«الأيام» تنفرد.. آخر حوار للشاعر الغنائي (نسير)

> حاوره / جمال محمد حسين

> كانت الجلسات التي تشاركتها مع الشاعر عمر عبدالله نسير من أجمل الجلسات طيلة مشواري الإعلامي الذي لا يتجاوز الأربعة عشر عاماً.
كانت الجلسات في منزله المتواضع بزنجبار يسودها التواضع والتلقائية والبساطة.. تحدثنا عن أشياء كثيرة ومثيرة من حياته وإبداعه الشعري، ومناسبة بعض قصائده ومتى قالها؟. وسأختار هنا أهم ما دار بيننا في تلك اللقاءات.
*كم كان عمرك عندما قلت الشعر، ومن هم الشعراء الكبار الذين نافستهم وأعجبوا بك؟.
- قلت الشعر في سن مبكرة وعمري عشر سنوات، كنت أذهب إلى السمرات، وكان هناك شعراء كبار حينها منهم عبدالله بن ناصر الدولة، وعبدالله علي، ومحمد جنيد، وكانت مساجلات جميلة أيام السمرات كان واحد من الشعراء يبدأ ببيت ونحن نرد عليه، مثلاً أذكر أني في إحدى المرات قلت في إحدى السمرات: “خافوا الله تخلطونه باللبن الماء حياة الروح لكن اللبن أزمن” فرد علي الشاعر الكبير محمد جنيد وقال: “دق الهيل والقرفة ولبن القهوة البن وشرب المر كيف طعمه لما يتلبن”. وضحك رحمه الله.
وقال معناها حسب قصد الشاعر (إنه رجل أسود تزوج امرأة بيضاء أو العكس).
*هل كنت متلهفا ومتشوقا للمشاركة في السمرات؟ وكيف تذهب وأنت ما زلت طفلاً في العاشرة من عمرك؟.
- نعم كان عندي حب المشاركة وكان الشعراء هم الذين يأتون ويأخذوني معهم، وكان الشعراء الكبار حريصين على مشاركتي، ومنهم الشاعر الكبير عبدالله بن ناصر الدولة وعبدالله أبو هايل ومحمد جنيد كنا نذهب إلى قرب حسان في السمرات ونتبادل قول الشعر طول السمرة.
*هل كان والدك مشجعاً لك؟.
- توفي والدي وأنا طفل صغير، وللأسف لم يسعفني الوقت لأتعرف عليه وأعيش معه لأن القدر كان أسرع.
*هل كنت تحفظ الشعر منذ نعومة أظفارك؟.
- نعم كنت أحفظ الشعر وأنا صغير جداً وأحب سماع الشعراء الكبار وأحفظ لهم، وعندما تعلمت القراءة والكتابة وتحررت من الأمية قرأت الشعر والفضل يعود إلى من علمني القراءة والكتابة الرئيس سالم ربيع وضمني ربيع إلى الندوة الفضلية.
*حدثني عن مشاركتك مع الندوة الفضلية؟.
- كتبت وقدمت العديد من القصائد أيام نشاط الندوة الفضلية كتبت للفلاح والأرض والصياد وعن البتول وقصائد كثير ومتنوعة منها قصيدة (سال وادينا):
ســال وادينــا وقدنــا في الطــلب قفـــــلوا الأبواب بالــــــــخشب
ويوم صحنا مهندسنــا آلب آه يا دنيــــا عـجيبي بالـــــــــــعجب
كل ما صحنا وقلنا ما يجب جاء مهندسنا وصورته صورة غضب
فـوق بــاب الــقنطرة يطــرح رتب آه يا دنيــا عــجيبي بالـــــعجب.
وتابع حديثه بعد تقديمه للقصيدة قائلاً: إبراهيم عمر شيخ كان شاعر الندوة الفضلية وجاء بنا سالم ربيع إلى الندوة أنا وعوض أحمد من منطقة المحل مع شاعر ومغن، وكان في الندوة حينها إبراهيم عمر شيخ، وكان فيها الملحنان العماري والباوزير وفيها كان أيضا العطروش.
*كان لك ظهور على شاشة تلفزيون عدن مرة واحدة فقط ولم تتكرر، حدثنا عنها؟.
- نعم طلبوا مشاركتي في برنامج في قناة عدن كنت ضيفا فيه، وكان معي عوض أحمد وعبادي، أنا شاعر، وهم مغنون، غنوا في البرنامج، وقدمت قصيدة قلت فيها:
مساء الخير يا جماهير شعبي الكبير.. الشاعر الشعبي يقول لكم مساء الخير.. عمر قال يصحا يحل من كان نيم احمينا الشعر يصحا لا يحب الدنانير.
ما كملت القصيدة إلا والمكان تغير وانهوا البرنامج بسرعة قالوا لنا انزلوا يشتوكم تحت لأن التلفزيون كان فوق الجبل، هذا كان في فترة رئاسة سالمين - رحمه الله - ونزلنا نحن والفرقة إلى تحت الجبل فقالوا لصاحب السيارة لا تروح بهم وروح لك، وجلسنا تحت الجبل إلى أن جاءت سيارة حق واحد معروف اسمه علي الصياغ أخذنا إلى الشيخ عثمان فقط ومسكنا خط الساحل، كان عقابا لنا.
(وضحك كثيرا رحمه الله).
*ومن يومها وأنت رافض المقابلات في الإذاعة والتلفزيون أليس كذالك؟.
- نعم لأني أخاف أعمل مقابلة وأروح أسير على الأقدام إلى أبين.
*لو نقف قليلاً عند التعاون الذي بينك وبين العطروش؟.
- أعمال كثيرة قدمها لي العطروش بصوته وهو من لحنها وقدم بعضها للفنانين مثل العزاني أعطاه قصيدة (حبيب قلبي نكرني) وأعطى لصباح منصر (حله ومحله) ولأحمد علي قاسم (يا هاجري) ولرجاء باسودان (المحبة بالرضا) وغنى من كلماتي عوض أحمد وغيرهم لا أذكرهم الآن، أعذرني.
> كتابتك للشعر عرضتك في تلك الفترة لمشاكل مع النظام كما سمعت بسبب التفسير الخاطئ للقصيدة من قبل الساسة، حدثنا عنها؟.
- نعم كنت أكتب القصيدة وإذا نشرتها لا أجلس في بيتي.. مرة أذهب إلى باتيس في جبال المصانع وأحيانا أطلب منهم أن يقفلوا الباب علي من الخارج، وأنا داخل البيت و لو جاء حد يدور لي من المخبرين وشاف الباب مقفلا راح واعتقد أنه لا يوجد أحد في البيت، ولي قصيدة توضح هذه المعاناة قلت فيها: (رميتك في مهب الريح يا قيثار.. والفن رميته مع الأوتار والقيثارة.. ما أريد ألف وغني والزمن دوار.. دوري أنا لعبته أيام الاستعمار.. قدمت إنتاج لثورة والثوار.. كانت لجان النصوص تقبل وما تختار.. والمنتجين خايفين من ضربة التيار..أنا أنتج الشعر وامشي في طريق أخطار.. ما كنت خائف من التهديد والإنذار.. يجيني إنذار من أعدائي باستمرار.. واللي يراقب يراقب عند باب الدار.. قلدت مجنون للي يحبسون الأحرار. المخبرون اللي يجيبوا للعميل أخبار.. قالوا تجنن وأزعج أسرته والجار. ما يعلموا أن لي في المجتمع أنصار.. أنصار أحرار ثاروا بالحديد والنار.. وأنقذونا من الجلاد والجزار.. هذا حصل لي في الماضي وهذا صار.. من حقي أصمت وأرمي الفن والقيثار.. واليوم قابلت تسعين في المائة شعار.. شعار في انتظار الفلس والدينار..شعار ما يخضعوا لنقد واستفسار.. شعار لأجل المصالح يدعون الاتجار.. الشعر ماشي كدر ولا لبن أبقار.. ولا سمك بالشباك يصطاده البحار.. ولا خشب يقطعه النجار بالمنشار.. الشعر فن له معنى وله أفكار.. السابقون خلفوه للقادمين آثار.
* لماذا انتقدت شعراء تلك الفترة في قصيدة القيثار؟.
- لأنه أيام النضال الحقيقي والثورة لم يجرؤ أحد منهم أن يكتب قصيدة نقدية عن الوضع أو ثورية حماسية ويجهر بها أو يشهرها وحينها كنت أقول الشعر وأعلن القصيدة وأختفي من المخبرين وأطلقت على نفسي ألقابا كثيرة منها عمر الصياد وعمر جعار وغيرها.. وكان هناك شعراء آخرون عباد الدينار وعملهم المدح فقط.
*نتعرف على حكايات بعض قصائدك ومناسباتها.. قصيدة (سبولة).
- سبولة كتبتها أيام ما كنت أعمل في الأرض وانتقل من أرض لأخرى على حمار وأجمع الحصاد من أهل الخير أيام المواسم والخضرة والسبول فكتبت “بالله اعطني من دهلك سبولة، واشارح ليه سنة ما ذقت الجهوش، وأنا في الرميلة وخلي في الفيوش”. لحنها وغناها العطروش وسجلها في إذاعة عدن بصوته، ومازالت تذاع لليوم، وزعل منها اللحوج، وقالوا يلي ذكرت الفيوش تبا لك لطم بالحيوش.. وحدثت بينهم وبين محمد مشكلة ومضاربة في الحسيني، خليها على الله.
*أغنية (شيء حلال في المعزوب أبو منصور أو راحوا وخلوا الطين ذا مهجور).. ما حكاية هذه الأغنية؟.
- هذه القصيدة قلتها عندما قُتل عبدالنبي مدرم ووصلني خبر مقتله وأنه تم سحبه في الإسفلت، وقالوا عنه رجعي وتركوا جثته مرمية وشخص أخذ الجثة وهو نقيب يافعي ودفنه فقاموا باعتقال هذا الشخص وقتلوه، وأبو منصور كان غضبان من هذا الفعل وما حدث لمدرم، وقال لو أعرف من فعل بمدرم هذا لقتلته، وكان أبو منصور كريم يكرم كل من يمر على معزوبه، ويقدم له الأكل والسبول والقصب، وبعد فترة مررت على المعزوب ولم أجد أبو منصور فقلت القصيدة.
*أغنية (يا بايعات البلس والقات) لها حكاية ما هي؟.
- ذهبت إلى تعز زيارة وشفت صبايا يبعن القات، وكنت جالسا في دكان عند صديقي، وجاءت واحدة من الصبايا وحطت لصاحب الدكان القات ومشت، وكانت هناك امرأة عجوز تشوف اللى عندنا وصرخت وقالت لأبو العدني شل قات بنتك، وما دفع وعمل لي مشكلة ودخلني السجن وخرجني مسئول في الشرطة اتفق معي على أساس أني أجيت معزوم عنده مقابل أدفع له حق العزومة، ودفعت له وخرجني، وبعد فترة جاء العطروش يوصف لي صبايا صبر وطلب قصيدة قلت له قد شفتهم بعيني، وكتبت له (يا بايعات البلس والقات).
هذا جزء من حديث الذكريات مع الشاعر المناضل عمر عبدالله نسير الذي توفي وهو يحلم بطباعة ديوان له إلا أن ظروف الحياة لم تساعده، كما أن الجهات المختصة لم تقدره حق التقدير، ولم تطبع له حلمه، كذلك الفنان القدير محمد محسن عطروش وعده كما قال لي بالمتابعة وطباعة ديوان له، فانتظره إلى أن رحل عن دنيانا الفانية في 13 سبتمبر 2014م ولم يتحقق حلمه رحمه الله.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى