فكر المقاومة الطفولي

> عياش علي محمد

>
عياش علي محمد
عياش علي محمد
الأستاذ مواهب وهو أستاذ يحمل الجنسية التركية، جاء مع الحملة التركية بقيادة الجنرال التركي (علي سعيد باشا) الذي احتل لحج عام 1915م.
وكان الأستاذ (مواهب) أول مدير للمدرسة المحسنية بلحج، يدير ستة صفوف دراسية في المدرسة، يساعده زميلان من نفس جنسيته التركية، ورغم أن الأستاذ مواهب غزير المعرفة العلمية إلا أن انحداره العسكري جعله يربط التعليم بالعقاب، فكان قاسيًا إلى أبعد حدود القسوة، فإذا تعرض أحد الطلاب لعقابه لا يشفى منه طيلة سنين طويلة، وإذا نظر بعينيه لأحد الطلاب المخطئين فإن نظراته تذيب الحجارة.
انتهز خمسة من طلاب المدرسة المحسنية فرصة عيد الفطر الذي يطلق عليه في لحج (بالعيد الصغير) حيث يقيم السلطان مأدبة كبرى لسكان الحوطة، يكونون في ضيافته في اليوم الأول من العيد، ثم كبار العقال والوجهاء والسادة في اليوم الثاني من العيد، وفي اليوم الثالث منه يكون مخصصا للعوائل الملكية.. حيث يقدم لهم السلطان وجبات الغذاء ومن بعدها المقيل ويحظون بالاستماع إلى أشهى الأغاني الجديدة التي تقدم في هذه المناسبات.
قدم الطلاب الخمسة شكوى منهم ضد الأستاذ (مواهب)، وطلبوا من السلطان العبدلي ترحيله إلى بلده تركيا، لكن السلطان أجابهم يا أولادي نحن اليوم بحاجه إلى تعليم الأستاذ مواهب، من أجل القضاء على الجهل في لحج، ولما يكون عندنا مواهب محلية متعلمة سأقوم أنا بنفسي بترحيله إلى بلده، ولكن الآن لحج بحاجة إلى تعليمه.
واختتم بقوله: “يا أولادي اصبروا وتحملوا هذا الأستاذ من أجل لحج.. خذوا علمه واتركوا عمله”.
لكن الأستاذ مواهب ظل يحمل عصا المارشالية التي لا تفارقه في سيره أو في منامه!!.. ولا يستطيع أن ينام إلا وعصاه تحت مخدته، ولا يدخل الصف إلا وهي وبيده، وحتى إذا تمشى في الإجازات لا يتمشى إلا والعصا معه.. إذ أصبحت العصا جزءًا من حياته.
وزادت شهية هذا الأستاذ عندما سمع أن السلطان يؤيده في طريقة تعامله مع الطلاب، فاشتدت قبضته أكثر وتمادى ليس على الطلاب فحسب بل وأيضا على الأساتذة الذين معه.
الطلاب الخمسة فكروا في طريقة للتخلص منه، فوزعوا المهام فيما بينهم، فواحد منهم يقوم بشخبطة سيارة المدير (الأستاذ مواهب) بالقطران، وكتابة عبارات عدائية ضده على جدار سيارته، والثاني يقوم بثقب عجلات سيارته، وعندما يقوم بإصلاحها تثقب مرة أخرى وهكذا دواليك.. وفي الليل يتجمع الطلاب الخمسة ويرمون شبابيك بيت المدير (مواهب) بـ (المزاريق)، حتى كره نفسه وكره العيشة في لحج، ومن ثم قرر الذهاب بنفسه إلى السلطان يستأذنه بالرحيل، فقد ضاقت به هذه الحياة، وما كان يطلق عليها من تسمية (فكر المقاومة الطفولي) الذي نشأ من جديد، مقلدة سوالفهم الذين حاربوا الأتراك حين دخلوا لحج واحتلوها عسكريًا، وكان الأستاذ مواهب أحد الضباط الذين استولوا على لحج وكوفئ بتعيينه مديرًا للمدرسة المحسنية.
وعندما اطلع السلطان العبدلي على رغبة الأستاذ مواهب في الرحيل إلى بلده، استلطفه بعبارات جميلة، وأثنى على مناقبه في التعليم، وشكره على خدمته التعليمية التي كانت أولى وثبة تثبها لحج في التعليم، وكافأه مكافأة حميدة.
وطلب السلطان من الأستاذ مواهب عدم مغادرة لحج إلا بعد الرجوع إلى الأستاذة الذين تخرجوا على يديه، لمعرفة فيما إذا كانت لحج قد حصدت مواهب متعلمة جديدة تسمح لها بالاستغناء عن الأستاذ مواهب، فجاء الرد للسلطان العبدلي بأن هناك أساتذة يعتمد عليهم في لحج كالأستاذ حسن أفندي والأستاذ عبدالله هادي سبيت، والأستاذ صالح دبا والأستاذ عبد اللطيف البان.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى