التعليم في اليمن..تجهيل برعاية رسمية

> رصد/ إياد الوسماني

> هموم التربية والتعليم في اليمن كثيرة وأسباب تدني التعليم وتدهوره متعددة طالت جميع أركان العملية التعليمية بدءا بسوء الإدارة والمعلم، والمناهج التدريسية، والمبنى المدرسي، وكذا الغش والتدخل المباشر للمجالس المحلية في شئون المدارس، وغياب الوسائل التعليمية، هذه الأسباب وغيرها تمثل عائقا أمام تطور سير عملية التعليم في اليمن، وهو ما جعل الأجهزة المختصة تقف اليوم عاجزة عن معالجتها ووضع الحلول الناجعة لها.
وضع تعليمي سيئ لن يصح ويتعافى إلا متى ما عقدت تلك الجهات العزم الجاد لانتشال الوضع التعليمي مما هو فيه من خلال محاسبة المتسببين في هذا التدني بدءاً بالمعلمين في المدارس ومكاتب التربية بالمديرية والمحافظة وصولاً إلى الوزارة، بالإضافة إلى التقييم المستمر لمخرجات التعليم وتفعيل مبدأ الثواب والعقاب لكل العاملين في هذا الميدان.
الأمر الذي من شأنه أن يساهم في انتشال التعليم من وضعه المتدهور وإعادة الأمل والروح التربوية لنفوس المعلمين التي أضحت محبطة لما وصل التعليم إليه في وقتنا الحاضر.
**التعليم الجامعي**
التعليم الجامعي في اليمن حديث عهد، حيث تعود البداية الأولى للتعليم الجامعي في البلاد إلى عامي 1972م و 1975م.. وفي الوقت الحالي تبلغ عدد الجامعات الحكومية في اليمن (7) جامعات تضم (99) كلية تتوزع بين (41) كلية تطبيقية و(58) كلية إنسانية، يتوزعن على (52) قسماً في كليات العلوم التطبيقية تتكرر لتصل إلى (196) قسماً شاملاً الدبلوم في ظل التماثل القائم بين الجامعات والكليات المتناظرة، وكذلك الأقسام في كليات العلوم الإنسانية والتي يبلغ عددها (50) قسماً تكررت لتبلغ (250) قسماً شاملاً الدبلوم، وبمعدل (233,903) طلاب، من الجنسين في الجامعات الحكومية والخاصة، فعدد الملتحقين في الجامعات الحكومية وصل إلى 188,343 طالبا وطالبة، وفي الجامعات الخاصة وصل إلى 45,560 طالبا وطالبة.
**ارتفاع نسبة الأمية**
يعتبر واقع التعليم في اليمن سيئا جداً حيث تبلغ نسبة الأمية فيه حوالي 70 % في الأرياف، و38 % في المدن، ويشكل سكان الريف 71 في المائة من مجمل السكان، 45 في المائة معلمون لا يحملون حتى الشهادة الثانوية، و18 في المائة منهم بمؤهل ثانوي، في حين من يحملون الشهادة الجامعية 13,8 فقط.
**ثلاث جهات إشرافية**
منذ نشأة الأنظمة التعليمية في اليمن في ستينيات القرن الماضي، تولت ثلاث جهات عملية الإشراف على هذه العملية التعليمية ممثلة بوزارة التربية والتعليم التي تشرف على التعليم العام بنوعيه الحكومي والخاص، وكذا وزارة التعليم الفني والتدريب المهني التي تشرف على التعليم الفني والتدريب المهني الصناعي والزراعي والتجاري والصناعي التقني، بالإضافة إلى وزارة التعليم العالي التي تشرف على التعليم الجامعي بنوعيه الحكومي والخاص، ومراكز البحوث والدراسات.
وهنا يمكن القول بأن التعليم في اليمن كان مرتبطاً بالدويلات التي حكمتها، ولكن مازال الحكم في اليمن يعاني ويفتقر إلى أبسط مقومات الحياة السياسية، وبدأت جهود الحكومة من أجل تحسين الخدمات التعليمية في عام 1962 حينما أنشئت الجمهورية العربية اليمنية. وخلال السبعينات من القرن الماضي، شهد اليمن توسع التعليم الأساسي، غير أنه كان هناك بعض التباين بين الشمال والجنوب، وتبنى الجانبان سياسات تعليمية مختلفة اختلافا كبيرا حتى تم توحيد الشطرين في عام 1990.
وفي العادة، كان شمال اليمن قبل قيام ثورة 26 سبتمبر 1962 مجتمعا مغلقا بدرجة كبيرة وكان التعليم مقصورا على المدارس الدينية التي يجري فيها تحفيظ الأطفال القرآن أو المدارس التي تدار بمبادرات محلية.. مهما يكن من أمر، فإنه لم يكن بوسع كل الأطفال الالتحاق بالمدارس، وكان أغلبية التلاميذ من البنين، وكان عدد الفتيات الملتحقات بالتعليم قليلا.
**برامج تطوير**
في أغسطس 2000م وافق البنك الدولي على برنامج تطوير التعليم الأساسي الذي كان متابعة وتوسعة لبرنامج توسيع التعليم الأساسي، وقد جرى تنفيذه بالتعاون مع وزارة التنمية الدولية البريطانية وهولندا منذ يونيو 2004م.. وتضمن مشروع تطوير التعليم الأساسي إنشاء المدارس وإعادة تأهيلها (الصفوف 1-9)، وهدف هذا المشروع إلى تنفيذ الخطط في كل المحافظات، ولكن تنفيذ إستراتيجية تطوير التعليم الأساسي تركز على أربع محافظات معينة، وقد بلغ حجم هذا المشروع المشترك (مشروع تطوير التعليم الأساسي) 120 مليون دولار أمريكي، وهو محور إستراتيجية تطوير التعليم الأساسي.
وفي نوفمبر 2006م وقع المجلس السويدي لضمان ائتمانات التصدير EKN ووزارة التنمية الدولية البريطانية اتفاق صندوق استئماني للمساعدة الفنية، وتم تقديم هذه المساعدة الفنية لمساندة عمليات مشروع تطوير التعليم الأساسي مثل مشروعات الإعداد للتعليم الثانوي للفتيات، وإعداد مشروع التدريب المهني الثاني الذي بدأه البنك الدولي.
وفي عام 2002م أعدت الحكومة إستراتيجية وطنية لتطوير التعليم الأساسي، بمساندة من مختلف شركاء التنمية وأصحاب المصلحة المباشرة، وتم تنفيذ هذا المشروع في أربع مديريات بمحافظة صنعاء في البداية، واتسع ليشمل 50 % من مديريات محافظات صنعاء وعمران والمحويت والضالع، وتم فيما بعد توسيع نطاقه ليشمل كل المديريات الواحد والستين في المحافظات الأربع.
هدفت إستراتيجية تطوير التعليم الأساسي تلك إلى زيادة معدلات الالتحاق بالتعليم إلى 95 % بحلول عام 2015م، وتحسين نوعية التدريس، وتطوير المناهج الدراسية، وكذا إصلاح الإدارة المدرسية، وتحسين الإدارة المالية، وتحقيق لا مركزية إدارة الخدمات التعليمية، بالإضافة إلى زيادة الأماكن المتاحة للفتيات في المدارس، واستغلال الحيز غير المستغل من الفصول الدراسية، والعمل بنظام الفترتين الدراسيتين، مع إنشاء مدارس جديدة على أساس خرائط توزيع المدارس، وتعزيز مشاركة المجتمعات المحلية.
وعقدت الحكومة سلسلة اجتماعات للتشاور وحلقات دراسية مع أصحاب المصلحة المباشرة من المجتمع المدني لتعزيز الإحساس بين المواطنين بامتلاك هذه المشروعات، شارك فيها زهاء 400 من المواطنين والمواطنات الذين يمثلون لجنة المرأة، واتحاد المدرسين، ومجلس الآباء والطلاب من المستويات المركزية والمحلية، جرى فيها متابعة تنفيذ إستراتيجية تطوير التعليم الأساسي من خلال لجنة توجيه وزارية وبتوجيه من فريق فني تولى حينها مسؤولية التنسيق الدوري مع مجتمع المانحين، أما المسؤولية عن الأنشطة الفعلية لإستراتيجية تطوير التعليم الأساسي وتنفيذها فقد اضطلعت بها وزارة التعليم والتنظيم على المستوى اللامركزي.
**التعليم الفني والتدريب المهني**
يقدم التعليم الفني والتدريب المهني دورات تدريبية لمستويات ما بعد التعليم الأساسي وما بعد التعليم الثانوي، وتبذل الحكومة جهودا لتوسيع التعليم الفني والتدريب المهني على مختلف المستويات، ومع ذلك فإنه مايزال محدودا نسبيا.
**ارتفاع معدلات البطالة**
البطالة مشكلة كبيرة يجب معالجتها مع نمو السكان وسعي النظام التعليمي لمواكبة الاحتياجات الجديدة لسوق العمل، ففي عام 1999 بلغ معدل البطالة بين الشباب 18.7 في المائة، وكما هو الحال في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فإن معدل البطالة بين النساء الحاصلات على تعليم عال مرتفع جداً أيضاً، وتذهب التقديرات، بالنظر إلى الافتقار إلى مسوح استقصائية للأيدي العاملة، فقد بلغ عدد العاطلين إلى مليون في عام 2006م، أي نحو 16.5 % من القوة العاملة، كما أن نقص المهارات بين الأيدي العاملة هو أيضا مشكلة من المشكلات الرئيسية التي ذكرها تقرير ممارسة أنشطة الأعمال لعام 2009، للشركات الخاصة لبدء أنشطة الأعمال في اليمن.
**تدني معدل تعليم الفتيات**
معدل التحاق الفتيات بالتعليم في اليمن هو أدنى المعدلات في بلدان الشرق الأوسط، ويوجد تفاوت هائل بين البنين والبنات، وبين المناطق الحضرية والريفية.. ويُعزا ضعف نسبة مشاركة الفتيات في التعليم إلى عدة عوامل اجتماعية وثقافية، فعادة الزواج المبكر للفتيات في المناطق الريفية تعوق تعليم الفتيات وتؤدي إلى ارتفاع معدلات التسرب وترك الدراسة، والحفاظ على عفة الفتاة أمر ذو أهمية كبيرة في المناطق الريفية، ولذلك فإن الآباء يحجمون عن إرسال فتياتهم إلى المدارس المختلطة.. ومما يساهم في انخفاض معدلات التحاق الفتيات بالتعليم أيضا الاتجاهات الاجتماعية السلبية السائدة نحو تعليم الفتيات، والافتقار إلى مدرسات، ومن العوامل التي تجعل الأسر تحجم عن إرسال فتياتها إلى المدرسة قلة عدد المدارس، وفرص العمل والتوظيف، والتكدس، وسوء نوعية التعليم. وزيادة على ذلك، فإن الاتجاهات المحافظة للمدرسين تجاه الفتيات، وبعد المسافة عن المدارس في المناطق الريفية، ونقص الكتب ومواد التدريس وضعف الإمكانيات المالية للآباء، كلها عوامل تحد من فرص الفتيات في التعليم.
**معدل القراءة والكتابة في اليمن**
تظهر تقديرات الأمم المتحدة أن معدل الإلمام بالقراءة والكتابة بين البالغين في اليمن في عام 2007م بلغ 40.5 % للإناث و77 % للذكور، وبلغ معدل الإلمام بالقراءة والكتابة للسكان عموما من أعمار 15 فأكثر 49 % وحدث تحسن في معدل الإلمام بالقراءة والكتابة من 37.1 % في عام 1994 إلى 58.9 في المائة في عام 2007.. وبالمقارنة فإن البلدان المنخفضة الدخل في المتوسط يبلغ فيها معدل الإلمام بالقراءة والكتابة بين البالغين حوالي 60 في المائة.
**التعليم الخاص والحكومي**
يوماً بعد يوم والتعليم اليمني يدق ناقوس الخطر، وخصوصاً بعد ظهور الجامعات الخاصة والأهلية التي انتشرت وتوسعت بشكل كبير في عموم محافظات الجمهورية، والتي شهدت إقبالا متزايدا من قبل الطلاب، فيما لقي هذا الأمر العديد من التساؤلات بين مؤيد ومعارض.
**وجود خلل في المنظومة التعليمية**
 حسين الصوفي
حسين الصوفي

وعن وضعية التعليم الحالية في اليمن قال حسين الصوفي «التعليم في اليمن بشكل عام دون المستوى المطلوب، وذلك لوجود خلل في المنظومة التعليمية كلها، وهذا الخلل يشمل المنهج الذي بينه وبين الواقع المعاش للطلبة فجوة عميقة، ثم البنية الإدارية للجهات القائمة على التعليم والتي تعاني من ضعف وهشاشة واضحة تسببت في قصور الأداء الظاهر على مخرجات التعليم، وكذا النظرة القاصرة للطالب والأسرة للتعليم على أنه تحصيل حاصل وليس واجبا وطنيا».
وأضاف «إن الفساد المتراكم الذي يزيد عن ثلاثين عاماً هو المتسبب الرئيس في تدهور العملية التعليمية في البلاد، ولهذا فمشكلة (الجهل المغلف) الذي أصبح ظاهرة توصف بها مخرجات التعليم لم يأت من خراب عام أو عامين وإنما سببه تدهور عقود وإصلاحه بالتالي لا يكون حصيلة جهد يوم أو سنة وإنما يحتاج لسنوات من الجهد المكثف على أن تقوم به الدولة التي ينتظرها الشعب، ويبدو أنها ستغيب عنه طويلاً كما يحكي الواقع للأسف الشديد».
**الجامعات الحكومية لا تفي بالغرض**
أما الطالب محمد علي الجبري فقال «توجهت للدراسة في الجامعات الخاصة وذلك لأن الجامعات الحكومية لم تعد تفي بالغرض وأصبح التدهور فيها قويا جداً، لذلك أصبحت المعاناة كبيرة على الطلاب في عموم محافظات الجمهورية، والدليل على ذلك جامعة ذمار التي نراها بين الحين والآخر متدهورة وطلابها يخرجون في مسيرات ومطالبات بتوفير الكادر الدراسي لأكثر من سبع أو ثمان سنوات ولا زالت إلى الآن».
**مستوى تعليمي متدنٍ**
 ماجد الخولاني
ماجد الخولاني

من جهته تحدث عن هذا الموضوع لـ «الأيام» ماجد الخولاني- المدير التنفيذي لمؤسسة النافذة للتنمية المجتمعية بالقول «التعليم في اليمن بشكل عام متدنٍ بلا شك ولم نصل إلى 2 % من مستوى التعليم الصحيح وذلك بسبب تفشي الفقر إلى جانب السياسات والمعالجات الخاطئة من قبل الحكومة لرفع مستوى التعليم في البلاد، بالإضافة إلى دخول السياسة والحزبية والمذهبية والتعصب إلى التعليم وتسييسه».
وتابع حديثه بالقول «بدلاً من أن يحمل الطالب القلم أصبح يحمل السلاح، وبدلاً من أن يقضي وقته في البحث عن المعلومة وعن الفائدة أصبح يقضي وقته في المتارس أو الشوارع أو مقاهي الإنترنت، وأصبحت الثقافة عند اليمنيين أن التعليم هو الشهادة لكي يحصل الشاب على وظيفة وبالتالي راتب وكفى، وهذا ما نلاحظه بعد التخرج من النسبة الضئيلة التي تواصل الدراسات العليا».
طاهر الكينعي
طاهر الكينعي
أما طاهر الكينعي فأدلى بدلوه في الموضوع بالقول «التعليم في اليمن جيد، وإذا لم يكن كذلك لما وجدنا كوادر علمية من الطلاب الذين أثبتوا جدارتهم وكفاءتهم في التحصيل العلمي، ولما وجدنا في أوساط طلابنا ممن حصلوا على مراكز في العلم من حيث الأوائل».
وأضاف «التعليم جيد ولكن هناك قصور وفساد كبير، المتسبب فيهما بدرجة رئيسة وزارة التربية والتعليم، حيث لا توجد رقابة كافية على مستوى التعليم».
الصحفي فؤاد السماوي بدوره تحدث عن هذا الموضوع والأسباب التي أدت إلى تدني مستوى التعليم في البلاد بالقول «العملية السياسية في اليمن والطائفية والفكرية المختلفة لها دور كبير في إعاقة التعليم عن الشكل الصحيح والسليم، وهذا ما جعل التعليم يرجع إلى الخلف ولا يؤدي مهمته الصحيحة في تعليمنا وتعليم أجيالنا».

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى