من هنا بدأ التشظي الجنوبي

> عبدان دهيس

>
عبدان دهيس
عبدان دهيس
لا أظن أن ذاكرة الجنوبيين قد نسيت مأساة وبشاعة “الاحتراب الأخوي الدموي”، الذي جرى بين رفاق الكفاح والنضال السلاح، ثوار الجبهة القومية وثوار جبهة التحرير، قبيل الحصول على الاستقلال الوطني لدولة الجنوب من بريطانيا في 30 نوفمبر 1967م.. إذ كان كل فصيل من الفصيلين يريد أن يثبت أنه هو المتسيد في الساحة، للظفر بالنصر وباستحقاق الاستقلال، كان الاقتتال بينهما شديداً ومؤلماً ومحزناً، خاصة ذلك الذي جرى في دار سعد والمنصورة والشيخ عثمان بعدن، كانت الجثث تملأ الشوارع، والدماء تسيل في كل مكان، كان هذا بداية التآمر الخارجي من الداخل على الجنوب والجنوبيين، وبداية التشظي الجنوبي، الذي ـ للأسف - لم يستوعبه القادة الجنوبيون الأوائل، وما تلاه من تصفيات وتشريد الخصوم السياسيين، والاستئثار بالسلطة من قبل طرف دون الآخر، مروراً بما جرى لاحقاً، وعلى مدى عقدين ونيف من 1967م حتى 1990م، من محطات مؤلمة ومحزنة، تركت آثارا وشروخاً وجروحاً بالغة وغائرة في النفوس والقلوب، مازالت تجر نفسها حتى الآن على واقع المشهد السياسي الجنوبي، وعلى مستوى العلاقة بين القيادات، وفي الساحات أيضاً.
لقد عانى الجنوب بسبب هذا التشظي من متاعب وأعمال مضادة سياسية وغيرها، أنهكته كثيراً، وظل على هذا النحو البائس منذ الاستقلال حتى تحقيق ما يسمى بالوحدة، التي تمت في 22 مايو 1990م، بصورة سريعة، أشبه ما يكون بتجهيز “الوجبات السفري”، وما كان لهذه (الوحدة السفري) إلا أن انتهت عملياً، وعلى الواقع، منذ اجتياح الشمال للجنوب في 7 يوليو 1994م، وسيطرته على الأرض والثروة بالكامل، والتسريح القسري للكوادر المدنية والعسكرية والأمنية، وتدمير منشآته ومؤسساته، والاستحواذ عليها وعلى مواردها، لأن الجنوب دخل الوحدة ضعيفاً وخائرا ومشتت القوى، وفي حالة افتراق وخصومة وعداء مع نفسه، ومع من حوله، فكانت النتيجة أن التهمه الشمال بكل شراهة وسهولة.
الجنوبيون الآن أمام امتحان عسير وصعب للغاية، والمرحلة خطيرة، والأوراق مخلوطة، والمسميات والمكونات الجنوبية في تزايد، واللاعبون كُثر، وبعضهم من (العيار الثقيل)، والتشظي الجنوبي كل يوم في اتساع، وتقارب القيادات الجنوبية في الخارج وفي الداخل أيضاً ووحدة رؤاها لحل القضية الجنوبية بات أمراً ملحاً للغاية، ولا يقبل التأجيل أو التسويف أو التراخي.. فإذا أراد الجنوبيون أن يحققوا مشروعهم الوطني الحداثي المدني في استعادة الدولة الجنوبية، عليهم أن يتخلصوا أولاً من عقلية وثقافة (أنا وبعدي الطوفان)، ومن نزعة التأليب المناطقي والجهوي والقروي، ومن الأفكار الشمولية البائسة، وأن يثق كل منهم بالآخر، من دون تخوين أو اتهامات إفلاطونية، وأن ينفتحوا على بعضهم البعض، بعقلية الألفية الثالثة، وليس بعقلية الستينات، أثناء (الكفاح المسلح)، ولا السبعينات، أثناء (الحكم الشمولي)، وأن يؤسسوا - مشتركين ومجتمعين - لمفهوم جديد للتصالح والتسامح، يشمل القلوب والعقول والنفوس، وبما يحقق التوافق لكل أبناء الجنوب، ومكوناتهم السياسية - قديمها وجديدها - من 1967م، حتى اللحظة، يكون فاتحة خير وأمل لمستقبل الجنوب بأسره، وتحقيق حلم جميع أبنائه وأجياله الشابة، والأجيال القادمة أيضاً، وأن لاينتقص أي طرف من الطرف الآخر، أو يرفض رؤاه قبل أن يحاوره في الاختلاف وفي الاتفاق، حتى لا يتكرر ما حدث قبل تحقيق ما يسمى بالوحدة، حينما طرح الإخوة الجنوبيون المعارضون ـ الذين كانوا حينها في الخارج، وبالذات منهم من كانوا في الشمال على قيادة الحزب الاشتراكي اليمني آنذاك ـ رؤيتهم لبداية تصالح وتسامح بين جميع الجنوبيين (قيادات وقواعد)، ولكن للأسف رفضت هذه الرؤية والأطروحات، وجرى بعدها ما جرى، وكيف تهاوى الجنوب (أرضاً وإنساناً) ولسنا هنا بصدد التفاصيل، ونبش الجراح ومآسي الماضي.
على القادة الجنوبيين في الخارج، والمكونات الجنوبية في الداخل، أن يدركوا جيداً ـ وهم أصحاب تجارب طويلة - أن الفرصة التاريخية لا تتكرر، وأن يطوعوا تجاربهم وخبراتهم السياسية والنضالية لمصلحة شعبهم المقهور، ولمصلحة القضية الجنوبية، والبحث عن وسائل حلها، بأقل التكاليف.. فسياسة المحاور والانكفاءات على الذات لم تعد مجدية في مثل هذه الظروف، وباتت مكشوفة وفاضحة، واللاعبون الإقليميون والدوليون في الساحة كُثر، وأخطرهم (لاعبو الداخل).
لقد حان وقت العمل الجاد، فلن تأتي الحلول (على طبق من ذهب) أو بدعوة الوالدين، ويكفي الجنوبيين أنهم قد أضاعوا فرصاً كثيرة، أتت إلى أيديهم.. والحليم تكفيه الإشارة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى