كتـــاب «المنظر من التواهي» للسير شارلز جونستون

> خالد سيف سعيد

> تناول العديد من المؤرخين والكتَّاب والساسة الإنجليز البريطانيين في أبحاثهم ومؤلفاتهم المصالح الاستراتيجية والعسكرية والسياسية لبريطانيا في منطقة البحر الأحمر منذ الصراع الدولي للقوى الدولية في المنطقة في القرن الثامن عشر واحتلالها لعدن في العام 1839م.
وكتاب “المنظر من التواهي” أصدره السير شارلز جونستون في بداية الستينيات من القرن الماضي.. والسير شارلز جونستون كان حينها المندوب السامي والحاكم العام لعدن في الفترة من 1960 حتى 1962.
وفي موضوعي هذا سأتطرق إلى الفصل السادس من الكتاب والذي يتحدث مؤلفه عن بداية المحادثات التي أدت إلى ضم عدن إلى الاتحاد واتصالات المؤلف بالشخصيات السياسية العدنية البارزة، كما سأتطرق إلى المحادثات في لندن بين وزراء عدن والاتحاديين، حيث قال المؤلف: “بينما كنا ننتظر ردة فعل لندن على مقترحاتنا الدستورية انتهزتُ كل فرصة لدراسة الشخصيات السياسية العدنية البارزة لأعرفهم أكثر وأحسن، ولم تكن لي اجتماعات منتظمة مع وزراء الاتحاد إلا أن طوافي بولاياتهم مكنني من الاتصال بهم بصورة غير رسمية والتعرف بهم عن كثب”. وأضاف: “أما وزراء عدن فكنت أجتمع بهم كل أسبوع في المجلس التنفيذي صباح كل سبت فأخذت أتميز شخصياتهم التي أخذت تتضح لي وهم كالآتي:
**حسن علي بيومي**
حسن بيومي
حسن بيومي

حسن بيومي وزير العمل ظهر ببروز بين الجماعة، ويمتاز بصفات شخصية ذات كفاءة..”. وأشار المؤلف إلى موضوع القانون الصناعي الذي شل الإضرابات السياسية التي شلت اقتصاد عدن، فقال:
“حتى بوجود القانون هنا فإن عدن برزت أكثر تحررا من أي جزء من العالم العربي، مثل هذا القانون كان سيكون في غير موضعه في أكثر البلدان العربية المستقلة، لا لأنه قانون رجعي، ولكن لأن النقابات لا توجد فيها.. فإذا وجدت فإن الحكومة لا تحلم أن تسمح بحق الإضرابات تحت أية ظروف مهما تمت من أنظمة.. وفي الزوبعة السياسية التي تميز بها إدخال قانون العمل الصناعي فإن البيومي أثبت مقدرته وجرأته واتضح أنه أول رئيس وزراء، حيث يقوم أي تقدم دستوري في عدن”.
ويصف المؤلف جونستون عن حسن بيومي قائلاً: “كان له رأس جميل مع جعدة متعطفة بيضاء أشبه بوجه إمبراطور روماني أسمر أو فيليب العربي، إلا أن أسنانه كان قد دمرها مضغ القات، وعيناه قد ضيقهما دخان السجائر إلا أنهما نافذتان عليهما الخيبة، ولكنهما سرعان ما تتنبهان في مرح إلى أي تلميح عن دسيسة سياسية”.
أما عن دخول حسن بيومي السياسة فيقول المؤلف: “لقد دخل حسن السياسة عن طريق الخدمة الحكومية، ثم كمساعد مستشار ثان في المحمية الغربية، لم يكن عنده بعد النظر في المشاكل الإدارية فحسب بل امتاز أيضاً بصداقة وثقة كبيرتين من الوزراء الاتحاديين البارزين، فكان محبوب الاتحاد بين الساسة العدنيين، وسوف يكون الزعيم الطبيعي للحزب الاتحادي في عدن عندما يبرز إلى حيز الوجود.
لقد كان البيومي رجل مبدأ في جوهره، كان له علاقة بالعدل، وهذا بالنسبة لسياسي على صلة بشعبه يتخذ الشكل الطبيعي للجهاد من أجل الحصول على وسائل أحسن لمواطنيه العدنيين.. لقد كان في الواقع بطل القومية العدنية أو بالأحرى مواليد عدن أبناء الأرض يريد لهم الأفضلية على الأقليات، أكانوا من اليمنيين أو الهندوس أو الصومال عند التوظيف أو تخصيص الأراضي أو أية تسهيلات من أي نوع، وعلى وجه الخصوص حق التصويت والانتخاب”.
**عبدالله الصعيدي**
عبدالله الصعيدي
عبدالله الصعيدي

تحدث المؤلف شارلز جونستون عن عبدالله الصعيدي قائلا: “هو الرجل الثاني الذي برز بين الوزراء العدنيين، فكان مسؤولاً عن المعارف، وعندما زار عمان التقيت به قبل انتقالي إلى عدن، ولكني لم أعلن ذلك من أجل توظيف معلمين أردنيين في عدن، وقد ساعدته بكل طريقة ممكنة وأوصيته بهزاع المجالي رئيس الوزراء الأردني آنذاك.. وقد تكهن الصعيدي بأنني سأذهب إلى عدن، ومنذ ذلك الحين قامت بيننا مودة أو علاقات يرجع عهدها إلى هذا اللقاء”.
وأضاف المؤلف جونستون قائلاً: “كان موقف الصعيدي إلى يسار البيومي ولا يقل عنه قومية عدنية، إلا أن صلاته بالمؤتمر العمالي كانت أحسن من صلات البيومي، وكان على علاقة خاصة وودية مع زعيم المؤتمر العمالي السيد عبدالله الأصنج، بيد أن علاقات الصعيدي السياسية الوثيقة كانت بحزب المؤتمر الشعبي، فهو حزب صغير تديره أسرة لقمان، فريق الصفوة الرئيسي في عدن، وقد كانت وجهة نظر لقمان الشك في الحكومة الاتحادية والعزم على عدم الانضمام إلى الاتحاد.. لقد كانوا فريقاً صغيراً ولكن أثرهم على الرأي العام كان يفوق كل نسبة مع حجمهم بسبب الصحف التي تملكها الأسرة وتحريرها”.
**عبدالله الأصنج**
عبدالله الأصنج
عبدالله الأصنج

يتحدث المؤلف شارلز جونستون عن عبدالله الأصنج قائلاً: “واتصلت بزعيم آخر في الدراما السياسية العدنية.. عبدالله الأصنج الأمين العام الشاب للمؤتمر العمالي والروح القائدة للحركة الوطنية”. ويضيف المؤلف قائلاً: “ينحدر عبدالله الأصنج من أسرة أقامت في عدن منذ زمن بعيد ووالده من موظفي إدارة الصحة الحكومية معروف كشاعر عدني.. فكان الأصنج نفسه من موظفي خطوط عدن الجوية يدير مكتب الحجز بمقدرة فائقة، ففي الوقت الذي كان يبذل كل ما في وسعه لمنع سلفي بيل لوس من إصدار التشريع الصناعي في المؤتمر العمالي كان يكتب إليه بحكم منصبه الآخر لإبلاغه بأن تذكرة سفره جاهزة وأنه كما كان دائماً تحت خدمة سعادته، وكان قصير القامة في عقده الثالث برأس كبير وعينين مطلتين نافذتين، وكان خطيباً بارعاً وتكتيكياً فطناً”.
وأضاف المؤلف أيضاً قائلاً: “لقد بذلت كل جهد لإقناعه بأنه سوف يخدم عدن أحسن إذا كانت أعماله في النطاق الدستوري لا خارجه، فلو أنه وزملاءه يكرهون الوزراء لتمت رسائل شرعية يمكن لهم أن يحاربوهم بها، لقد استمع الأصنج بأدب غير متأثر، ولكنه لا يغير سبيله، وهنا الخصم الخطير”.
**عبدالله باسندوة**
عبدالله باسندوة
عبدالله باسندوة

أما عن عبدالله باسندوة فيقول المؤلف: “هو الوزير المسؤول عن الإدارة الطبية، وينتمي إلى إحدى العائلات الحضرمية التجارية التي تؤلف الارستقراطية في عدن، إنه ليس غنياً، وبصورة كبيرة يبدو محافظاً في مظهره وهو على وئام مع الوزراء الاتحاديين، وكان مفهوماً أنه عند حدوث مسألة دخول عدن في الاتحاد فسيكون مع البيومي في المعسكر الاتحادي”.
**علي سالم علي**
يتطرق المؤلف إلى علي سالم علي قائلاً: “لقد كان علي سالم الوزير المسؤول عن البريد والتلفون والكهرباء على صلة وثيقة بالمؤتمر العمالي عن طريق أخيه محمد سالم علي أحد القادة القوميين الناريين.
والأخوان علي ومحمد ولدا عصامي رأسمالي عدني يملك ويدير أكبر شركات الباصات في المستعمرة، وكان على نفسه إلى أقصى شمال وزرائنا ونظرته إلى ضم عدن إلى الاتحاد لم يكن في الإمكان التكهن عنها”.
ويستطرد المؤلف في هذه الفصل من كتابه (أي الفصل السادس) عن الاتحاد وضم عدن إليها وموضوع المحادثات في لندن مع الوزراء قائلاً: “إن موضوع المحادثات في لندن بعد إقناع المستر ماكلاود بضرورة العمل على أساس الخطوط العامة التي اقترحوها.. وكان الوزراء الاتحاديون قد سافروا إلى لندن بصحبة تريفاسكس المندوب السامي، ثم طار وزراء عدن بصحبته للانصمام إلى المجموعة”.
وأضاف المؤلف قائلاً: “وقد أقنع المستر ماكلاود وزراء الاتحاد بضرورة رسم دستور لتسهيل الضم وتحديد موعد انضمام عدن إلى الاتحاد”.
ويشير المؤلف إلى أن الفريقين عادا إلى عدن لإجراء المحادثات في عدن من أجل عقد مؤتمر في نهاية العام لإصدار القرارات النهائية بهذا الشأن.. حيث بدأت المحادثات في أغسطس في مكتبه، وأنه تم تشكيل الجماعات العاملة المشتركة، وبينما كان وزراء الاتحاد فريقاً متحداً كان وزراء عدن منقسمين إلى معسكرين أحدهما يسارع في إبرام الاتحاد، والثاني ينسب المشكلات والمصاعب إليه”.
وأضاف المؤلف: “إن هذه المصاعب اعترضت المفاوضات ومنها عدد الوزراء العدنيين في مجلس وزراء الاتحاد آنذاك..”. وفي هذا الخلاف كان السير جونستون (أي المؤلف) يعتقد أنه في حالة وقوع استقالات فإنها يجب أن تقع في أبعد مرحلة ممكنة.
ثم ذكر المؤلف استقالة علي سالم علي على أساس شخصي، وتعيين محمد سعيد الحصيني بدلاً عنه.
واختتم المؤلف بالحديث عن حملة الخطب والإذاعات لشرح الاتحاد، وعلى الرغم من ذلك فإن العواطف الوطنية العدنية ظلت تغلي وأي تأخير للضم (أي ضم عدن إلى الاتحاد) يعرض هذه العواطف للانفجار.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى