الأمير خالد والأعرابي

> محمد حسين الدَبَاء

> يحكى أن عمر بن الهيثم، والذي روى هذه الحكاية أنه خرج ذات مساء مع الأمير خالد بن عبدالله القصري، ولم يكن معهما أحد، فبصرا بأعرابي قادم من بعيد فأشار إليه خالد فأقبل الأعرابي، وهو لا يعرفهما، فقال له خالد إيه يا أعرابي أظنك غريبًا عن البلدة.
قال نعم.
قال: وما أقدمك.
قال: جئت قاصدًا رفد هذا الرجل الكريم (خالد بن عبد الله).
قال وهل تعرفه.
قال: لا .. لا والله ما رأيته قط.
قال: أجئته بوصاية أو زلفى.
قال: لا والله غير أني قلت فيه ثلاثة أبيات من الشعر وإن كنت غير شاعر.
قال: هل لك أن تسمعني إياها لأكون لك من الناصحين.

فأنشد الأعرابي:
إليكَ ابنَ عبد القيس أقبلتُ راغبًا
لتجبُرَ منّي ما وَهى وتبدَّدا
فلو كَانَ فِي الدُنْيَا من النّاس خالدٌ
لجُودٍ بمعروف لكنت مُخَلَّدا
فلا تَحْرِمَنِّي منك ما قَدْ رجوتُهُ
فيصبحَ وجهي كَالِحَ اللَّونِ أرْبَدا
فقال له خالد: إنه شعر طيب يمكن لك أن تقابل به الأمير.
وفي اليوم التالي وخالد في مجلسه أقبل الأعرابي، ولم يتعرف على خالد لاختلاف الملبس، ووجود الحرس، فقال له خالد: هل جئتنا بوصاية.
قال لا والله، ولكني قلت أبياتًا من الشعر إن أذنت أن أنشدها.
قال خالد: قل ولكن بشرط أن يكون الشعر لك غير مسروق.
فبدأ الإعرابي في الإنشاد، ولكنه ما إن أنشد البيت الأول حتى أسكته خالد وقال له: إيه يا أعرابي إنه شعر قديم أحفظه منذ طفولتي، وأكمله لك وأنشده البيتين الآخرين.
فأصيب الأعرابي بالإحباط، واكتنفه الخجل، وخرج ولم يتكلم.
فأوزع خالد لأحد خدمه، وكان ذكيًا أن يتعقب الأعرابي دون أن يشعر به، وأن يسمع تعليقه على الأمر، وأن يعيده إلى خالد، فخرج الخادم في إثر الإعرابي فسمعه يحادث نفسه بأبيات من الشعر يقول فيها:
أَلا فِي سبيل اللَّهِ ما كنتُ أَرْتَجِي
لديْهِ وما لاقَيْتُ من نَكَدِ الجَدِّ
دخلْتُ عَلَى بَحْرٍ يجودُ بمالِهِ
ويُعطي كثيرَ المالِ فِي طلب الحَمْدِ
فحالَفَني الجَدّ المشومُ لِشِقْوتِي
وقارنني نَحْسِي وفارَقَني سَعْدِي
فلو كَانَ لي رزقٌ لديه لَنِلْتُهُ
ولكنه أمرٌ من الواحد الفَرْدِ
فاستعاده الخادم إلى خالد الذي أمره بإنشاد الأبيات، ثم قال له كم تطلب.
قال: عشرة آلاف.
قال: أمرنا لك بها كطلبك، وبمثلها لما روعناك وقطعنا أملك، ولمثلها لمدحك إيانا على الغيب.
**محمد حسين الدَبَاء**

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى