عذراً .. أيتها الأخت الوزيرة

> د. أسمهان العلس

>
د. أسمهان العلس
د. أسمهان العلس
في ردها على تصريح الأخت وزيرة الثقافة في موضوع مكتب الثقافة في عدن (واقع عشوائي موجع ومبنى آيل للسقوط) المنشور في عدد أمس (5915) قالت الأخت الدكتورة أسمهان العلس: “عذرا... أيتها الأخت الوزيرة الثقافة انعكاس للواقع الاقتصادي”.
قالت الأخت أروى عثمان وزيرة الثقافة تعقيبا على زيارتها لمكتب الثقافة في عدن: “مكتب الثقافة في عدن لا يمثل ثقافة هذه المدينة”، وفي لقاء آخر جمعنا بهذه الوزيرة في المكتبة الوطنية، قالت الوزيرة ذاتها إنها استغربت “من لقاء الموظفين لها في مكتب الثقافة”، وتساءلت وقتها في المكتبة الوطنية “هل هذه ثقافة القمندان وعدن وغيرهم...”.
وقد شاءت الصدفة أن أكون حاضرة لقاء الوزيرة بطاقم مكتب الثقافة، وذلك في سعينا - منظمات المجتمع المدني- للقائها من أجل حماية الموروث الثقافي لعدن، لكن للأسف الشديد استمعت وقرأت لكل ما صدر عن الأخت الوزيرة في هذا الجانب، وهي لم تكن موفقة في ذلك، فقد علمّنا الفكر العلمي الاشتراكي أن “الثقافة انعكاس للواقع الاقتصادي” وعلى امتداد مرحلتين تاريخيتين - مدة الإدارة البريطانية لعدن والنظام الوطني الديمقراطي - كانت الثقافة انعكاسا لواقع غني مشبع يحترم الإنسان.
فقد كانت وزارة الثقافة حينها في عدن منارا ثقافيا، ومنها كانت تخرج مهرجانات الرقص والغناء وفرقة الإنشاد، وتنظم معارض الكتاب المدعوم من الدولة، والتي مازالت مكتباتنا الخاصة تزخر بنسخ منها.
وكان للثقافة مبان لها قيمتها المادية والمعنوية، وكان لهذه الوزارة رؤيتها الثقافية ورسالتها وبرامجها في رعاية المبدعين من مختلف الأنشطة، والذين مازال إنتاجهم على تنوعاته زادا رئيسا لكل أجهزة القنوات اليمنية الرسمية والخاصة، لأن اليمن قد أصابها العقم الثقافي، فلم تبدع إلا ذلك الثراء الذي شهدته عدن.
عذرا أيتها الأخت الوزيرة... هؤلاء الذين قابلتهم في مكتب الثقافة في خورمكسر رجالاً ونساءً هم أبناء عدن الذين عاشوا مرحلة تاريخية مختلفة عمّا سبقها، إذ إنهم شهدوا مرحلة ما قبل الوحدة بملامحها الثقافية الغنية التي تحدثت عنها في سطوري السابقة، كما أنهم أشخاص سنوات الوحدة التي تستقيم سياستها الثقافية على قاعدة “جوّع كلبك يتبعك” المبنية في الأصل على عبارة الإمام يحيى لجنوده “سِرْ وادي حق الغداء”، تلك المرحلة التي نقلت الثقافة مما كانت عليه قبل 22 مايو 1990 لتستقر بها في المبنى الخاص بخورمكسر الذي زارته الوزيرة، فيما تمّلك أفراد آخرون مباني رسمية كانت ملكًا لدولة ما قبل الوحدة.
وأحاطت بهذا المكتب المطاعم والمخابز والأسواق من كل جانب، فلم تكن الثقافة في ظل الوحدة إلا تعبيرا دقيقًا للواقع السياسي الذي استهدف نهب عدن بكل مقوماتها - الإنسان والممتلكات - وهؤلاء الذين قابلتهم من أبناء عدن في مكتب الثقافة هم من أنهكتهم السياسة الإقصائية في ظل الوحدة، وبناء على ذلك أصبح لقاؤك موظفي مكتب الثقافة انعكاسا ثقافيا للمرحلة ذاتها التي عاشته عدن منذ 22 مايو 1990.
كنت أتوق أن يعقب لقاؤك بالموظفين لقاء آخر، للجلوس معهم في مكاتبهم، وتجدولين أمامهم كل مشكلاتهم الشخصية والرسمية، وترسمين معهم ملامح مرحلة مختلفة في سياستها وأشخاصها وآلياتها عن سابقتها، وتقتربين منهم باعتبارهم أصدق ملمح للمعاناة، مثلما عمل وزراء آخرون زملاء لك في الحكومة في زيارتهم إلى عدن.
لقد جاء أعضاء حكومة الكفاءات إلى عدن وهي تئن، والأنين لا يعطي إلا نواحا وصراخا، فقد خانك الإحساس بهذا الأنين، ولم تنتج معالجتك له إلا أوجاعا في النفوس، وجاء تصريحك حول مكتب الثقافة وأهله مثلما كان مقالك في ذات يوم على صفحتك الخاصة، والذي لم تغادر كلماته عقول أبناء الجنوب. لقد نكأ هذا الخطاب في القلوب جراحا لن تندمل.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى