نحو فهم مشترك صحيح للتوافق

> صالح شائف

>
صالح شائف
صالح شائف
طال البحث وكثرت التصورات والاجتهادات والرؤى المتعلقة بكيفية الوصول إلى صيغة وطنية مناسبة لوحدة فصائل ومكونات الحراك الجنوبي ومعها بقية القوى السياسية الجنوبية التي تنشد الخلاص لشعبنا من الوضع الذي يعيشه والانتصار لإرادته الوطنية الحرة، لكن مع الأسف ما سبق وحذرنا منه مرارا والمتمثل بخطورة تحويل الجهود المبذولة في سبيل توحيد المكونات والهيئات الوطنية الجنوبية في إطار كيان وطني عام قدر الإمكان، وتحت أي مسمى يتفق عليه إلى نوع من التنافس وتصفية الحسابات عند البعض، وهو ما يؤدي إلى التباعد بين مختلف الأطراف وحشد بعضها في مواجهة بعضها الآخر في تكتلات تبدو وكأنها الصيغة النهائية المكتملة لوحدة القوى والمكونات السياسية الجنوبية، وما على البقية إلا اللحاق بركب هذا التكتل الجديد أو ذاك.
وعمل من هذا النوع لا يساعد على حوار ناضج لبلوغ الهدف النهائي لشعبنا، بل وسيفتح الأبواب لمزيد من التعقيدات والصعوبات التي تمثل بمجملها تحديا تاريخيا أمام القوى والإرادة الجنوبية الجمعية فالحوارات المتعددة الأطراف والجهات حتى وإن كان يجمعها هدف واحد فلا ينبغي ولا من المنطقي أن تلتقي وتتحاور وتجمع على رؤية واحدة في نهاية المطاف قدمها هذا الطرف أو ذاك من المشاركين، فحوار كهذا يختزل الجميع في واحد، وبالتالي تسقط عنه صفة الحوار لأن (الواحد) لايحاور نفسه ولكنه مجبر للتفاعل والتفاهم مع غيره ومحاورتهم فيما هو مشترك بينهم في إطار هذه القضية المطروحة أو تلك من خلال البحث والنقاش لأفكارهم ورؤاهم للوصول إلى الصيغة المناسبة المشتركة التي يرتضيها ويتوافق عليها الجميع، وتصبح بعد ذلك ملزمة لكل من يوقع عليها وبعد أن قدم الكل ما عنده وتنازل بما يمكنه التنازل عنه خدمة للهدف المشترك، فالتنازلات المتبادلة أحد أهم شروط النجاح وإثبات النوايا الحسنة والرغبة الأكيدة في تطبيق ما اتفق عليه، أما من يدخل إلى دائرة الحوار وهو غير مستعد ولا في ذهنه ولا في قناعاته تقديم أي شكل من أشكال التنازل ويطلبه فقط من غيره فإنه في حالة كهذه لا يبحث إلا عن ذاته ومشروعه الخاص الذي لا يؤهله لأن يكون شريكا نديا في هكذا حوار.
وبالتالي فإن التوافق الوطني الجنوبي الذي نعنيه هنا ليس بتلك الصيغة التي يضعها البعض وفقا لرؤيته الخاصة، ومن ثم يطلب من البقية أن تتبناها وتبصم عليها ويقال بعدها نحن من يدعو لوحدة الصف، وغيرنا هم من يعرقلون، كما أن وحدة الجنوبيين لا يمكن لها أن تتم مع رؤى تتستحضر الماضي السياسي الخاص بأصحابها، وبغض النظر عن صحة وصواب هذا الماضي من عدمه فلسنا هنا في وارد محاكمته، وفي نفس الوقت فهم لا يملكون الحق في محاكمة ماضي غيرهم، فالتاريخ هو الشاهد وهو الحكم على الجميع، ولكن من المؤسف أن يجعل البعض منه عقبة أمام السير الموحد نحو المستقبل الذي ينبغي أن ينتصر له الجميع، أما الماضي فلا نستطيع تغييره أو حتى تعديله، وفقط نستطيع جميعا الاستفادة من دروسه وعبره.
فهل يفهم ويستوعب الباحثون عن الأدوار (الخاصة) خارج سياق التاريخ الذي لا يعترفون بوجوده في تجربتنا الوطنية الجنوبية، وأن أقروا بشيء من ذلك فهو الذي يخصهم ويتوقف عند أدوارهم فقط مهما كانت محدودة، ولا تحمل ذلك الوزن الذي يسوقونه للناس ويقنعون به أنفسهم، ويحاولون عبثا (صنع) تاريخهم الخاص بهم والمفصل على مقاسهم، كما قد ينظر إليه غيرهم، وهو مشروع سياسي بامتياز غير معيب لهم بالتأكيد بل ومن حقهم ذلك، ولكنه يدخلهم في إشكاليات كبيرة مع المشروع الوطني العام للجنوب والمتمثل باستعادة الدولة وعلى حدودها المعترف بها دوليا في ٣٠ نوفمبر ١٩٦٧م ومعها وبالتبعية والمنطق تستعاد السيادة والهوية والكيان الجنوبي المستقل الذي سيبنى بمشاركة الجميع، وسينهض مجددا على أكتاف كل أبنائه من النساء والرجال العاشقين للحرية والأوفياء للتاريخ، ولا يعني ذلك بأي حال من الأحوال استعادة النظام السياسي الذي كان قائما قبل مايو 1990م إطلاقا لأن الفرق واضح بينهما، ولا طائل من وراء خلط الأوراق في هذه المسألة.
إننا نأمل أن يفهموا ويستوعبوا ذلك جيدا وفي إطار مراجعة وطنية مسؤولة، فنحن جميعنا أبناء لهذا الوطن العزيز ولنا نفس الحقوق وعلينا كل الواجبات وعلى قدم الندية الوطنية، وغير ذلك فلن يكون مقبولا عند أي طرف ولا من أي طرف كان أو هكذا ينبغي أن يكون الأمر عند الجميع ليستقيم المنطق وتتسيد الوطنية الحقة على ما عداها.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى