ناضلوا كثيراً لتحقيقها واليوم يثورون للخلاص منها..لماذا يطالب أبناء شعب الجنوب بإنهاء الوحدة واستعادة دولتهم ؟

> تحقيق/ عبدالله مجيد

> في الثلاثين من نوفمبر العام 1967م نال الجنوب العربي استقلاله من الاستعمار البريطاني الذي دام لـ 129 سنة، حيث كان خروج آخر جندي بريطاني من عدن.
وفي مثل هذا اليوم أعلن استقلال الجنوب العربي اسم دولة جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية، وكان أول رئيس لها قحطان الشعبي، والتي كان من أبرز أهدافها تحقيق الوحدة اليمنية كتمهيد للوحدة العربية، ومعها استمرت تطلعات الشعب بكافة شرائحة من فنانين وأدباء يتغنون بها باعتبارها الهدف الأسمى الذي يطمحون لتحقيقه.
**تحقيق الوحدة:
التوقيع على وثيقة الوحدة اليمنية
التوقيع على وثيقة الوحدة اليمنية

في الشهر الأول من عام 90 وما قبله توفرت الظروف والأجواء المناسبة لتحقيقها، حيث تجسدت واقعاً ملموساً في الثاني والعشرين من مايو 90م، غير أن هذا الحلم الذي طالما حلم انتظاره أبناء الشعب الجنوبي سرعات ما تحول إلى كابوس، لا سيما بعد أن بدأت الاغتيالات تطال قيادات ورموز دولة الجنوب المؤسس الأول لتحقيق الوحدة، فضلاً عمّا رافقها التجاوزات ونقض للاتفاقات، الأمر الذي ولّد أزمة ثقة بين شريكي الوحدة نتيجة غير الانسجام والأخلاق بين النظامين، وكذا الإعلان السريع وغير المدروس له.
ولتفادي تأزيم الأمور في طرف الوحدة جرى محاولات عدة لحلها كالتوقيع على اتفاقية وثيقة العهد الاتفاق التي شهدتها عمَّان العاصمة الأردنية، غير أن هذه الاتفاقية لم يكتب لها النجاح نتيجة لتعنت علي عبدالله صالح، وهو ما جعل الشريك الآخر للوحدة يعلن فك الارتباط، وإعلان استعادة الدولة الجنوبية من قبل علي سالم البيض في 21 مايو عام 1994م.
**اندلاع الحرب**
حرب 1994م بين الشمال والجنوب
حرب 1994م بين الشمال والجنوب

ونتيجة لتأزم الموقف بين شريكي الوحدة وإعلان علي سالم البيض فك الارتباط أعلن علي عبدالله صالح من ميدان التسعين في الـ 27 أبريل من عام 1994م الحرب على الجنوب أو ما أسماه بالحرب ضد أصحاب الردة (الانفصال) والمدعوم بفتوى دينية تكفيرية من بعض علماء اليمن.
وقد شهدت هذه المرحلة عددا من التدخلات الإقليمية والدولية بغرض إيجاد حلا للأزمة التي نشبت بين شريكي الوحدة، إلا أن نظام صنعاء بقيادة علي صالح لم يستجب لها، واستمر في حربه على الجنوب متعمداً على تأييد بعض الدول، حتى سيطر على مدينة عدن في 1994/7/7م، وهو اليوم الذي أعلن فيه سيطرة على الجنوب بالكامل.
**سياسة المنتصر**
جيش جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية
جيش جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية

لقد كانت دولة الجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية تمتلك كافة مقومات الدولة من مؤسسات عسكرية ومدنية واقتصادية احتلت بها مكاناً معتبراً في دول المنطقة العربية والإقليمية، لا سيما في المجال العسكري، الأمر الذي أزعج نظام صنعاء، والذي جعل من أولويات مهامه تصفيتها والقضاء عليها منذ تحقيق الوحدة مباشرة ليتم القضاء عليها بالكامل في أعقاب حرب صيف 94م، مع فرض سيطرته وهيمنته على كافة أرض الجنوب.
وهو ما أدى إلى تركين عشرات الآلاف من العسكريين مبعدين عن أعمالهم بالتسريح العام، أو بإبقائهم في ما بات يعرف (جماعة خليك بالبيت)، ومن تبقى منهم وضع في دائرة التهميش المتعمد.
السياسة نفسها انتهجها نظام صنعاء مع بقية مؤسسات الدولة الجنوبية المدنية والاقتصادية، مع إقصاء القوى الوظيفية بها، وخصخصت ما تبقى منها بقرار ممنهج من خلال الاتفاق مع من آلت إليه ملكية تلك المؤسسات الصناعية بالحفاظ على جزء من العمالة لفترة زمنية محدودة تم التخلص منها فيما بعد ليشرد موظفوها مابين محال للتقاعد الإجباري، أو إعطاء مبالغ زهيدة كمستحقات خدمية أنهيت بعدها علاقتهم الكاملة بالدولة، ومن تبقى تم تهميشه ليصبح موظفو وعمال هذه الدولة الجنوبية طيلة العصرين الماضين ما بين مسرح قصراً، أو ضمن جماعة (خليك بالبيت) أو مهمشاً في مرفق عمله.
 جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية المستقلة من الاحتلال البريطاني عام 1967م دولة قوية النظام وراسخة البنيان كلف بناءها وبناء مؤسساتها تضحيات كبيرة
جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية المستقلة من الاحتلال البريطاني عام 1967م دولة قوية النظام وراسخة البنيان كلف بناءها وبناء مؤسساتها تضحيات كبيرة

ووفقاً للهيئة التي شكلت عام 2013 والمكلفة بمعالجة قضاياهم فقد وصل عددهم إلى 57 ألف عامل، وإن كان عدد المبعدين العسكريين - وفقا لبعض الإحصائيات - تزيد عن مائة وخمسين ألف ملف.
**انطلاق الحراك**
مليونية 14 أكتوبر في ساحة العروض بخورمكسر
مليونية 14 أكتوبر في ساحة العروض بخورمكسر

ونتيجة لما تعرض له موظفو وأبناء شعب الجنوب طيلة العصرين الماضيين من إقصاء وإبعاد وتسريح وظيفي لجأ المتعاقدون العسكريون بتشكيل جمعية وهي ما عرفت بجمعية المتقاعدين العسكريين الجنوبيين للمطالبة بحقوقهم المسلوبة والمطالبة بإصلاح أوضاعهم المعيشية، وهي البذرة الأولى لتشكيل الحراك الجنوبي السلمي في 2007/7/7م، غير أن هذه المطالب الحقوقية قوبلت برفض وقمع من قبل نظام صنعاء، ونعت تلك المطالب بالانفصالية، ونتيجة لتعنت قيادة الدولة في إيجاد الحلول لتلك المطالب صعد أنصار الحراك الجنوبي من المطالبة بحقوقهم إلى المناداة باستعادة الدولة.
**ثورة التغيير**

لقد شهد الحراك الجنوبي منذ انطلاقته في عام 2007/7/7 تصعيداً رأسياً في المطالب سنة بعد سنة، ففي عام 2010م، وعند قيام ثورة التغيير بصنعاء تعاطف الحراك الجنوبي مع الثوار من شباب التغيير، والتي كانت القضية الجنوبية أبرز القضايا التي تحتل اهتمام قياداتها، وفيما كانت الفيدرالية من إقليمين هو الحل المطروح والمقبول أيضاً لدى أبناء الجنوب حينها غير أن الأمر تبدد بعد أن تم الالتفاف على ثورة الشباب من قبل بعض القيادات في الشمال، وهو ما حولها إلى أزمة بين الأطراف المتصارعة على الحكم فقط، وانتهاج الطرف المنتصر فيها سياسة سلطة السابق تجاه الجنوب، الأمر الذي جعل أبناء شعب الجنوب يصعدون في مطلبهم باستعادة الدولة ورفض أي حلول لتحيز من قضيتهم بما في ذلك حل الإقليمين.
**معالجات لم تتم**
لقد كان الجنوبيون المبعدون من أعمالهم يؤملون خيرا بحل قضاياهم بعد سقوط نظام علي صالح عام 2011م، وتولي عبدربه منصور هادي الرئاسة كرئيس توافقي، لا سيما بعد تشكيل لجان خاصة بمعالجة قاضاياهم والرامية لحل ولو لجزء من معاناة موظفو المؤسسات العسكرية والمدنية في الجنوب، والتي تم القضاء عليها وتسريح عمالها من العمل غير أن هذه الحلول الترقيعية سرعان ما تحطمت على صخرة التنفيذ.
تظاهرات مليونية وقمع حديدي
لقد شهدت المحافظات الجنوبية الست - والمكونة لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية والتي ينادي أبناء الجنوب اليوم باستعادتها - اثنتي عشرة مليونية خلال السنين القليلة الماضية، طالب أبناء الجنوب في جميعها باستعادة الدولة، وسقط فيها آلاف الشهداء والجرحى والمعتقلين جراء القمع العنيف من قبل نظام صنعاء.
**تصعيد ثوري**

وقد شهدت الثورة الجنوبية - المنادية باستعادة الدولة في المرحلة الماضية - تصعيداً ثورياً في فترات متقطعة تمثلت بالإضرابات الجزئية والكلية في بعض الأحيان، ولكنها سرعان ما كانت تنتهي وتعود الأمور إلى طبيعتها غير أن هذه الثورة شهدت تصعيداً متواصلاً بُعيد الاحتفالية بالذكرى الأكتوبرية الشهر الماضي بمليونية احتلت المليونية الثالثة عشر في ترتيب المليونيات التي شهدتها المحافظات الجنوبية حيث تحولت إلى اعتصام مفتوح نصب فيه الثوار المعتصمون في ساحة الحرية (العروض) بخور مكسر عدن خيامهم، وذلك كتصعيد ثوري للمطالبة باستعادة الدولة الجنوبية.
**انضمام مرافق وأحزاب**
وشهدت ساحة الاعتصام منذ بدء نصب خيامة في 14 أكتوبر من الشهر الماضي انضمام عدد من المؤسسات والمرافق الحكومية وأحزاب سياسية، والمطالبة باستعادة الدولة، لا سيما بعد سقوط العاصمة صنعاء والسيطرة عليها من قبل جماعة الحوثي في 21 سبتمبر من هذا العام.
وقد كان في مقدمة تلك الانضمامات انضمام جزء كثير من قيادات حزبي الإصلاح والمؤتمر الشعبي العام، وهو ما يعد سابقة نوعية لم تشهدها في السابق.
الكاتب الصحفي عبدالقوي الأشول أكد أن “المطالبة باستعادة الدولة التي ينادي بها أبناء شعب الجنوب اليوم مرتبط بالحقوق التي تضمنها كافة القوانين والشرائع الدولية المتعلقة بحقوق الشعوب في تقرير مصيرها، والشعب في الجنوب يمثل تاريخ وهوية ووطن، وهذا ما يعني بأن فكرة استعادة الدولة أمر مشروع بعد أن دخلت في وقت سابق بوحدة، وفقدت الشراكة مع الطرف الآخر، والذي انقلب على كافة الاتفاقات الخاصة بتحقيق الوحدة من خلال إقصاء النظام الجنوبي وكوادره من كافة مفاصل الدولة، بالإضافة إلى انتهاج سياسة الإقصاء والعنصرية، والنهب للمقدرات من ثروات وغيرها، مع طمس الهوية وغيرها من الأساليب التي انتهجها بعد الوحدة مباشرة تجاه أبناء شعب الجنوب أرضاً وإنساناً”.
سياسيون ومراقبون يرون بأن انتهاج سياسة المنتصر من قبل نظام صنعاء وعبارات عودة الفرع إلى الأصل وأساليب الإقصاء والتهميش وغيرها من الأسباب الأخرى هي من جعلت أبناء الجنوب يطالبون باستعاة دولتهم، وينادون بإنهاء الوحدة التي أضحت اليوم كابوساً جاثماً على صدورهم بعد أن كانت حلمهم الوحيد ولا سيما قبل تحققها.
**إنذار أخير**
وكانت اللجنة المنظمة لمليونية أكتوبر الشهر الماضي قد أعلنت خطة تصعيدية في إطار الثورة الجنوبية تنتهي في 30 نوفمبر مع التنويه للانتقال لمرحلة تصعيدية جديدة أكثر فعالية، وبرغم من التأكيدات المستمرة لقيادات الثورة الجنوبية بالتزام السلمية في إطار تصعيدهم الثوري إلا أن النظام لجأ خلال الأيام الماضية من تكثيف تواجده العسكري في عدن بطريقة استفزازية، الأمر الذي أثار مخاوف المعتصمين من استخدام العنف تجاههم في الأيام الماضية بغرض رفع الاعتصام وإنهائه.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى