من الاحتلال حتى الاستقلال أحداث التاريخ في الشعر اللحجي

> سند حسين شهاب

> روحنا من السعديه
ولا سيف ولا جنبيه
ما بي عيش ولا ريفيه
لا والله ولا لي نيه
باضحي بذي الذريه
هذا لك وهذا ليه
قسمة حق بالتسويه
ذا وادي وذي أرضيه
هذا وذاك له مثليه
واامات عيون كحليه
تذهب لأجلها روحيه
ردي الصوت ياكرديه
روحنا من السعديه
هكذا خرج أبناء لحج يندبون حظهم وهم ينشدون هذه الأبيات الشعرية بعد عودتهم من عدن بعد أن خاب ظنهم في الحصول على أشياء ثمينة بعد حيلة بريطانيا الأولى المتمثلة في ترك سفينتهم (داريا دولت) بالقرب من الشاطئ ومن ثم الادعاء بأن صيادي عدن وقبائل لحج قامت بنهبها كذريعة لغزوها لعدن في يناير 1839م، ومن ثم احتلال عدن بعد معارك غير متكافئة خاضتها القوات اللحجية المتمثلة في القبائل مع قوات الغزو البريطاني بكافة عتادها والتي سقط على إثرها شهداء لحجيون كان في مقدمتهم (العزيبي راجح مكي والسلامي والنوم) وآخرون، لم تهدأ المقاومة اللحجية ألبتة حتى بعد سقوط عدن.
ووفقاً للأرشيف البريطاني فقد حاولت السلطنة اللحجية آنذاك استرداد عدن أكثر من ثلاث مرات، مرتين في شهر يناير من العام نفسه 1839م ومرة في الشهر الذي يليه فبراير 1839م.
عندما أدركت السلطنة اللحجية بعدها أنها غير قادرة عسكرياً على مواجهة قوة عالمية بدأت بعدها بالمقاومة السياسية كما ذكر الأرشيف البريطاني ومنها مطالبة سلطان لحج لبريطانيا بالولاية على شعب عدن كونه هو السلطان المعتمد على ذلك، غير أن بريطانيا رفضت هذا الأمر تماماً.
لم تبرد جذوة النضال ضد المستعمر البريطاني، وشهدت كل مناطق الجنوب أفعالا نضالية تمثلت في العديد من المقاومات والانتفاضات التي قامت بها القبائل في أغلب مناطق الجنوب على امتداد جغرافيته، وقد أخذت هذه المقاومات أشكالا عدة منها المقاومة السياسية بمضامينها المختلفة، وأيضاً المقاومة العسكرية.. وقد رصد تاريخ الجنوب كل هذه المقاومات.
لم يكن الأدب بعيداً عن هذا النضال الذي اختطه أبناء الجنوب، بل كان السباق والمهد لهذا النضال، وقد حفل تاريخ الأدب بعدد كبير من الأعمال التي أرخت لهذا النضال.
ولأن لحج كعادتها هي الرائدة دوماً كان أدبها كذلك هو الممهد الأول لهذا النضال من خلال قصائد عدة كتبها عدد من أدباء وشعراء لحج كانت تمهد الطريق لهذا النضال وترسم مظالمه من جهة أو تؤرخ لأحداثه في سجل التاريخ من جهة أخرى.
سنحاول بقدر الإمكان في هذه المادة رصد ما تيسر لنا من هذا الأدب النضالي والتاريخي الذي حاول البعض تغييبه، لكن الحقيقة كما يقال لابد أن تظهر وإن غيبت فترة من الزمن.
كانت ثورة يوليو المصرية بقيادة الرئيس جمال عبدالناصر بداية لمد ثوري قومي عم كل المنطقة، كما شكلت إلهاماً لكل الوطنيين والثائرين والأدباء وغيرهم، وعلى وقع هذه الثورة هبت العديد من الثورات في بلدان عربية كثيرة وحركت مياه النضال القومي في عدن كان من نتائجها تشكيل القوى الثورية بمجمل أفكارها وتنظيماتها وتحفيز القبائل والثائرين في كل مكان من أرض الجنوب المحتل لإيقاظ الهمم والتلاحم والنضال في هذا الدرب لتحقيق الاستقلال.. لم يتخلف الشعر عن هذا الأمر بل كان سباقاً في الدعوة إليه.
وفي هذا الصدد نتذكر العديد من القصائد التي ألهبت المجتمع الثائر في الجنوب المحتل وشكلت المشعل الأول له.. ومن أهمها قصائد الأستاذ الشاعر الثائر عبدالله هادي سبيت، التي نقتطف منها أبياتا من قصيدتين كنماذج فقط، أولها قصيدة “يا شاكي السلاح” غنيت بصوت الأستاذ فضل محمد اللحجي:
“يا شاكي السلاح شوف الفجر لاح
حط يدك على المدفع زمان الذل راح
هذا الغير سيد ونحنا له عبيد
يامن مات والله إنه من القهر استراح
أرضي والنبي ويل الأجنبي
ديني ومذهبي يأمرني أن أحمل سلاح
يالله ياشباب آن الاكتتاب
يالله نشعل الثورة كفى من قول آح”
ومن قصيدة “بلادي وإن سال فيك الدم” للشاعر عبدالله هادي سبيت والمغناة بصوت الفنان أحمد قاسم:
“بلادي وإن سال فيك الدم
ففي ذلك الشرف الأعظم
بلادي ومهد أبي والجدود
صحونا لنكسر تلك القيود
فها الشعب ساد ويمضي يسود
وها الليل جاد ويمضي يجود
فكم من بطل عليه العمل وفيه الأمل
ليجعل منك عرين الأسود
بلادي بلادي اسلمي وانعمي
سأرويك حين الضمأ من دمي
ورب العروبة لن تهزمي
ومن أكمل الدين للمسلم
سيحمي الجبال وتلك التلال
به يكتب النصر للمسلم”
كان الأستاذ صالح نصيب واحداً من الشعراء الذين سجل لهم التاريخ باعاً في القصيدة الوطنية، وفي نفس هذا المضمار كتب نصيب عدداً من القصائد التي تنحى في هذا الإطار، نتذكر منها قصيدته الكبرى “باسم هذا التراب” التي كتبها مشيداً بانتفاضة إحدى قبائل الجنوب ضد المحتل وهي مغناة بصوت الأستاذ حسن عطا:
“باسم هذا التراب والضيافي الرحاب والجبال الصعاب
سوف نثأر يا أخي
يا بني هذا الجنوب اليوم هدأ يومكم يوم الشعوب
يوم أخذ الثأر بالدماء والنار
هيا يا أحرار نلحق الركب الأبي”
عندما تم تنصيب السلطان عبدالكريم فضل في عدن سلطاناً على لحج وإيعاز بريطانيا له أن السلطنة ستكون وراثية في أولاده من بعده خلافاً للعرف الذي يحكم السلطنة مسبقاً لم تكن تدرك بريطانيا أنها بهذا الأمر كمن يعد لنفسه حفرة بيده، فقد بدأت متاعب بريطانيا على يد هذه الأسرة نفسها سواء فيما يتعلق بالسلطان الأب عبدالكريم فضل أو من بعده ابنه السلطان فضل عبدالكريم ومن ثم السلطان علي عبدالكريم التي كانت فترة سلطنته على لحج هي خاتمة لمتاعب بريطانيا كون السلطان علي عبدالكريم كان يحمل أفكاراً تحررية إسلامية وقومية معاً شكلتها علاقته بالسيد محمد علي الجفري من جهة ودراسته في مصر من جهة أخرى.
وبالتالي فقد تراكمت الكثير من المشاكل بينه وبين بريطانيا حتى حصل الصدام بينهما والذي على إثره خرج السلطان علي عبدالكريم من لحج وتبعه بعد ذلك جيش لحج مغادراً إلى تعز بقيادة قائد الجيش يحيى حرسي.
هذا الحدث لم يكن بسيطاً في لحج خاصة والعالم أجمع، وكعادة الشعر في لحج كان مؤرخاً لهذا الحدث عبر الشاعر اللحجي سالم الأقرع الذي كتب في حدث خروج الجيش إلى تعز أبياتا، نقتطف منها:
“هيت في هيت يا جالس على باب بيت
شوف صاحب البيت با يحنق على باب بيته
كيف سويت يا يحيى لما سريت
الله يعينك على مسراك ذي قد سريته”
كانت آثار هزيمة العرب من إسرائيل في 1967م ثقيلة وكئيبة على المسلمين والعرب إجمالاً، وولدت نوعا من الإحباط في نفوس المسلمين والعرب، وكان لابد من رد يعيد للمسلمين والعرب شيئا من الهيبة والكرامة التي أهدرتها هذه الهزيمة، فكان الرد آتياً من عدن وكانت حركة العشرين من يونيو 1967م التي قادها بدهاء القائد الوطني المحترف عبدالهادي شهاب وباعتراف الإنجليز أنفسهم، واشتركت فيها كل الأدوات النضالية التحررية وكل سكان كريتر آنذاك والتي تمثلت في سقوط كريتر بيد الثوار بكافة فصائلهم ومن ورائهم سكان عدن كريتر الأبطال لمدة عشرين يوماً، وإذلال بريطانيا كونها كانت من القوى التي اعتمدت عليها إسرائيل منذ نشأتها.
لم يغب الشعر اللحجي عن هذه الملحمة التي سطرها كل الفدائيين ومن ورائهم سكان كريتر، وسطر الشعر اللحجي عبر الشاعر أحمد صالح عيسى قصيدة شعرية مغناة بصوت الفنان فيصل علوي نقتطف منها:
“يونيو عشرين ثورة
يوم قمنا ثائرين
والنصارى عندما شافوا الخطورة
أصبحوا من بين بين
بين كماشة حديد بين مليونين قيد
والفرنجي شل بابوره وشمر
هكذا ابن الوطن حس الهزيمة ذي أحاطت بالوطن
في عدن وقفة عظيمة غيرت مجرى الزمن
فاهتفوا ياثائرين”
عندما حان قطف الثمار كانت بريطانيا كعادتها تفتعل الإشكاليات في كل مستعمرة لها قبل خروجها.. ونكاية بالقائد جمال عبدالناصر افتعلت الشيء ذاته في الجنوب المحتل بإيقاع الفتنة بين أدوات النضال من خلال تسليمها السلطة لفيصل معين دون الآخرين الذين شاركوا في النضال ضدها، ليقوم هذا الفيصل بإبعاد الآخرين وتشريدهم واعتقالهم لتخلو له الساحة ليفعل ما يريد.
غير أن هذا الأمر شق صف الوحدة الوطنية في الجنوب بعد الاستقلال ووجد الثائرون أنفسهم بين مشرد ومعتقل ومطارد.. وهذا ما يصفه الشاعر الثائر حسن علي السقاف من منفاه القسري في هذه الأبيات المغناة بصوت المطرب عبود خواجة:
“قلي مشرد وباقلك أجل
لأن في التشريد تتويج النضال
أنا مشرد وابن عمي معتقل
من جملة الآلاف ذي في الاعتقال
كم من فدائي وكم من حر بطل
بالأمس قد بكى جنود الاحتلال
أصبح مشرد في الوطن ماله محل
نصيبه التشريد ولا الاعتقال
أنا ما جيت أروي الآن قصة ماحصل الكل يعرف ماجرى في ذي المجال
كانت خيانة من دول كبرى وهل
غير الخيانة تستطيع قهر الرجال
لكنني أقسمت عمري أن أظل
حراً ولن أخضع لطابور الظلال
لا السجن لا التشريد يقدر أن ينل
مني ولا التعذيب يثنيني محال”.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى