مشروع الرقابة المجتمعية على الأداء العام في تعز..مؤسسات تعاني من إغراق وظيفي وهزالة الاعتمادات وسوء التخطيط

> لقاء/ فهد العميري

> يُعد مشروع الرقابة المجتمعية على الأداء العام من المشاريع النوعية التي تمكن من الرقابة على أداء عدد من الأجهزة والمؤسسات التابعة للسلطة المحلية بمحافظة تعز، وذلك من خلال التعرف على طبيعة الاختلالات المالية والإدارية والفنية في هذه الأجهزة، وأسبابها، وكذا مستوى جودة الخدمات المقدمة للمواطنين ورفع سقف المساءلة الاجتماعية، ناهيك عن وضع توصيات معالجتها أمام قيادة السلطة المحلية ورؤساء الأجهزة والمؤسسات المستهدفة.
بيد أن فرادة المشروع وحداثته وعلاقته المباشرة بالاختلالات وأوجه القصور في هذه الأجهزة والمؤسسات الخدمية تضع أمامه وأمام القائمين عليه العديد من المعوقات.
التقينا مدير المشروع عمار السوائي واستوضحنا منه الأهداف التي يسعى لتحقيقها هذا المشروع، الذي بدوره أوضح بالقول: “لهذا المشروع هدفان رئيسان هما: بناء قدرات الشباب في مؤسسة “تمدين” على أدوات وآليات الرقابة المجتمعية، وتمكين الشباب من فتح قنوات تواصل فعالة مع القيادات الإدارية والسلطات المحلية في المحافظة، غير أن هناك أهدافا غير معلنة تتحقق بالضرورة مع التقدم في إنجاز المشروع مثل التحسن في مستوى تقديم الخدمة، وإجراءات الحصول عليها، ورفع سقف المساءلة الاجتماعية تمهيداً لتنفيذ تكتيكات جديدة تعتني بخصوصية الواقع اليمني.
وأضاف: “نحن في “تمدين” نباهي باشتغالنا على الرقابة المجتمعية منذ بدايات 2013 كأول منظمة مجتمع مدني تعمل على فكرة مماثلة، ونصرّ على استكمال مساراتها بصرف النظر عن توفر التمويل مستقبلاً، ولهذا لابد من استكمال ما بدأنا به، وتوسيع نطاق الجهات الخدمية الحكومية المستهدفة، حيث كنا في المرحلة الأولى التي نفذناها بتمويل من الاتحاد الأوروبي قد قمنا باستهداف خدمات (الكهرباء، الاتصالات، المياه، صندوق النظافة، شرطة السير ومصلحة الجوازات)، وفي المرحلة الثانية التي تستمر بحسب الجدول الزمني لعام كامل نضيف لهذه الجهات (الشئون الاجتماعية والعمل، مكتب المالية، ومصلحة الضرائب)، وبالتعاون مع الصندوق الوطني للديمقراطية، المرحلة الثانية من مشروع الرقابة المجتمعية على الأداء العام والملحوظ من تجربتنا في المرحلتين زيادة مستوى الشفافية، ونزوع أكبر لدى الجهات الرسمية لمنح المعلومات والتعاطي مع هذا الشكل من الرقابة غير الرسمية، وقد ساعد على ذلك صدور قانون حق الحصول على المعلومة، وإن كانت لدينا العديد من المآخذ والملاحظات على بعض جزئيات القانون، ورغم تأجيل صدور اللائحة التنفيذية للقانون”.
**إجراءات الحصول على الخدمة**
وعن مراحل تنفيذ المشروع قال: “يمر المشروع في مرحلته الثانية بأربع خطوات رئيسية، هي إعداد منهج المساءلة الاجتماعية وعلاقتها بالرقابة المجتمعية وتدريب الفريق عليه وعددهم 25 ناشطا وناشطة، ثم تلا ذلك النزول الميداني للجهات للرصد وجمع البيانات والمعلومات والمراقبة على مستويين مستوى إجراءات الحصول على الخدمة من حيث شفافيتها ونزاهتها وسهولتها للمستفيدين ثم للمربعات السكنية في المدينة لاستبانة المستفيدين عن الخدمة من حيث كفاءتها وكفايتها وعدالة توزيعها، وهي الخطوات التي قد أنجزتها فرق العمل حتى هذه اللحظة، يلي ذلك عقد اجتماعات مشتركة بين قيادات الجهات الخدمية التسع المستهدفة، وقيادات السلطة المحلية وممثلي فرق الرقابة المجتمعية لتقديم التقرير الأول عن أداء الجهات متضمناً نتائج عمل الفرق والرصد والتوصيات المقترحة وتحديد آلية لمتابعة تنفيذ التوصيات، وأخيراً تقوم الفرق بمتابعة تنفيذ التوصيات والتواصل مع الجهات لتنفيذ حملة توعوية تتعلق بالشفافية، ومكافحة الفساد ومتابعة تطورات أداء هذه الجهات والتحسين الحاصل في الخدمة، ثم يختتم المشروع بالاجتماع الثاني الذي ستعرض فيه النتائج النهائية”.
**الصراع السياسي**
وبخصوص الصعوبات والمعوقات التي تواجه فرق العمل في الجهات المستهدفة قال: “هناك الكثير من المعوقات التي تواجه فرق العمل وأيضاً تواجه المشروع، أهمها:
أولاً: مجريات الصراع السياسي، وهي من أبرز المعوقات، وذلك لأن المشروع ينفذ في بيئة قلقة غير مستقرة، فمن جهة لا تطمئن الجهات المستهدفة لأغراض فرق الرقابة المجتمعية وسلامة مساعيها، وأبرز ملامح هذا الإشكال تعرض الفرق للتصنيف السياسي واتهامها بالتبعية لأطراف الصراع والتعامل معها كأداة من أدواتها، ومن جهة أخرى لا يمثل تطوير البنية الإدارية وما يرتبط بها من قرارات وإجراءات أية أولوية لدى مراكز الإشراف العليا من صناع القرار.
ثانياً: تضيف المركزية المفرطة المزيد من التعقيد، وتضع العراقيل أمام أداء الجهات المختلفة خاصة ما يتعلق منها بسياسات التوظيف وإدارة الموارد البشرية وتوفير معدات العمل ومتطلباته، وتحد من فعالية الإدارات الخدمية في المحافظات، وقدرتها على اتخاذ القرار وتبني المعالجات الملائمة وتحديد الاحتياجات من واقع الملامسة العملية وغيرها، وهي مظاهر لضعف التنمية وسوء توزيعها عموماً، وتعكس حالة انكشاف الدولة وورطة الملفين الاقتصادي والسياسي.
ثالثا: هزالة الاعتمادات المالية، مع العديد من التعقيدات المصاحبة لها من أداء غير مؤسسي وسوء إدارة وهدر للموارد نتيجة سوء التخطيط، وفساد مالي ومؤسسات تعاني من إغراق وظيفي يلتهم معظم الاعتماد المالي، وكلها عوامل لا تساعد على تقديم مستويات خدمة مرضية للمستفيدين، فكل الجهات محاصرة بالعجز المالي والالتزامات المتزايدة للغير، والمديونيات التي يصعب تحصيلها، وهذا الوضع المالي يعيق إدارة الخدمة بوضعها الماثل فضلاً عن تطويرها”.
**تركيز انتباه المجتمع المدني**
عمار السوائي
عمار السوائي

وأضاف مدير المشروع عمار السوائي بالقول: “يمكن القول أن هناك مستويين للتجاوب مع مشروع الرقابة المجتمعية، تجاوب قيادة السلطة المحلية التي تبنت منذ المرحلة الأولى في بدايات 2013م دعم فريق المؤسسة في فتح قنوات التواصل مع الجهات الخدمية المستهدفة، واستعدادها للتفاعل مع خطوات جديدة وإزاحة العقبات القائمة، والمستوى الثاني من التجاوب من قبل الجهات الخدمية المستهدفة التي يمكن القول إن فرق الرقابة نجحت بامتياز في فتح قنوات التواصل معها، إلا أن ذلك لا يكفي، فما زالت الحساسية الرسمية في التعاطي بالمعلومات قائمة، وإن كانت بمستويات متفاوتة، لكن يمكن القول إن تجاوب الجهات يحتاج للمزيد من الوقت، ومن أنشطة الرقابة المجتمعية، وتركيز انتباه المجتمع المدني على فكرة رفع سقف المساءلة الاجتماعية والإبداع في تنفيذ تكتيكات جديدة تدفع متخذي القرار للتعاطي مع المجتمع وتوضيح تبعات القرارات التي تؤثر على مصالح العامة ونوعية الخدمات المقدمة لهم”.
**منهج الرقابة المجتمعية**
وعن ما إذا كانت تلك التوصيات تجد طريقها إلى التنفيذ أجاب بالقول: “لم نصل بعد إلى خطوة تقديم التوصيات، ولكن مما نجده من تجاوب من مسئولي الجهات وقيادة السلطة المحلية أعتقد جازما بأن تقبل التوصيات سيكون مرضياً لفريق عمل المؤسسة ومحققاً لأهداف المشروع”.
وعن أهم المخرجات قال السوائي: “لا شك أن الناشطين والناشطات ضمن فريق الرقابة المجتمعية، والمؤهلين بعد ورشة تدريبية مكتبية وأنشطة ميدانية لعام كامل هم أثمن ما تحقق لنا من مخرجات، ثم نضيف لذلك منهج الرقابة المجتمعية الذي يُعد أول منهج يتناول المساءلة المجتمعية، وهو نموذج بحاجة لكثير من التطوير والتحكيم الأكاديمي لمحتوياته، ثم تقارير النتائج والتوصيات التي تمثل ـ برأيي ـ نموذجاً لحالة معممة من المشكلات تقريباً خاصة في أطرها العامة تمثل قاسما مشتركا للصعوبات والمشكلات التي تعاني منها الجهات الرسمية في بلادنا”.
**غياب الاستراتيجيات والخطط**
عبدالحليم صبر
عبدالحليم صبر

من جهته تحدث عبدالحليم صبر مشرف فريق الرقابة المجتمعية ورئيس فرق العمل في إدارات المرور والجوازات ومؤسسة الكهرباء قائلا: “لا يمكن لنا الحديث عن الشفافية في مؤسسات تمتلك قاعدة بيانات لا ترقي إلى مستوى خدمة مساعي الباحثين وتلبية الاحتياجات البحثية، حيث إن فهم الأداء الدقيق للجهات يتطلب معلومات دقيقة، ثم إن تعاون الجهات الرسمية مع المواطنين يحتاج للمزيد من الجهود لترسيخ القناعات بالعمل المشترك لدى كل الأطراف”.
وعن سؤاله عن أبرز الاختلالات المالية والإدارية فيما يتعلق بطريقة تقديم الخدمة للجمهور، أجاب بالقول: “اسمح لي هنا أن أصيغ هذا السؤال بصورة أخرى، لأنفخ فيه روح الحقيقة وأقول: هل لدى القائمين على تلك المؤسسات معرفة بمهامهم الموكلة إليهم كـ “مؤسسات حكومية”؟، لنتحدث بعدها عن أهم الاختلالات، وبدون (شطحات) يجب أن نصغي لهمسات الواقع المرير الذي يعيشه المواطن البسيط المملوء بغباء النخب الهرمية”.
وأضاف قائلا: “علينا أن نتحدث عن خمس نقاط أساسية تعد من أهم العوائق التي تواجهها المؤسسات الخدمية وتلمسناها وهي: غياب الاستراتيجيات العليا والخطط المرحلية في تنفيذ سياسات المؤسسات لتجنبها الانهيارات الحاصلة، بجانب تبعات الفساد المالي والإداري والصراعات السياسية التي انحرفت بالأداء الإداري إلى تسييس الوظيفة العامة والعبث بالجهاز الإداري، وكذا سيطرة قوى النفوذ على القرار والتحكم به بما يحفظ بقاءهم على هرم السلطة، إضافة إلى شحة الإمكانيات المالية، وغياب الكادر المؤهل والكفؤ”.
وعن الإشكاليات التي يشكو منها الموظفون والقيادات الإدارية من جهة والمواطن في سبيل حصوله على الخدمة من جهة أخرى، قال أحد المواطنين وهو يتابع إخراج دراجته النارية المحتجزة في حوش المرور منذ شهر: “المواطن لا يشكو لأن الشكوى لغير الله مذلة.. أما الموظفون فيشكون من كل شيء بدءاً بالمدير وانتهاء بالمواطن، في حين يشكو المسؤولون من المركزية الشديدة، وقلة الموارد أو الاعتمادات المالية، وانعدام الإمكانات المادية لتسيير الأعمال وغياب الكادر المؤهل خاصة في المؤسسات التي تكون سياسة التوظيف فيها مركزية”.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى