وأفظع منه أن تدري !

> عبدالقوي الأشول

>
عبدالقوي الأشول
عبدالقوي الأشول
فظيع جهل ما يجري
وأفظع منه أن تدري
وهل تدرين يا صنعا
من المستعمر السري
غزاة لا أشاهدهم
وسيف الغزو في صدري
فقد يأتون تبغا في
سجائر لونها يغري
وفي صدقات وحشي
يؤنسن وجهه الصخري
وفي أهداب أنثى
في مناديل الهوى القهري
وفي أقراص منع الحمل
وفي أنبوبة الحبر
(البردوني)
تلك نبوءات شاعرها العظيم المرحوم عبدالله البردوني .. بكل ما حملت من تعابير دالة على عمق مأساتها التي لايبدو أنها ستبرأ منها مع تقادم الأعوام والسنين.
صنعاء حزينة ويرتسم الحزن على محياها، وربما لم يمت في أحشائها العشق والطرب، وفق شاعرنا البردوني.
من منكم لديه قراءة شافية لحال صنعاء اليوم التي تغوص في ملكوت المجهول المطلق ولا تكشف عن طلاسم ما يعتمل في جوفها العليل، إليها يشيرون بشيء من الألم وفرط السخرية والضحك والبكاء لحال مدينة أعيت الدهر في مداواة جراحها العميقة، فكيف بها هي أن تنشر ما لا تملكه في الأرجاء والربوع المحيطة.. أليس يقال “فاقد الشيء لا يعطيه”؟، فهل باتت صنعاء فاقدة لكل مقوماتها كحاضرة تاريخية أثرية تمتلك مخزونا ضخما من الجمال والتناقضات الصارخة التي تتعايش ولا تتعايش على ربوعها منذ زمن بعيد.
هي في لحظة تغوص في أعماق مروعة لتبدو غير متصلة بالحاضر.. وفجأة تعاود مخاطبة اللحظة بشيء من الأمل، لكنها وفق الكثيرين أسيرة أغلال الماضي وبكل ما ينكشف في أرجائها.
إلى أين تمضي مدينة سام بن نوح، أعرق الحواضر التاريخية على الإطلاق، لا أحد يدري ولا هم يمتلكون جوابا لسؤال ربما حير الكثير قبلهم، هل عادت لتتحدث عن الغزو من الداخل، وفق مطلع قصيدة شاعرها (الضرير) أو هو المبصر الأول الذي تفخر بالانتماء له.
نعم.. فظاعة ما يجري صورة يمكنك أن تطالعها اليوم في حالة الخلط السياسي وفقدان البوصلة التي تهدي إلى محطات الوقوف أو الاستراحة.
وأفظع منه أن تدري أن ما هو قائم هو نتاج درجة قصوى من الاحتقان السياسي والمواربة والدهاء، وكل تلك العوامل التي ليس فيها أدنى حساب للعامة ممن يدفعون قيمة فاتورة الوضع المتداعي في بلد لا يحتمل ما هو أدنى من هذا الثقل الحديدي على كواهلها المثخنة بجراحات عقود خلت.
ليس في الأفق ما يشير إلى ضوء في نهاية النفق، لأن جيوش الغزو من الداخل باتت متعددة المشارب وبامتدادات تتجاوز جغرافية الزمان والمكان.
فعن أي الجيوش المنتصرة الظافرة يمكنك الحديث في ظل كل هذا الخليط البشري الذي يمور متحفزا بقوة السلاح لاجتثاث الآخر، ومن الآخر إذن؟.. إنها معادلة مريرة صعبة عصية على التفسير والفهم.
ربما تكمن في عمق مآساتها بأنها لا تحمل في طيها مشروع إنقاذ لأحد بل هي مشاريع إغراق.. وعليك الاختيار بين السيئ والأسوأ إذا أردت أن تكون جزءا من هذه الجيوش المتشظية التي تجوب صنعاء ماضية في غيها إلى ما لا نهاية.
متاريس ودشم ونقاط.. مفخخات بارود وسخام ونهارات ليس في طالعها فجر جديد، رغم أن الحالمين بفجرها ماضون في طريق حلمهم على ما فيه من خيالات بعيدة متجاوزة حقائق الواقع على الأرض.
مشهد صنعاء غامض وملتبس، تكشف عنه ليال ونهارات حزينة لمن يعيشون في جوفها كرهائن، وضع ما آن له أن ينجلي بعد.
- أيا صنعاء متى تأتين من تأبوتك العفن
- فظيع جهل ما يجري وأفظع منه أن تدري.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى