الإعلام الجديد ... سلاح ذو حدين على الأفراد والمجتمعات

> استطلاع / إياد الوسماني

> التطور المذهل في وسائل الاتصال والإعلام في العصر الحالي أدى إلى ظهور نوع جديد من الإعلام التفاعلي، وحطم القيود الإعلامية، فلم تعد الرسائل الإعلامية حكرًا على المؤسسات الحكومية، ولم يُعد الفرد مجرد مستقِبل لها كما كان في الماضي، بل أصبح دون تكلفة أو جهد كبير صانعًا ومرسلاً لها هو الآخر، وجزءاً من شبكات تفاعلية ضخمة وميسرة الاستخدام، وهي أدوات الإعلام الجديد، يأتي هذا مع تزايد مؤشرات الأثر التسويقي لمواقع التواصل الاجتماعي التي أصبحت في أيدي الجميع.
لقد لوحظ مؤخراً انتشار وتزايد عدد مواقع الإنترنت التي يرتادها الشباب يومياً على مقاهي النت أو أمام أجهزتهم الخاصة، وخصوصاً الإعلام الجديد، والذي سمي بعدد من الأسماء، منها مواقع التواصل الاجتماعي أو الإعلام البديل أو الإعلام الاجتماعي وصحافة المواطن، كما أنها لم تعد مواقع للتواصل فقط بل أصبحت تمثل دوراً بارزاً في صناعة التغيير والشاهد على ذلك ثورة الشباب الشعبية التي انطلقت في عدد من دول الربيع العربي وأصبح الإعلام الجديد في متناول الجميع بدون أي احتكار على الشخصيات أو الأفراد في ظل وجود الإعلام التقليدي الذي أصبح شبه منهار نتيجة لتبعيته لطرف أو لآخر من والأحزاب والمنظمات وغير ذلك كون الإعلام الجديد لا يسيطر علي أي حزب أو تنظيم مذهبي أو طائفي أو عرقي أو قيادات سياسية أو إعلامية.
** إعلام إيجابي**
الإعلام الجديد ومنذ نشأته يهدف إلى النمو واليقظة والتوافق الثقافي والحضاري والارتقاء بمستوى الرأي العام بتنويره وتثقيفه، كما أنه فتح المجال للتفاعل والاحتكاك البشري، ويتيح الفرصة للتفكير والاطلاع والحوار، وتبادل المعلومات في شتى المجالات والميادين، ولا بد على المتابع أو القارئ أو المتصفح من أن يتعرف على فحوى المادة الإعلامية، والتحقق من تأثيراتها، ومعرفة من يقف خلفها، وتحديد الأهداف التي يريد الوصول إليها من خلال ما يبثه.
كما أن للإعلام الجديد أدواته الضرورية والتي أصبحت لاغنى عنها في واقعنا اليوم، والمتمثلة في (الحاسب الآلي، والجهاز الذكي، والكاميرا، واتصال الإنترنت)، وبدأ التسجيل والاشتراك أو النظام إلى مواقع التواصل الاجتماعي أو الإعلام البديل كـ( الفيس بوك ـ التويتر ـ اليوتيوب ـ أنستجروم ـ المدونات، وغير ذلك) التي تتيح الفرصة للجميع للتعبير بالرأي ونقل الخبر من موقعه في اللحظة نفسها في ظل وجود شبكة الإنترنت العملاقة على مستوى العالم.
فظهر مصطلح الإعلام الجديد أو البديل مؤخراً تزامناً مع نشأة وتتبع الناس لمواقع التواصل الاجتماعي، وأضحى وسيلة عالمية، حيث يواكب هذا الإعلام التطور التكنولوجي في عالم العلوم والتكنولوجيا كالتصوير والصوت والصورة، ونقلها وبثها بصورة دقيقة وواضحة، وإلى الآن لم يتم طرح أي تعريف موجز وشامل للإعلام الجديد على الإطلاق، وإن تم تعريفه فلم يتم تداوله بين المجتمع الإعلامي.
لقد تحولت تلك الشبكات إلى ما يمكن تسميته بإعلام الشارع مقابل إعلام السلطة، وبذلك كسرت احتكار الدول للإعلام، وتم تبادل الأدوار بين الشارع والسلطة في الخطاب الإعلامي، فقد كان الشارع دائمًا يأخذ دور المستقبل والمتلقي، بينما بقيت السلطة تمسك بدور المرسل والمؤثر، أما الآن فقد أصبح الشارع في الغالب هو المؤثر، ونسمع أحيانًا مَن يطالب بوضع رقابة على هذا الإعلام الجديد بذريعة الحفاظ على المجتمع، وفي حال فرضت هذه الرقابة فلن تجدي نفعاً كون هذه الرقابة عادة ما تصطدم بتطورات التكنولوجيا المستمرة وعجزت عن متابعتها، هذا يعني أن الرقابة يجب أن تكون ذاتية وتربوية ودينية، نؤصلها في أبنائنا.
** ثورة جديدة**
لقد شكل الإعلام الجديد طفرة كبيرة على مستوى العالم ليشمل كل وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمكتوبة مثل ( الأفلام، والصور، والموسيقى، والكلمة المنطوقة والمكتوبة) للتفاعل مع التكنولوجيا وثورة الاتصالات العلمية التي يشهدها العالم حالياً، وتشكيل رابطة تساهمية مع العالم بكافة فئاته ومستوياته، كما فتح آفاقها للجميع للتعبير عن الرأي بالصوت والصورة والحرف والكلمة عبر الرفع والمشاركة والتواصل والرد على المنشورات والعديد من البيانات، وبهذا يكون الإعلام الجديد قد شكل ثورة عالمية ضد كافة أشكال التحكم والتسلط والاستبداد، وكانت ثورات الربيع العربي التي شهدتها عدد من الدول العربية خير شاهد وخير دليل.
** ضد الإعلام التقليدي**

الإعلام الجديد هو مصطلح حديث يتضاد مع الإعلام التقليدي، فأصبح الإعلام الجديد الذي يغزو مجتمعنا ويساهم في نشر العديد من الأفكار وإطلاق الحرية الكاملة للمجتمع، فأصبحت كنية هذا العصر بعصر الإعلام نظراً للكم الهائل في المجال الإعلامي، وتزايد عدد وسائل الإعلام خصوصاً في ظل وجود الإعلام الجديد، وأضحى عنصراً أساسياً في مجالات.
ويفسر العديد من المحليين والأكاديميين أن خلاصة الإعلام الجديد معناه: أنت، هذه صورتك وقلمك أو قناتك، أو أيًّا كان، فهو تعبير عنك، وتوضيح لما في رأسك، فكن على قدرٍ من الجمال الداخلي لتعكس ذلك لمن يراك ويتابعك.
** سلبياته**
وعلى الرغم مما يشكله هذا الإعلام من فوائد وإيجابيات للمستخدم إلا أنه لايخلو من السلبيات، ومن هذه السلبيات ما بات يُعرف بالجرائم الإلكترونية، وهي ظاهرة إجرامية جديدة ومستجدَّة تقرعُ أجراس الخطر لتنبِّه مجتمعات العصر الراهن لحجم المخاطر، وهول الخسائر الناجمة عن جريمة الحاسب الآلي التي تستهدف الاعتداء على المعطيات بدلالتها التقنية الواسعة، فجريمة الحاسب الآلي جريمة تقنية، تنشأ في الخفاء، يقترفها مجرمون أذكياء، يمتلكون أدوات المعرفة التقنية، توجه للنَّيْل من الحق في المعلومات، وتطال اعتداءاتها معطيات الحاسب المخزنة والمعلومات المنقولة عبر نظم وشبكات المعلومات.
إلا أن وسائل الاتصال لم تخترع الجريمة، بل كانت ضحية لها في معظم الأحوال، حيث إن هذه الوسائل تعرضت لسوء الاستغلال من قِبَل كثيرين، ومن الثابت أيضًا أن المجرمين وظَّفوا الاتصال تاريخيًّا لخدمة النشاطات الإجرامية التي يقومون بها، أما الجريمة فهي ذاتها الجريمة في قديم التاريخ وحديثه، لا يختلف على بشاعتها وخطرها على المجتمع الإنساني أحد، ولذلك اتفق على مواجهتها، ومن أجلها أقيمت المحاكم، وسنت العقوبات، ويسمى الذي يرتكب الجريمة الإليكترونية بـ “المجرم الإليكتروني”.
** سلاح ذو حدين**
الإعلامي رشيد المليكي
الإعلامي رشيد المليكي
الإعلامي رشيد المليكي أوضح جانباً من سلبيات هذا الإعلام الجديد لاسيما (الفيس بوك)، والذي يُعد أكثر وسيلة استخداماً بالقول: “لا شك أن وسائل التواصل الاجتماعي لها دور كبير في المرحلة الحالية التي نعيشها، فهي تشكل البوق الذي من خلاله نستطيع أن نعبر به عن آرائنا تجاه كافة الأحداث بما فيها السياسية والاجتماعية، وكافة التفاعلات الحياتية المختلفة، ووجود مثل هذه الوسائل ساعد الكثير من أبناء المجتمعات المختلفة أن تعبر عن مكنوناتها، وأن تتفاعل مع نخبها في مجالات متنوعة، هذا بالإضافة إلى أنها مصدر مهم للمعلومات، وتبادلها بسرعة تفوق سرعة الوسائل التقليدية أو الجماهيرية، فالجمهور أصبح اليوم هو من يصنع الحدث، وربما أصبح المواطن العادي مراسلاً من الواقع يصور ويكتب، ومن ثم ينشر بسرعة فائقة ومن أرض الواقع”.
واستدرك حديثه بالقول: “إلا أن هذه الوسائل وبالرغم من إيجابياتها المتعددة وغير المنحصرة لا بمكان أو زمان معين لا تخلو من كونها شكلت عبئاً حقيقياً على مسار المصداقية، فأصبحت الشائعات تقطع مسافات أكبر وأسرع من الخبر نفسه، ولربما في مجتمعنا تبرز حالة من ضعف الوعي وتقبل الشائعات وسرعة انتقالها عائقاً كبيراً في سبيل جني الفائدة الحقيقية من هكذا وسائل، هذا بالإضافة إلى الإشكاليات المجتمعية التي تسببت بها هذه الوسائل، وهي وإن كانت تسمى وسائل للتواصل الاجتماعي إلا أنها شكلت عقبة أمام التواصل الاجتماعي في الواقع، فانعكاساتها الأسرية أكبر دليل على أن أفراد الأسرة لم يعودوا يتحدثون ويتناقشون عن أمورهم الحياتية، لكن أصبح تواصلهم مع تلك الآلات ربما أكثر من التواصل الأسري نفسه، ما يولد عقداً حياتية، وينتج عنه مشاكل كثيرة تلك المتولدة في دائرة الصراع الذاتي الذي ينجم عنه الكثير من المشاكل النفسية”.
وختم المليكي حديثه بالقول: “يجب على المجتمع أن يدرك أن الإعلام الجديد هو سلاح ذو حدين، يجب استشعار القدر الكبير من أهميته وخطورته في نفس الوقت، وبالتالي إدراك ما يترتب على التعامل معه من مسؤولية تجاه الأبناء والمحيط الذي نعيش فيه”.
** سلبياتها كثيرة**
أحمد عقيل
أحمد عقيل
أما الناشط والباحث في حقوق الطفل أحمد عقيل تحدث عن أهمية الإنترنت وسلبياته على الطفل والأسرة بالقول: “بالنسبة لوسائل الإعلام الجديد أو ما نسميه بالحقيقة العولمة الإعلامية أصبحنا وأصبح مجتمعنا مدمنا وللغاية على هذه الوسائل الإعلامية، وفي الحقيقة لو تعمقنا في دراستها لوجدنا لها سلبيات كثيرة وكبيرة للغاية”.
وأضاف قائلاً: “أنا في هذه الأيام بدأت بدراسات وبحوث عن تأثير الإعلام الجديد على الأسرة اليمنية والمستقبل المخوف على أطفالنا ونسائنا والذي لابد أن نكون أحد المراقبين للأطفال في استخدام هذه الوسائل، خاصة الإنترنت كونه يعتبر خطرا للغاية عليهم ومضرا لصحتهم وحياتهم، مطالبين بنفس الوقت الحكومة بمنع الأطفال من استخدام النت، وذلك لكون أمية استخدام هذه الوسائل في مجتمعنا كبيرة”.
** غرس الأفكار السيئة**
أديب الحجي
أديب الحجي
من جهته أوضح أديب الحجي رئيس الرابطة القلمية بذمار رؤيته حول الإعلام الجديد بالقول: “تتنوع وسائل الإعلام وبرامجها، ومع الأسف لم نجنِ مما تقدمه سوى إثارة النعرات أو غرس القيم والأفكار السيئة، أما الإيجابية فقليلة إذا ما قورنت بالسلبيات”.
وأضاف “النت والإعلام الجديد لم يعد فيه نخبة متحكمة أو قادة إعلاميين، بل أصبح متاحا لجميع شرائح المجتمع وأفراده طالما تمكن الفرد من إجادة استخدامه”.
**مطالبات بإنشاء محكمة إلكترونية**

لجأ الكثير من رجال القانون مؤخراً للمطالبة بضرورة إنشاء محكمة إلكترونية لسد الفجوة القانونية التي أحدثها التطور التكنولوجي الهائل في السنوات الأخيرة، فهناك جرائم ترتكب، وحرمات تنتهك، وحقوق تُسلَب على شبكة الإنترنت دون رقابة قانونية تذكر، والسبب في ذلك عدم وجود قانون دولي رادع يلاحق هواة الإجرام الإلكتروني، ويحاكمهم أمام محاكم دولية، إلا أن ذلك ليس من الأمور البعيدة التي يمكن أن تشق طريقها إلى التطبيق العملي في المستقبل القريب.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى