الموروث الشعبي والسياحي بذمار في طريقه إلى الاندثار

> تقرير/ إياد الوسماني

> تمتاز محافظة ذمار بموقع جغرافي مهم جعلها منذ القديم منطقة تتعاقب عليها الحضارات والقبائل اليمنية، وتمرّ بطريقها القوافل والرحلات، والتعاقب الزمني الضارب في القدم واختلاف الثقافات التي سكنت هذه المنظقة طوال تلك الحقب إلى حاضرنا، الأمر الذي أدى إلى ظهور وبقاء كنوز عظيمة ومتنوعة من الموروث الشعبي والأثري على امتداد مساحة المحافظة التي باتت تتعرض مؤخراً مع الأسف للتلف والضياع والاستغلال الجائر في ظل غياب الدور التكاملي للحفاظ عليه من قبل السلطة المركزية أو المحلية أو الجهات المعنية وكذا المواطنين.
ولأجل الحفاظ على ما تبقى من هذا الكنز الذي تزخر به هذه المحافظة أنشأ عدد من الشباب في السنوات الماضية (بيت ذمار للموروث الشعبي السياحي) وهي مبادرة مدنية تهدف إلى الحفاظ والتعريف بالموروث الشعبي بالمحافظة، وذلك برئاسة فاطمة ناصر البخيتي وحسان العنسي مدير البيت، اللذين سارعا بعمل إقامة المعارض الشعبية وجمع القطع الأثرية والتراثية من خزف وحجار وفضة وأزياء قديمة وجمع العادات والتقاليد اليمنية وتوثيقه بشكل بحث لصور نادرة وتوثيقها وعرضها بأبسط الإمكانيات المتاحة لديهم وبتعاون من محافظ المحافظة ومكتبة البردوني العامة وبعض الجهات الرسمية، بالإضافة إلى التنسيق مع بيت الموروث بصنعاء الذي تشرف عليه الأستاذة أروى عبده عثمان وزيرة الثقافة التي بدورها أعلنت دعمها لهذا المشروع الهام ليواصل التوسع والنهوض بالمجال السياحي والثقافي بالمحافظة.
وبرغم هذا الاهتمام الذي تبديه بعض الجهات الحكومية إلا أن هذا المشروع حالياً يوشك على التوقف نتيجة لحدوث مشكلة بسيطة يمكن حلها.
**الحفاظ على التراث**
بعض من الموروثات الشعبية في ذمار
بعض من الموروثات الشعبية في ذمار

إحياء التراث الشعبي وحمايته، هو الحفاظ على الإرث التراثي والتاريخي الحضاري للبلاد، وذلك من خلال الكشف عنه وصيانته وترميمه وجمعه وإبرازه والتعريف به ودراسته وفي مقدمة ذلك كله حصره وتسجيله.
ومن هنا يجب أن تكون حمايته والحفاظ عليه ليس مقتصراً على جهة بعينها بل الكل شريك فيه جهات رسمية ووسائل إعلام وأفراد، باعتباره ملكا عاما لجميع أفراد المجتمع والهدف منه الحفاظ على الموروث.
مدير بيت ذمار للموروث الشعبي السياحي حسان العنسي تحدث عن جانب من أعمال هذا البيت ومهامه بالقول: “يقوم هذا البيت بإقامة المعارض الشعبية التعريفية، كما يقوم بجمع القطع الأثرية والأواني الفخارية والحلي والصور وغيرها من المقتنيات القديمة في صناديق وتخزينها في أماكن خاصة وضيقة، وذلك لعدم توفر مقر لبيت الموروث، ومع الأسف أن هذه العملية تتكرر مع إقامة المعارض وهي عملية خطرة وغير آمنة لحفظ هذه المقتنيات وتعرضها للتلف، ولهذا نتمنى من الجهات المعنية بالمحافظة وقيادة السلطة المحلية التعاون معنا وذلك بتوفير وتخصيص مقر واسع وآمن لهذا البيت الخاص بالموروث الشعبي بالإضافة إلى توفير حراسة خاصة به”.
وأضاف: “هناك خطة لحماية الموروث الشعبي السياحي في محافظة ذمار من خلال إيجاد مقر لبيت ذمار للموروث الشعبي السياحي، وتركز هذه الخطة على أهمية الحفاظ على الموروث الشعبي السياحي بكل أنواعه وحمايته مما يتعرض من سرقات ونهب، كما أن الغزو الثقافي والتطور التكنولوجي أدى بطريقة مباشرة وغير مباشرة إلى طمس الهوية العربية وتذويب معالم الشخصية الإسلامية العربية”.
وأردف: “من هنا نقول إن الفائدة من هذا التراث الشعبي السياحي لن تتحقق إلا بالتواصل في توريثه واستمرار الحفاظ عليه، ولهذا فالاهتمام به أصبح ضرورة ملحة ليعاد إلى مكانته التراثية”.
**الدولة غائبة**
إن الموروث الشعبي والتراث اليمني لهذه المحافظة غائب من أجندة اهتمام الدولة وقيادة المحافظة من حيث التدوين والدراسة والبحث والتوثيق، حيث تفتقر البلاد إلى مثل هذه المراكز الخاصة بالتوثيق سوى مراكز محددة خاصة وحكومية أبرزها بيت الموروث الشعبي للأستاذة أروي عثمان.
ودعا العنسي في ختام كلامه إلى ضرورة إحياء وتوثيق وحفظ الموروث الشعبي المتناثر في البيت الحاضن للتاريخ اليمني الأصيل (بيت ذمار للموروث الشعبي السياحي)، وقال: “أتمنى من الجميع المبادرة في هذا المجال لحفظ وتوثيق هذا الموروث الذي يعتبر تأصيلاً لجذور المحافظة والبلد الممتدة إلى أعماق التاريخ”.
**بحاجة لمقر**
مدير بيت ذمار للموروث الشعبي السياحي حسان العنسي
مدير بيت ذمار للموروث الشعبي السياحي حسان العنسي

بدورها أوضحت فاطمة ناصر البخيتي رئيس البيت بذمار بعض من اهتمامات وكذا وضعية هذا البيت الخاص بالموروث الشعبي بالقول: “سيكون وضع بيت ذمار للموروث الشعبي السياحي في محافظة ذمار في حالة جيدة، متى ما وجد مقر خاص له، وذلك لأن المقر سيمكننا من حفظ سجل حياة مجتمعنا القديم، وسيشكل نافذة يطل من خلالها أبناء الحضارة المعاصرة والأجيال القادمة على ما أنجزه الآباء والأجداد من أعمال”.
وأضافت: “كما سيلعب هذا المقر دوراً هاماً في توعية المجتمع وترسيخ مفهوم الهوية الثقافية، وهذا هو الأمر الذي دفع الأمم المتحضرة إلى تطوير متاحفها لتكون واجهة المجتمع وعنوانه الحضاري”.
وأردفت بالقول: “حاليا تعكف إدارة بيت ذمار للموروث الشعبي السياحي على القيام ببعض الخطط والتواصل، كما أن مقر البيت سيضم كافة الأدوات التقليدية التي كانت تستخدم في الإنارة وكافة المصكوكات، وكذا سيتم إنشاء قاعة للمرأة اليمنية، وسيكون في مقر بيت ذمار للموروث الشعبي السياحي ثلاثة أقسام هي: قسم ما قبل التاريخ، قسم ما قبل الإسلام، وقسم التراث الشعبي، وبهذا سيتكون قسم التراث اليمني والموروث الشعبي من عشر قاعات هي: قاعة الزراعة، قاعة فن العمارة اليمنية، قاعة عشة، قاعة الملابس الشعبية، قاعة العرس الذماري، قاعة النسيج، قاعة الحلي الفضية، قاعة عمل السلال والخزف والأعمال اليدوية، قاعة الأعمال الخشبية، قاعة اللون الأزرق”.
**أهداف البيت**
وأوضحت فاطمة البخيتي جانبا من أهداف بيت ذمار للموروث الشعبي بالقول: “يهدف هذا البيت بدرجة رئيسة إلى الحث على الاهتمام بالتراث الشعبي ورعايته وصقله والتعهد بحفظه من الضياع وكذا حمايته من الإهمال، إلى جانب العمل على صقل قيم الموروث الشعبي ليدفع برموزه إلى واجهة المخيلة الإبداعية، وذلك ليكون في متناول المبدعين خيارات من موروثاتهم الفنية بألوان الفن والأدب وتشجيع دراسة التراث للاستفادة من كنوز الإيجابيات كالصبر وتحمل المسئولية والاعتماد على الذات لتدعيمها والبحث في وسائل الاستغلال الأمثل لمصادر البيئة المختلفة والعمل على التعريف بالموروث الشعبي بواسطة تمثيل الأدوار والاعتماد على المحسوس حتى تكون الصورة أوضح وأعمق، وإعطاء صورة حية عن الماضي بكل معانيه الثقافية والفنية والعمل على تنمية الفكر العلمي فيما يتعلق بدراسة اللهجات اليمنية والتراث الشعبي والعمل على تطوير هذا الحقل وتنشيطه، بالإضافة إلى رصد التراث الشفهي في البلاد من مصادره الأساسية الشفهية والمكتوبة بما يتضمنه من عادات وتقاليد ولهجات مختلفة، وموروث سلوكي، ومعارف، ومعتقدات شعبية، وحِرف، وفنون، وأزياء، وحكايات، وأمثال، ونكت، وألغاز، وغير ذلك من أوجه التراث الشفهي الذي له صلة بحياة الناس لتحقيق التواصل العلمي لأعضاء البيت وللباحثين المهتمين بالحقل المعرفي في مختلف دول العالم”.
**نلجأ إلى المنهج الوصفي**
زائر يعرض إحدى الموروثات  الشعبية
زائر يعرض إحدى الموروثات الشعبية

بدورها أوضحت انتظار الذاهبي مسئول الترويج السياحي بالبيت بالقول: “هناك منهج خاص ببيت ذمار للموروث الشعبي السياحي، بالإضافة إلى أن موضوع هذا البيت يتطلب الكشف عن واقع حال التراث الشعبي والتراث اليمني السياحي ومدى اهتمام المجتمع بالموروث الشعبي السياحي، ولهذا نلجأ إلى المنهج الوصفي لتجسيد ذلك الواقع وتفصيله وشرح العوامل الثقافية والمادية المؤدية إليه، بالإضافة إلى إعانة الباحث بالنزول الميداني لزيارة بعض المؤسسات المهتمة بالتراث الشعبي السياحي، وذلك لمعرفة الإمكانيات المتوفرة لها للحفاظ على الموروث الشعبي السياحي ومدى دعم الدولة لها”.
أما حواء المرامي مسئول السكرتارية بالبيت فأبدت رأيها حول هذا الموضوع بالقول: “إن وضع التراث الشعبي في اليمن عامة ومحافظة ذمار خاصة يدق ناقوس الخطر حيث إن الصعوبات التي تواجه هذا التراث كثيرة كعدم الاهتمام بالحرفيين من قبل الجهات المعنية وعدم توفير المواد الخام و إعفاؤهم من الضرائب، بالإضافة إلى غياب القانون الذي من شأنه أن يحميهم أمام ضغط المستورد الخارجي”.
وتضيف: “حالياً لم يتبق من الحرف التي اشتهرت بها مدينة ذمار سوى 40 حرفة لم يتم توثيقها ومسحها، كما أن هناك حرفا مندثرة وحرفا في طريقها للاندثار وحرفا مهددة بفقدان هويتها أهمها المشغولات الفضية والعقيق وصناعة الجنابي والعسوب، والنجارة، والأخرى تتعرض للتشويه ومسخ هويتها الثقافية”.
واختتمت حديثها بالقول: “موروثاتنا بحاجة إلينا فليستجب كلٌ منكم لهذا النداء ونناشد الجميع الحفاظ على الموروث الشعبي والتراث اليمني بمحافظة ذمار وإيجاد متحف خاص يضم ويحفظ ويوثق مقتنيات بيت ذمار للموروث الشعبي السياحي”.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى