حكايات مؤلمة من واقع مرير.. نساء أجبرهن العوز للبحث عن لقمة العيش في الشوارع

> رصد/ وئام نجيب

> **أسباب انتشار هذه الظاهرة**
إن السبب الرئيس في خروج هؤلاء النسوة إلى الشارع لمد أيديهن هو من أجل سؤال الناس في تذلل بغية الحصول على بضعة ريالات من هنا وهناك لعلهن بجمهن تلك الريالات قد تمكنهن من توفير لقمة العيش لهن ولأسرتهن بعد نهار كامل من التعب وسوء المعاملة والصد الجارح، ويعود ذلك بدرجة رئيسة إلى تفشي الفقر واستشرائه في المجتمع، وكذا الظلم الذي بات عنواناً في التعامل بين كثير من الناس، وغياب التكافل الاجتماعي والذي من شأنه أن يخفف من عوز واحتياجات الناس في حال وجد فيما بينهم، بالإضافة إلى قسوة بعض الأزواج تجاه أسرهم أو بسبب رحيلهم عن الحياة.
كما أن للوضع السياسي والاقتصادي المعقد دورا في قسوة الضمير وغياب الرحمة وروح التعاون لدى كثير من الناس، في هذا الزمن الذي جعل من الغني يزداد غناً والفقير يزداد فقراً.
**معاناة مريرة**

معاناة هذه النسوة تزداد ألماً وقساوة بمجدر أن تبوح هذه المتسولة أو تلك بالظروف التي أجبرتها على مد يدها للناس وأسبابها عندها تتشكف لك بأن ما دار في خلدك من معاناتهم لم تكن سوى غيض من فيض حياتهم التي يقاسونها، ويتأكد لك بما لا يدع مجالاً للشك أن هناك من يتضورون جوعاً ويمنون أنفسهم عند طلوع الصباح بالحصول على كسرة خبز يابسة يسكت بها جوع طفله.
تقول الأخت أم باسل: “أسكن في صندقة تقع بأعلى الجبل بكريتر أنا وعائلتي المكونة من سبعة أفراد، ثلاثة شباب يعملون بالحمالة، وفتاتين، بالإضافة إلى زوجي الذي يعمل في البلدية بمرتب 25,000 ريال فقط، ولهذا أنا هنا، إنها الحاجة التي أجبرتني للخروج إلى الشارع لمد يدي للتسول، فلا أحد يساعدنا ولا يحس بما نعانيه باستمرار من فقر وشظف في العيش، بل إنني ما زلت أحضر الأكل بواسطة الحطب لعدم امتلاكنا دبة غاز، فضلاً عن الثلاجة والغسالة، وغيرها من الأمور التي ليس لها وجود في منزلنا”.
وعن معاناتها التي تواجهها أثناء قيامها بالتسول تقول أم باسل: “إنني اعتدت إلى الخروج للشارع في المغرب، حيث أجلس في أحد الأزقة لأجمع قيمة العشاء لتلك اليلة فقط ومصاريف للأطفال إن زادت، فبعض الأحيان أعود إلى البيت بـ 300 أو 400 ريال فقط، في حين تأتي علينا أيام لا نجد فيها وجبة الفطور والعشاء، ومع هذا نجد أن بعض المارة لا تعاني بما نعانيه فيأتوا إلينا في كثير من الأحيان ويسألوننا أين زوجك لماذا لا ينفق عليكم؟ بينما لو علموا بما نحن فيه لما سألوا هذا السؤال”.
وتضيف بمرارة “لو أن مرتب زوجي يضمن لنا توفير أبسط الأشياء الضرورية لما خرجت وعرضت نفسي للإهانة والمضايقات التي أتعرض لها من قبل بعض الشباب عديمي الضمير والأخلاق، والذين يحاولون مساومتي في شرفي مقابل الحصول على المال، غير واعين بأن ما أخرجني إلى هنا إلا قساوة العيش ومرارته”.
وتختتم معاناتها بالقول: “لو وجد مسؤلون يخافون الله لما انتهكت كرامتنا في الشوارع وعلى أرصفة الطرقات، ولكان أبنائي موظفين”.
**الفقر من أجبرني على التسول**

أم عبدالله ليست أحسن حالاً من غيرها فالكل في الهم سواء، إذ تعاني من الفقر والفاقة الكثير، أم عبدالله عبرت عن جور الزمن وأهله عليها بالقول: “لدي خمسة أولاد وبنت، وزوج كان يعمل بالأجر اليومي قبل أن يقعد في البيت نتيجة لعدم حصوله على عمل، ولهذا أجبرت للخروج إلى الشارع لأجلس أمام المسجد من الساعة الخامسة قبل المغرب إلى الساعة الثامنة ليلاً، وذلك بغرض إعالة أطفالي التي أصبحت أنا المعيل الوحيد لهم”.
وتواصل أم عبدالله سرد معاناتها بالقول:“ما أتحصل عليه في الليلة والذي لايتجاوز الـ 500 ريال أشتري به أكلا واحتياجات أطفالي”.
أما أم محمد فعبرت عن معاناتها لـ«الأيام» بالقول: “تزوجت منذ 9 سنوات ومعي أربعة أطفال، وزوجي أصبح من ضمن العمالة الفايضة، ومع هذا الإنسان في بيته مستور ولا أحد يعلم بحاله إلا الله، حيث تمر علينا أيام لايتناول فيها أطفالي إلا وجبة واحدة فقط مع حرمان طفلي ذو 9 الأشهر من الحليب نتيجة لارتفاع أسعاره الجنونية”.
وما زاد من معاناتنا وزادنا هماً إلى هم هو عدم امتلاكنا بيت، ونسكن في بيت إيجار”، وتختم بالقول: “لقد قمت بالتسجيل بالشئون الاجتماعية قبل 5 سنوات للحصول على خدماتها ولكن دون فائدة”.
**كثير من الناس تأكل من القمامة**

وحول موضوع الشؤون الاجتماعية (الضمان الاجتماعي) والتي من شأنها أن توفر شيئا من المساعدات، والتي توزع كمبالغ رمزية بشكل فصلي للمستحقين قالت الحاجة أم سليمان: “كثير من الناس المحتاجة ممن تجبرهم الظروف للخروج إلى التسول لتقف أمام أبواب المساجد لمد يدها للناس، بالرغم من أن كثيرا منهم يستلمون من الضمان الاجتماعي، وذلك لأن ما يتحصلون عليه من الشؤون الاجتماعية بعد ثلاثة أشهر أو أكثر لا يكفي في توفير أبسط المتطلبات الضروية”.
وتضيف “وعلى الرغم من المبالغ الهزيلة التي تقدم لنا من هذا الضمان الاجتماعي إلا أننا نعاني في الحصول عليها كثيرا، حيث يتم تأخيرها في بعض الأحيان ومصادرتها عنا في أحيان أخرى”، ومتسائلة في الوقت نفسه عن “مصير الدعم المقدم بهذا الخصوص من الأمم المتحدة”.
وتواصل سرد معاناتها بمرارة “لدي ثلاثة أولاد، وتوجد لدي مشاكل مع زوجي الذي أصبح بدون عمل ضمن العمالة الفايضة، ولهذا اضطريت إلى العمل بالبيوت، إلا أنني انقطعت عن هذا العمل حالياً نتيجة لتعرضي إلى إصابة في عمودي الفقري جراء ذلك العمل”. وبمرارة تختم حديثها “لقد أصبح الناس تأكل من القمامة”.
**أنا من أعول أطفالي**
الحاجة مريم بدورها تحدثت عن معاناتها المعيشية التي أجبرتها للخروج للشارع للتسول لإعالة أسرتها بالقول: “لدي خمسة أولاد و5 بنات، ونسكن في صندقة بمديرية المعلا، ولا نجد المساعدات الخيرية إلا في شهر رمضان المبارك، وما زاد من معاناتنا هذه هو وفات زوجي الذي كان عاملا لدى البلدية، والذي انقطع عن العمل بسبب مشاكل قبل وفاته، ولهذا لم يعطونا مرتبه لكونه كان غير مثبت بالعمل”.
وواصلت حديثها بالقول: “حالياً أنا العائل الوحيد لأطفالي وأقوم بتوفير لهم حاجياتهم الأساسية من مأكل وغيره من خلال عملية التسول من أصحاب الباصات ووسائل المواصلات، ولهذا نجد من يشعر بما نعانيه فيتصدقوا علينا، في حين يعمد الآخرون إلى السخرية منا والاستهزاء بنا دون أي مراعاة لما نحن فيه أو استشعار للظروف التي أجبرتنا لمد أيدينا، ولهذا أناشد الحكومة بأن تخفف من معاناتنا بضمنا ضمن الضمان الاجتماعي أو تقديم الدعم من خلال المساعدات الخيرية وغيرها”.
**أجبرت على التسول**

أما ندى تحدثت لـ«الأيام» بالقول: “أنا لست من سكان مديرية المعلا بل أسكن في أحد أحياء الشيخ عثمان، ولكنني جئت أتسول إلى المعلا لكي لا يتعرف عليّ أحد”.
وتضيف “أنا أسكن في غرفة خشبية، وأثناء هطول الأمطار أغادرها، وما زاد معاناتي وإخوتي أننا جميعاً بلا وظائف، ووالدي متوفى، كما أننا لم نتحصل على أي مساعدة من الجمعيات”، مختتمة قولها “بمرارة أجبرت على التسول، ولهذا أشعر بالإحراج والإذال وأنا أمدُ يدي للتسول”.
أما منى سالم فقالت: “أنا متزوجة ولدي ستة أولاد، وأسكن في غرفة صغيرة في حي (كاسترو بالمعلا) وزوجي عامل في البلدية، ولهذا نواجه صعوبات في سبيل الحصول على لقمة العيش، مما اضطرت إلى التسول”.
بدورها تقول أروى: “أتعرض للمضايقات المتكررة بشكل يومي أثناء قيامي بالتسول لجمع ما يمكن من المال لكي أصرف به على أسرتي التي تعاني الفقر المدقع”.
وتضيف “بعض الناس يقدمون لنا بعض المساعدات، في حين البعض الآخر لا نجد منهم سوى التحرش اللفظي والألفاظ النابية والبذئية”.
**رزقنا على الله**
الحاجة أم سامي قالت: “لدي بنت وخمسة أبناء يعملون بالأجر اليومي ويقومون بمساعدتي، ولهذا لا أريد لأحد من أولادي أن يتعرض لأي نوع من الإهانة أو أن يلجأ إلى السرقة، ففضلت بأن أخرج لأطلب الناس لكي يساعدوني، وأعود إلى أبنائي بلقمة الحلال”.
وأضافت “أنا لم أمد يدي فقط، وكل ما أقوم بعمله هو أني أخرج من منزلي في الساعة السابعة صباحاً، وحتى الساعة الثانية ظهراً، وأجلس في مكاني المعتاد بدون ما أمد يدي، ولدي بعض المعاريف هم من يقومون بمساعدتي”، وتختتم بالقول: “نحن عائشون على الله وأهل الخير كثيرون”.
**خاتمة**
لو وجدت الرحمة والتعاطف والإيثار وحب الآخرين لما وجد على هذه الأرض فرد يمد يده إلى الناس، فضعف الإيمان وضعف معها حب الخير، وزاد الجشع والطمع، وأضحى كثير من الناس من يمسي يعاني من بطنه المتخمة بالمأكولات، وآخر يتضور جوعاً، وهنا يجب أن نترضى على الخليفة الخامس عمر بن عبدالعزيز الخليفة العادل الذي تجاوزت اهتماماته هذه الطبقة الفقيرة إلى الاهتمام بالطير، وفيها يقول: “انثروا القمحَ على رؤوس الجبال كي لا يُقال جاع طيرٌ في بلاد المسلمين”.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى