حرموا من بطائق إثبات الهوية..مواطنون يبحثون عن هوية في وطنهم

> استطلاع/ فردوس العلمي

> يرتجف قلمي ويبكي القلب حين أجبر أن أصف حالة إنسانية بعثرتها قسوة الظروف، وسُرقت فرحتها، ولا أبالغ إن قلت سُرقت منها الحياة.. ما أصعب أن تعيش في وطنك غريبا تُنتزع منك هويتك وترمى على قارعة الطريق، محروم من أبسط حقوقك (هويتك) التي تُعد هي الأساس في العيش بأمن وكرامة.
أسرة الوالد علي ناصر علي واحدة من هذه الأسر التي حرمت من الحصول على هويتها، 41 عاماً من الحرمان من حق الانتماء لوطنهم الأصل اليمن، الأمر الذي تسبب في خلق مشاكل لهم وحرمان من أبسط الحقوق.. الحرمان من حق الهوية الوطن.
لقد تبادر إلى ذهني وأنا في طريقي لمقابلة هذه الأسرة التي انتزعت منها هويتها الكثير من الأسئلة والاستفسارات عن الأسباب التي جعلتها تعيش بدون هوية رغم أنها تنتمي لهذه الدولة، حرمان بذرائع ومبررات واهية لن يقبله دين ولا عقل ولا منطق.
معاناة هذه الأسرة تتجلى بوضوح بمجرد وصولك إلى جوار المنزل والولوج فيه، فالمنزل مكون من غرفتين وحمام وحوش صغير تقاسمته هذه الأسرة بين الأم وبناتها وابنه الذي يعاني من حالة نفسية سئية، نصيب الأم وبناتها عبارة عن غرفة بمساحة (مترين ونصف في مترين)فقط، ومن هذه المساحة الضيقة اُستقطعت مساحة للحمام، وفي وسطه مطبخ صغير، وفي هذه الغرفة قليل من الأثاث البسيطة والمتواضعة لسد ولو جزء من حاجيات هذه الأسرة المكونة من ثلاثة أفراد: أم وابنتين في الغرفة سرير واحد وفرش على الأرض ينام الجميع عليه(الأم وابنتاها ).
في هذه الغرفة تسكن أسرة الخالة آمنة محمد الحرسي في العقد السابع من عمرها، (صومالية الأصل) عاشت وترعرعت في مدينة عدن (كريتر) تزوجت في شبابها من رجل يمني من أبناء محافظة شبوة وأنجبت له ولدا وبنتين (توأمين) لم تدم سنوات سعادتها طويلاً، فقد انتهت علاقتها الزوجية معه بالطلاق لتركها تتحمل وحدها كاهل أسرتها المكونة من أربعة أفراد دون أي مصدر دخل ليتجه بعده إلى العربية السعودية.
ولكي تحيا الخالة آمنة وأطفالها الثلاثة كدحت وعملت على بيع البطاطس (أبو حمر) والآيسكريم لتحصل على ما يسد رمقها وأطفالها.. لقد عاشت وما تزال هذه الأسرة حياة البؤس والمعاناة، وما زاد من معاناتها إصابة ولدها بحالة نفسية نتيجة للحياة المعيشية الصعبة التي تعرض لها وأسرته.
وتواصل آمنة سرد حالتها المريرة بالقول: “بعد طلاقي من زوجي وتوجهه إلى السعودية حينها تحملت مسؤولية تربية أولادي والأنفاق عليهم، وبفضل الله استطعت تربيتهم، أما عن موضوع والدهم فقد وصلنا خبر بأنه قد فارق الحياة هناك في السعودية” ولا نعلم أي شيء آخر عنه.
**معاناة في معاناة**
الخالة آمنة
الخالة آمنة
تقول الخالة آمنة: “عندما بلغ أبنائي سن الرشد استخرجت لهم بطائق شخصية (إثبات الهوية) أثناء جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، حيث كنا حينها مرتاحين، ولكن وبعد الوحدة طلب منا استبدال البطائق القديمة ببطائق الجمهورية اليمنية، وبدأت معاناتنا تزداد سوءاً لأني لم أتمكن من استخراج البطائق لأولادي”.
سألتها عن مصدر دخلهم الحالي ومن يقوم بإعالتهن لاسيما وابنها يعاني من حالة نفسية، ابتسمت ثم أجابت بالقول: “ كان ابني قبل أن يتعب هو معيلنا والآن بعد ما مرض، الله يخلي الجيران، نحن نعيش على خيرات شهر رمضان وعلى دعومات أهل الخير”. وتضيف: “ومن رحمة ربنا بنا أنه أرسل لنا أناسا طيبين هم من يساعدوننا، أما نحن فليس لدينا أي دخل ثابت ألبتة”.
واختتمت الخالة آمنة بإبداء تخوفها على أبنائها في حال توفاها الله بالقول إن استرجع الله أمانته لا أدري كيف ستعيش بناتي بعدي؟!”.
**حيرة بين الجنسية اليمنية والفرنسية**
شهادات ميلاد قديمة بجنسية يمنية
شهادات ميلاد قديمة بجنسية يمنية

ناهد علي ناصر علي سعيد (ابنة الخالة آمنة) في عقدها الرابع (ربة بيت) سردت معاناتها لـ«الأيام» عن حرمانها من الحصول على الهوية والتداعيات السلبية التي أحدثها ذلك الحرمان على نفسياتهن بالقول: “لا ندري ما سبب رفض الهجرة والجوازات صرف بطائق هوية لنا، الأمر الذي زاد من معاناتنا وأثر على نفسياتنا”.
وأضافت: “نحن يمنيون والأولاد يتبعون جنسية والدهم وشهادات ميلادنا تؤكد أننا من أب يمني الأصل، ولكن تفاجأنا ونحن في مبنى الهجرة والجوازات أن والدي تجنس بالجنسية الفرنسية في شبابه عندما هاجر إلى جيبوتي، وعندما تم استخراج شهادات ميلاد لنا في عام 1973م كتب عليها الجنسية (يمني)، فالأصل الجنسية اليمنية وليست الجنسية التي تجنس بها”
وتضيف: “سافر والدي إلى السعودية في عام 1977م وفي عام 1982 عاد ورغب بأخذنا إلى السعودية واستخرج له جواز يمني من صنعاء ولكن لظروف خاصة به لم يستطع أخذنها، حينها سافر لوحده وتركنا مع أمنا لنصبح حائرين ما بين الجنسية اليمنية والفرنسية”.
وتواصل ناهد حديثها بمرارة بالقول: “توفي والدي في 1986م، ومنذ وفاته إلى يومنا هذا أي (28 عاما) مازلنا نبحث عن هوية، وأيضا ليس لدينا أحد يصرف علينا، فأخي الوحيد يعاني من اضطرابات نفسية منذ عام 1995م”.
ناهد تنهدت بعمق واختتمت حديثها بالقول: “لقد حرمنا من حق الحصول على الوظيفة لعدم امتلاكنا بطائق شخصية”.
**حرمنا من جنسيتنا**
شهادات ميلاد جديدة بجنسية فرنسية
شهادات ميلاد جديدة بجنسية فرنسية

نهلة علي ناصر علي (الابنة الأخرى للحاجة آمنة) في عقدها الرابع، حاصلة على الثانوية العامة بمعدل 87 %، قالت: “نعيش حالة صعبة جداً، لم أتمكن بسببها من استكمال دراستي الجامعية والتي تركتها في السنة الأولى من المرحلة الجامعية عام 1995م”.
وعند سؤالي عن الكيفية التي سجلت بها في الكلية رغم عدم امتلاكها البطاقة الشخصية أجابت بالقول: “سجلت حينها ببطاقة جمهورية اليمن الديمقراطية”.
وعن أسباب رفض الجهات الحكومية صرف البطائق الشخصية لهن قالت: “حين ذهبنا إلى الجهات المعنية لاستبدال بطائقنا القديمة وأحضرنا معنا شهادات ميلادنا أخبرونا بأن والدي فرنسي الجنسية، فكتب على هامش شهادات ميلادنا (الأب فرنسي) ولهذا رفضوا منحنا البطاقة اليمنية رغم علمهم بأننا يمنيون من أب يمني الأصل من خلال شهادات ميلادنا” وبدل أن نستخرج إثبات هوية (بطائق) منحونا شهادات ميلاد جديدة وعدلوا فيها جنسية الأب إلى الجنسية الفرنسية، وبهذا أصبح معنا شهادتان واحدة تؤكد أننا يمنيون والأخرى تؤكد أننا فرنسيون”.
وطالبت نهلة الجهات المختصة بمنحهم البطائق الشخصية، وقالت في ختام حديثها: “نحن لا ندعي هذه الجنسية، فنحن يمنيون حقاً وعائلة والدي معروفة هي عائلة بامرحول من شبوة، وتربى والدي وترعرع في عدن (حافة العجائز) هو وإخوانه الأربعة”.
ويبقى السؤال: لماذا حُرمت هذه الأسرة من هويتها اليمنية الأصل، وهل الجنسية الفرنسية التي تحصل عليها رب هذه الأسرة تعطي تلك الجهات الصفة القانونية بحرمان أبنائه من الحصول على جنسيتهم الموثقة بشهادات ميلادهم.
ختاما..
كثيرة هي منظمات المجتمع المدني المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان، وهذه حالة عانت الظلم والقهر ومازالت.. فهل ستقوم تلك المنظمات بواجبها الإنساني تجاه هذه الأسرة المظلومة والمغلوب على أمرها؟.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى