فإنما تدل على عفوية الشاعر في قصائده وشعره، وشاعريته وعطائه الإنساني في الإبداع المتعدد الأبعاد والمضامين وحيويته في مدماك الإبداع الشعري الرصين ورسالته الإنسانية، فلِمَ لا يكون الشاعر عمر عبدالله نسير ابن بيئته وهو المولود فيها عام 1932م والذي خبر الحياة وأناسها الطيبين، وصان العهود في الود والوفاء، وجاب وطاف في كل القرى والمدن الأبينية صياداً ومزارعاً إنسانياً وأستاذاً عرفته كل تخوم اليمن من خلال قصائده العاطفية والوجدانية الذائعة الصيت، والتي بها ألهب حنين العشق والعشاق في العديد من الأغنيات العاطفية والوجدانية ليضيء بها قلوب العاشقين في قصائده الذائعة الصيت مثل: (هيب.. هيب.. هيبه / جاني جوابك / طبع الزمان هكذا / يا رب من له حبيب / بالله اعطني من دهلك سبوله / متى يا هاجري عينك تراني / وعدتني بالوصل / ابتهال عاشق / يا عيل يا طائر / مر طيفك في منامي / ليه كذا بالله / حبيب قلبي هجرني / أنا أترجاك / المحبة بالرضى... إلخ).
لذلك يمكننا القول إن المطرب والملحن الموسيقار محمد محسن عطروش قد تمكن مع خاله الشاعر الراحل عمر عبدالله نسير من تقديم أجمل الألحان لأجمل الكلمات من القصائد العاطفية والوجدانية وروائع الأغنيات، والتي هزّت قلوب كل المحبين من العشّاق الطامحين والتواقين إلى الالتقاء بالحبيب وبالحب وبالبوح بأسراره وبمكنوناته النفسية.
ضف إلى ذلك أنهما قد ملآ الأسماع في الآفاق فناً رفيعاً في أبعاده الفنية والإيقاعية النغمية والطربية الإبداعية.
حيث عقد الشاعر الراحل عمر عبدالله نسير العزم في استخدام تراكيبه من المفردات اللغوية وباللهجة الدارجة، قلَّ أن نجدها مستخدمة كثيراً في مفردات ديوان الشعر الغنائي اليمني المعاصر، وكأنه أراد أن يشكل بذلك التميز مع المطرب الملحن والموسيقار محمد محسن عطروش ثنائياً ناجحاً إضافة إلى الفنان المبدع عوض أحمد والذي شدا بأغلب أغنياته إلى جانب عدد كبير من الفنانين الآخرين مثل: (رجاء باسودان)، (صباح منصر)، (محمد صالح عزاني)، (أحمد علي قاسم)، (أبوبكر سكاريب) وغيرهم.
بالإضافة إلى أن الشاعر الراحل عمر عبدالله نسير شاعر فنان يجيد فن تصوير العواطف الجياشة والزاخرة بالحب والعاطفة حتى النخاع والغارقة بالخصوصية في التفرد إزاء المُحب للحبيب والحالة النفسية والشعورية تجاه الحبيب ومحبوبه غراماً وعاطفة.
لذلك فإن الدارس المتعمق في حياة وشعر وقصائد الشاعر الراحل عمر عبدالله نسير سيجد أنها مليئة بالاجتهاد والمثابرة والمثاقفة في قول الشعر، وهو الذي قضى سنوات عمره الأولى في تعلم القرآن الكريم والحديث الشريف في مسجد قريته (المحلة) بمدينة زنجبار في أبين وأنجب أربعة أبناء وابنة واحدة.
وكرس معظم حياته بالعمل مع الفلاحين في الزراعة وحراثة الأرض ليغني بذلك قاموسه الشعري وقصائده الشعبية المغناة والواسعة الانتشار في الريف الأبيني على وجه الخصوص والأغنية اليمنية بشكل عام محلياً وعربياً، إيقاعاً ونغماً في اللحن والأصوات المتعاقبة.
كما أن ما يميزه عن غيره من شعراء الأغنية في بلادنا هو أنه شاعر جاد وحريص على إبداعه الشعري والغنائي، حيث يكتب قصائده وأشعاره المغناة بتمكن وفنية وجمالية عالية تتسم بالرقة والعاطفة والدقة والذاكرة الحية بجغرافيا المكان والبيئة المحلية كما فعل في قصيدته الشهيرة (هيب.. هيب.. هيبه) والمشحونة بالإرث الروحي والمادي والمليئة بالتمسك بحب الحياة والناس وبالبحر طلباً لاستجلاب الرزق فيه بالعيش وبالحياة الكريمة.
وهذا يدل على وجود خبرة لدى شاعر صيّاد عشق البحر وتعلق بهواه ذات يوم والتي يقول في مقاطع منها:
(من فجر ربي أنا بادبج دبيج
شليت لي تمرة
معي شليت قوت...).
بيد أن الحقيقة الواضحة والتي يجب أن يدركها ويعرفها كل متابعي ومحبي الشعر والعصامي عمر عبدالله نسير هي أن الشاعر نسير قد اختزل في ذاكرته الشعرية والإبداعية مخزونا من الموروث الثقافي والشعري الإبداعي والمتعلق بالأهازيج والرقصات الشعبية الأبينية وغيرها، كما اكتسب من خلالها المزيد من الاشتغال في اللهجات المختلفة في قول الشعر والإبداع الشعري ذات التناغم النغمي والإيقاعي في الشعر المغنى، وشتى التلاوين الأدبية والإبداعية والثقافية القريبة إلى النفس والذاكرة والوجدان والذائقة الشعبية في عصامية نادرة بالحياة وقول الشعر.
أضف إلى ذلك أن ظاهرة مخاطبة الحبيب لمحبوبته في أغاني الشاعر الراحل عمر عبدالله نسير قد تنوعت في موضوعاتها الشعرية وصياغاتها المختلفة والمليئة بالحب والهجر والشوق والخصام والعذاب والحرمان والدلال والمجازات الإيحائية والتي تعتمد على تصوير مكنونات تنفيس الصدور ولواعج الشوق والاشتياق وغير ذلك، مثلما فعل في قصيدته (مر طيفك) والتي يقول في أحد مقاطعها مخاطباً الحبيب لمحبوبه قائلاً:
(مّر طيفك في منامي
مر سوى لي سلام
ما هنيت حتى منامي
قمت رديت السلام...).
بقي أن نشير إلى أن قصائد الشاعر الراحل عمر عبدالله نسير تمثل نموذجاً حياً لقصائد شاعر كبير وفلاح عشق فلاحة الأرض وحراثتها، كما أحب الحياة الكريمة والإنسانية وذاب فيها وفي أفئدة الناس مستمعين وعشاقاً ومتابعين، حيث ترجم أحاسيسهم وكل مشاعرهم بعذوبة وطيبة متناهية بالابتسامة والنغم وبهجة وسعادة مملوءتين وبكل بساطة بالود، وبالعشق وبالغرام وبالغزل.
وظلت قصائده متوجهة بحرارتها واشتعالاتها المبثوثة في ضمير العشاق ووجداناتهم مصحوبة بنسيج من العاطفة الإنسانية والخيال الشاعري، وهو العاشق الزاهد بأطماع الدنيا وغرور الحياة، والذي ودعها زاهداً متعبداً وراهباً متبتلاً بعد رحلة شاقة دامت طويلاً مع المرض والمعاناة والتجاهل والإهمال في يوم السبت الموافق 2014/9/13م.. فوداعاً للشاعر الزاهد المبدع في جنة العاشقين العصامي في الحياة والشعر.
**شوقي عوض**

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى