> يا عامنا الآتي الجديد.. أُيها الآتي من خلف حجاب الشمس.. الطالع من وراء الأفق.. ماذا عساك أن تعدنا؟ وما الذي ستهديه لنا ولأمتنا الجريحة الموجوعة؟.. دمشق لم تعد دمشق، ودجلة والفرات لم تعد تتسع للأشلاء والجثث، وقد ملّت الأسماك أكل لحوم البشر بعد أن كان العراقي لا يشبع من لحوم الأسماك، ذبلت الزهور، وغادرت الطيور أوكارها، وعمَّت الشناعة والبشاعة والقبح، ولم يعد على وجه هذه الجغرافيا أي مؤشر أو ملمح من ملامح الجمال والمتعة.
طرابلس وصنعاء وسيناء كلها دماء ودخان ونار، أما عدن هذه الأم الرؤوم، فمنذ عشرين عاماً تدفع ضريبة إحساسها القومي، ومن علمتهم منذ نعومة أظفارهم حب الوطن والوحدة فقد تواروا تحت التراب بعد أن قتلتهم صنعاء وخلفت لأهلهم الغبن والأسى والألم المتواصل.
أرجوك ياعامنا الجديد دع لحظات الزمن متداخلة متواصلة متصلة بلا تفاصيل ولا تقاويم.. سمها إن شئت الانهيار أو الضياع البعيد أو التوحش أو ما شئت من هذه الظلمات المدلهمَّة - على حد تعبير فدوى طوقان.. خلاااااااص كنا نحتفل ونصفق ونفصل بين الأعوام، أما الآن فقد صار الزمن لحظة طويلة مكفهرّة، ومعها توحش الأعراب فصاروا ينحرون بعضهم بعضا فأمنت خرافهم ودجاجهم وصمت كل شيء وتكلمت البندقية وأصوات المدافع التي لم يكن للعرب في صناعتها دور أيضا، لكنهم أغبياء ومنفذون لما يرسمه لهم أسيادهم في واشنطن ولندن وباريس وكل عواصم العهر والدعارة السياسية والأخلاقية التي تتاجر بكرامة الشعوب.
نعم هم يصنّعون الأسلحة والعرب يجربونها، وهم يشرفون على هذه المسرحية فتكسب من كل الوجوه.. تضرب الإسلام بالإسلام، وتجد سوقًا لأسلحتها، ومن ثم تسيطر على الثروة فتصنع بجزء بسيط منها أسلحة جديدة تجربها على رؤوس أطفال ونساء العرب بثروات وغباء العرب وعبيد قصورهم.
خلاااااص كنا نغني وننشد مع فدوى طوقان مع إطلالة كل عام:
ما الذي تحمله
من أجلنا
ماذا لديك؟
أعطنا حبا
فالحب كنوز الخير .. فينا تتفجر
وأغانينا ستخضرّ على الحب وتزهر
كنا .. وكنا .. وكنا .. أما الآن فالنفوس كسيرة مترعة بالأسى، ومهجنا وأرواحنا عافت الحياة.. سقطت رؤوسنا على هذه الأرض أثناء الولادة وترعرعنا وكبرنا وطاولت آمالنا السماء وما لبثت أن سُلبت منا وتبخرت، فدعنا وحالنا يا عامنا الجديد، فلا وقت لدينا لغير الدموووووووع!!.
اذهب بعيداً عنا فإن كنت مصرّاً على تدوين شيء فدوِّن أسماء الضحايا في ليلة (كرسمسك) وأطفئ الشموع.