دور القيادات الشبابية بين التهميش السياسي والتبعية للقوى التقليدية

> استطلاع/فهد العميري

> أوجد الربيع العربي بيئة مثالية لحضور الشباب، وتصدرهم للمشهد السياسي والعام، فبدأ حضورهم قوياً ومؤثراً وفاعلاً بَيد أن ذلك لم يدم طويلاً، فسرعان ما تباينت رؤاهم وبرزت خلافاتهم وخارت قواهم، وتحولوا إلى شلل وجماعات صغيرة العدد محدودة الأهداف غائبة الفاعلية، لا تأثير لهم يعتد به في صناعة القرار أو لتبوء المراكز القيادية (رسمية وحزبية) في شتى المجالات، برغم النص في مخرجات الحوار الوطني على منحهم 30 % من المناصب القيادية.
فهل يعني هذا بأن الشباب يعانون من أزمة قيادة، ولماذا يتراجع حضورهم في المشهد العام باستمرار في ظل محافظة النخب القديمة على الصدارة والتأثير في صناعة القرار، وهل تكمن الإشكالية في الشباب وقدراتهم أم في طبيعة تركيب المجتمع الأبوي، وما السبيل لتجاوز كل تلك الإخفاقات؟.
راشد محمد
راشد محمد

الناشط الاشتراكي راشد محمد تحدث عن الدور القيادي للشباب ومدى قدراته في صنع القرار بالقول: “الشباب اليمني كغيره يعيش أزمة التجربة نتيجة لعدم توفر المناخ السياسي الملائم لتأهيل، وتنمية مهاراتهم وقدراتهم، الناتج عن طبيعة الأنظمة التي سادت منذ خمسينات القرن الماضي وصولاً إلى الربيع العربي، والذي لم يوفر البيئة المناسبة بحدها الأدنى لرفع وتعزيز قدرات الشباب وتنمية معارفهم بالقدر الذي عززت من السطوة والاهتمام بالمركز المقدس متجاهلة لكل المستويات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وغيرها للناس، الأمر الذي خلق أزمة على كافة المستويات، والتي كان أبرز تجلياتها في انتفاضات الشباب العربي الذي كانت آفاقه تزداد قتامة كل يوم لينتفض محملاً بكم هائل من المخزون السيء الذي راكمته تلك الأنظمة، بالإضافة إلى لأزمات الأخرى كمحدودية التعليم، والمستوى المعيشي الصعب الذي غيب إبداعات وطاقات الكثير من هؤلاء الشباب عن هذا المجال إلى مجال البحث عن فرص العيش”.

وأضاف “يعاني الشباب اليمني اليوم من فقر معرفي نتيجة لغياب المؤسسات البحثية، ومراكز الدراسات التي بإمكانها في حال توفرت أن تسهم إلى حد كبير في إنضاج الوعي وتبلوره إلى رؤى ومواقف واعية إزاء مصالحهم ومستقبلهم، كما أن الاندفاعة التي قادها هؤلاء الشباب كانت بمثابة ردة فعل اجتماعي، وسياسي، واقتصادي للشكل السائد، ولهذا كانت مستويات هؤلاء الشباب بالمستوى السائد وعلى مختلف الأصعدة، الأمر الذي ألقى بتأثيره على حراك الشباب، وهو ما انعكس في نهاية الأمر سلباً على قضاياهم النبيلة، لهذا فقدوا الثقة بأنفسهم، أما ما يخص القيادات القديمة والتي ماتزال مسيطرة على المشهد فهي الأخرى أيضاً تعيش أزمتها، لكن خبرتها في التعامل مع الأحداث هي التي تجعلها تتصدر هذا المشهد”.
وعن سبل المعالجة لهذه المشكلة قال محمد: “سبل المعالجة لا أعتقدها وصفة طبية ستأتي نجاحها سريعاً، ولهذا يجب على الشباب مواصلة اهتمامهم بالسياسة والعملية السياسية تحديداً، وتعزيز المجهودات الفردية في تنمية معارفهم ليصبحوا فاعلين ومتسلحين بالآفاق الثورية”.
**أزمة قيادة**
مختار الدهبلي
مختار الدهبلي

من جهته تحدث لـ«الأيام» الناشط الشبابي مختار الدهبلي عن هذا الموضوع بالقول: “يُعاني الشباب بسبب مواريث الديكتاتورية والقهر والاستبداد من أزمة قيادة مستفحلة وشديدة، حيث أضحى الشباب حالياً مجرد تابعين للقيادات الهرمة التي هي السبب الرئيس في أزمة البلاد”.
وأضاف أن “الأسباب في تراجع حضور الشباب يعود لعوامل متعددة أهمها: تكوينهم الفكري، والثقافي، والنفسي التابع والفاقد للاستقلالية، والثقة بالنفس، وهو ما يساهم باستمرار غياب هذه القيادة الشبابية، بالإضافة إلى لغة التخوين السائدة بين الشباب، وغياب الوعي السياسي والثوري كل هذه العوامل تجعل الكيانات الشبابية كيانات ضعيفة وهزيلة ومفرخة وتابعة للقيادات الديناصورية، ولهذا لا نستطيع تحميل الشباب وحدهم المسئولية لما صار إليه وضعهم فتعليمهم السيء، وغياب الأنشطة، وعدم وجود الفرصة أمامهم، وكذا انعدام الأدوار المتاحة لهم، بالإضافة إلى ولائهم للثقافة الأبوية السائدة والمتمثلة بالطاعة العمياء والتقليد، واعتبارهما الأصل، وفي المقابل اعتبار الثورة والإبداع خروج عن الأصول وعن القيم، كل هذه الأمور وغيرها ساهمت باستمرار هذا الخلل”.
وأضاف “لن يتجاوز الشباب هذه المشكلة إلا بالتشخيص العلمي والصحيح للمشكلة، وإيجاد الحلول الناجحة لها وطرحها بوعي، وكذا من خلال التوحد ونبذ الفرقة والتبعية العمياء، وتفعيل المشاريع العملية والآليات الديموقراطية التشاركية، وخلق مشاريع عمل شبابية مشتركة، والتدوير القيادي للقيادة في تكتلاتهم مع بناء كيانات شبابية ديموقراطية، والتواصل المكثف، وتقبل بالآخرين”.
**إقصاء وتهميش**
 صلاح نعمان
صلاح نعمان

بدوره قال رئيس منظمة (شباب ضد الفساد) صلاح نعمان: “لا يستطيع أحد أن يقول إن الشباب الذين خرجوا من تلقاء أنفسهم وأشعلوا ثورة 11 فبراير 2011م، يفتقرون إلى حنكة القيادة، ولكن ما حصل من إقصاء وتهميش للشباب هو ناتج عن النفسية التي تتمتع بها القوى السياسية الهرمة في بلادنا حزبية وقبلية وغيرها والمتمسكة بالسلطة، حيث عمدت إلى إقصاء الشباب وإثارة الفرقة بين صفوفهم خوفاً وفزعاً من أن يأخذوا مواقعهم، أضف إلى ذلك وجود القوى المناوئة للثورة، والتي تقود ثورة مضادة، وتعمل باستمرار على إعاقة وصول الشباب إلى مراكز قيادية، ولا يقتصر قرار إقصاء الشباب هذا على القوى السياسية والقبلية في الداخل، بل ساهمت دول الجوار في دعم هذا التوجه خشية من وصول الشباب إلى السلطة وفقدان مصالحها”.
**النقص في الخبرة**
ذي يزن السوائي
ذي يزن السوائي

الناشط الشبابي ذي يزن السوائي من جهته قال: “الشباب هم من أشعلوا فتيل ثورة 11فبراير بعام 2011م، وكانوا في مقدمة الصفوف، قدموا خلالها تضحيات جسام من أجل إنجاح الثورة وتحقيق أهدافها، ولكن كانوا يفتقرون إلى الخبرة والكفاءة للمشاركة في صنع القرار، الأمر الذي مكن تلك القيادة القديمة من الاستحواذ والسيطرة على المشهد في البلد”.

وأضاف السوائي قائلا: “إن الإشكالية الرئيسة التي يعاني منها الشباب هي عدم تمكينهم للتأهل والتدريب سياسيا وثقافيا من قبل صانعي القرار، ولهذا نؤكد بأن الشباب اليوم قادرين على صناعة المستقبل بهمتهم وعزيمتهم وإرادتهم إذا ما وجدوا اهتماماً حقيقياً من قبل الدولة والأحزاب، ومنظمات المجتمع المدني لتأهيلهم، وذلك لكونهم طاقة جبارة ومواهب صاعدة”.
**تشبيك وتحالفات**
بلقيس العبدلي
بلقيس العبدلي

رئيس منتدى آفاق التغيير بلقيس العبدلي تحدثت عن فئات الشباب والمشكلات التي تواجهها في صنع القرار بالقول: “مثّل الربيع العربي للكثير من فئات المجتمع المستضعفة فرصة ظهور حقيقية، ومشاركة فاعلة وليس الشباب فقط، لعدة أسباب أظن أن من أهمها - من وجهة نظري- عفوية المشهد الثوري وتحرره بالأخص في البدايات الأولى من أي سيطرة للأحزاب والمكونات السياسية، وحتى تلك الأخيرة عملت على الدفع بشبابها وتصديرهم كقيادات للثورة الشبابية لتظهر للعالم إيمانها بالتغيير الذي تنشده ولتقنع الرأي العام بوجود قيادات جديدة تتصدر المشهد، وفي ظل كل ذلك الاستثمار السياسي لطاقات الشباب ونضالاتهم برزت نقاط ضعف لديهم أفرزتها معاناة المجتمع بشكل عام والشباب بشكل خاص الناتجة عن سنوات طوال من عدم المشاركة السياسية وقلة الوعي لدى البعض بمفاهيم العمل الجماعي، والأوضاع الاقتصادية المتردية، وسوء المعيشة، وتحمل الكثير من الشباب في اليمن لأعباء معيشية استنفذت قدراتهم وطاقاتهم المادية خلال فترة الاعتصام في الساحات.. ناهيك عن ظهور خلافات بينهم ناتجة عن قلة الثقة أو الطموح بنتائج ومكاسب سريعة مما أفقدهم القدرة على الوصول إلى تحالف أو تكتل بقيادة موحدة، وزاد الطين بلة - كما يقولون - قيام الأحزاب السياسية بتفريخ حركات وتكتلات ومكونات صغيرة تدين بالتبعية العمياء لها”.
وأضافت بلقيس قائلة: “ونتيجة لغياب التحرر الفكري، ووجود التبعية لأولئك الشباب لبعض الأحزاب زادت مظاهر الخلافات فيما بينهم، وهو ما جعل جهودهم تذهب هدراً وبدون فائدة لمصلحة تلك القيادات القديمة”.
وعن كيفية تجاوز تلك الإخفاقات قالت بلقيس: “يمكن تجاوز تلك الإخفاقات من خلال وجود إرادة حقيقية من قبل الشباب أنفسهم تبدأ من الإيمان بخطورة المرحلة وأهمية وجود تشبيك وتحالفات بين الشباب على مختلف توجهاتهم الفكرية والسياسية، وكذا خلق قيادة موحدة وفكر تجديدي غير قائم على الصراع من أجل المناصب أو المكاسب الآنية، بالإضافة إلى العمل على تصدير وجوه شابة، ودعمها برؤى توافقية وطنية بالدرجة الأولى”.
واختتمت بلقيس حديثها لـ “الأيام” بالقول: “رغم كل ذلك لا ننكر أن الشباب في اليمن كان لهم دور بارز في السنوات الأخيرة، وبالأخص منذ العام2011م، في المشاركة في تحريك مجريات الملعب السياسي، ولو في كثير من الأحيان بشكل غير مباشر، وإن كان ذلك لم يصل إلى المستوى الذي يطمحون إليه، ومع هذا نقول إنها تجربة فريدة أظن أنها ستحتاج إلى المزيد من الصقل والخبرة والعمل الجاد ليفرض الشباب أنفسهم على هذا الواقع السياسي المتردي”.
**فرض قيادة شابة**
مجيب المقطري
مجيب المقطري

من جهته قال عضو اللجنة المركزية للتنظيم الناصري مجيب المقطري: “اقتنص الشباب اللحظة التاريخية للفعل الثوري في عام 2011م، بَيد أن ما أعاق هذا الفعل هو ما كان متأصلاً قبل الثورة في الديمقراطية الهشة والمقننة التي لم تفض لتكريس الديمقراطية واقعاً حقيقاً يمكن التعلم منه، ويمكنه من أحداث تغيير حقيقي داخل هذه الأحزاب، وكان بالإمكان أن يلعب الشباب الدور الأبرز في تجديد الأفكار والأدوات السياسية، لهذا فإن الأحزاب التي كانت قائمة قبل ثورة الشباب هي من سيطرت على مخرجات هذه الثورة، وتم إحالتها إلى (قسمة ضيزى) لم تفض إلا لحكومة توافقية كسيحة أعطت للنظام القديم المتهالك فسحة من الوقت لإطالة تجديد بقائه، هذا الفخ المرسوم وبعناية أحبط الشباب، وجعلهم يغادرون المشهد زرافات ووحدانا، وكل ذلك كان نتاج قلة التجربة والخبرة لدى بعض الشباب، كما أن القوى التي سيطرت على الثورة كانت من القوة الاحترافية بحيث استطاعت حرف الثورة عن المسار، ولكن الثورة قطعت خطوات في الاتجاه الصحيح، ويصعب إيقافها بحيث بدت بعض القوى التقليدية ومن تحالف معها تتصدّع وتتضح مراميها وتسقط بعض رموزها، وتفتضح أخرى، وبات من الصعوبة أن تأتي أي قوى تقليدية من الكهوف الغابرة، وإن حاولت بخطاب جديد يتماهى مع العمل الثوري، لكن بأدوات صدئة بدأت تتكشف مراميها بالسيطرة لا أكثر، وافتضحت هي الأخرى وبشكل سريع كصعودها، لأننا نعلم أن (من وسط الظلام الكثيف ينبثق شعاع الأمل)”.
وتابع المقطري حديثه قائلا: “نزعة الاستحواذ عند القيادات المعتقة في الأحزاب هي من جعلت حضور الشباب في أماكن صنع القرار ضئيلا، وحتى وإن حصل تواجد في القيادة فهذا التواجد تغزوه الباباوية للقيادات المعتقة ويصير الشباب مجرد اتباع للقيادات، وليس لطرق تفكيرهم وأدواتهم الحديثة والمنهجية في الإدارة، ولهذا نجد أن هذه الأسباب هي التي جعلت الشباب يضطر للعمل في منظمات المجتمع المدني الخدمية والخيرية هروباً من هذا الاستحواذ الأبوي في الأحزاب وأفرَغَها من تواجدهم في القمة والقاعدة الجماهيرية، أيضاً كثير من هذه الأحزاب لم تعقد مؤتمراتها، ولم تجدد نفسها، وما تزال راكدة في الحركة والفعل، ولهذا أرى بأنه بالإمكان تغيير نمط العمل الحزبي في حال وجدت ثورة داخلية في هذه الأحزاب يقودها الشباب بالطرق الصحيحة والديمقراطية، كما سبقهم شباب التنظيم الوحدوي الناصري الذين عقدوا مؤتمرهم قبل أشهر وجددوا من قياداتهم وحصل بفرض قيادة شابة في تلك القيادة، هذا ما نتمناه لشباب الأحزاب أما شباب المستقل فعليه تشكيل نفسه بأدوات حقيقة وبرؤى واضحة بعيدة عن الاستغلال والاستفادة من أخطائهم في ثورة الشباب”.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى