المجسمات واللوحات الفنية في اليمن.. بين الإهمال الحكومي والتحريم الديني

> تقرير/ إياد الوسماني

> تشكل اليمن لوحة فنية من الطراز الرائع في فنون عديدة أبرزها فن النحت، وحكت الآثار التي ما تزال باقية إلى اليوم الإبداع والتميز الذي وصل إليه الإنسان اليمني في هذا المجال ومجالات أخرى مماثلة منذ قرون من الزمن، غير أن هذه الفنون والتي تتجلى منها عراقة اليمن وحضارته الضاربة في عمق التاريخ الإنساني لم تحظ بأي اهتمام من قبل الجهات المتخصصة في وقتنا الحاضر، الأمر الذي جعلها عرضها للاندثار وإلغاء كثير منها من القائمة التراثية والحضارية للبلاد.
وأضحى المار في شوارع ومدن اليمن وفي مقدمتها صنعاء بغرض البحث عن مجسمات فيها تُعبر عن تاريخ اليمن العريق، كغيره من المدن والبلاد العربية التي تزخر بالكثير في هذا المجال، لا يجد ما يسره أمامه ويحكي ماضيا تليدا لحضارة زخرت في مجالات عدة تاريخياً، وثقافياً، وأدبياً، وغيرها الكثير.

«الأيام» قامت بجولة صحافية لاستطلاع هذا الإرث الفني في عدد من المناطق في صنعاء للتعرف عن كثب على أوضاعها وما آلت إليه في الوقت الحاضر، ومن أبرز هذه المعالم “باب اليمن” في صنعاء والذي يعتبر أحد المعالم الرئيسية في البلاد وأبرزها، حيث يتوافد السياح إليه.
وشملت جولة «الأيام» على المدن العتيقة بحثاً عن مجسمات لرموز المدينة فلم تجد منها شيئاً، ومن صنعاء القديمة إلى شوارع صنعاء الأخرى كانت جولتنا للبحث عن هذه المجسمات، وكان أول ما صدفنا بعد خروجنا من صنعاء القديمة هو النصب التذكاري التركي الذي أنشئ في بدايات العام 2011م والذي شهدت فيه اليمن تحولاً غير مسبوق في تاريخها المعاصر، يقول الأتراك أنهم افتتحوا هذا النصب تخليداً لذكرى الجنود الأتراك الذين فقدوا أرواحهم أثناء تأدية خدماتهم ضمن الفيلق السابع في اليمن، وبهذه العبارة تم تقديم النصب التذكاري، الذي أقيم أمام مبنى مجمع وزارة الدفاع، وشيّد النصب التذكاري التركي على شكل هرمي بُني من أحجار البلق التي اختيرت من مواقع نظيفة وشكلت بطريقة جميلة، بارتفاع 10.6 أمتار وبعمق 6 أمتار، ويوجد (استيل) صلب حول النصب التذكاري مع سلسلة من الفولاذ الخالص، وقد أثار إنشاء نصب تذكاري تركي في اليمن جدلاً كبيرا بين مؤيد ومعارض له.

وبعد أمتار من النصب التذكاري التركي يوجد ضريح الجندي المجهول في مقبرة الشهداء المصريين المجاورة لمقبرة خزيمة، وفي منطقة عَصِر المرتفعة والتي يتواجد فيها النصب التذكاري المصري الذي تم افتتاحه منتصف مايو من العام 2006م، ويُخلد النصب التذكاري الشهداء المصريين الذين استشهدوا أثناء الدفاع عن ثورة 26 سبتمبر إلى جانب اليمنيين، وبمسافة غير بعيدة من هنا ينتصب تذكار آخر وهو النصب التذكاري الصيني والمعروف بـ (القبر الصيني) والذي يخلد ذكرى العشرات من العمال والمهندسين الصينيين الذين قضوا على أرض اليمن وهم يؤدون واجبهم في إنشاء مشاريع البنية التحتية المقدمة من الصين.
**نصبٌ تذكارية**
«الأيام» واصلت استطلاعها متجهة نحو النصب التذكارية الموجودة في ميدان السبعين بصنعاء وبدأت بنصب (الجندي المجهول) في ميدان السبعين والذي يعتبر نصباً تذكارياً للجنود اليمنيين الذين ضحوا بحياتهم في سبيل انتصار ثورة الـ26 من ستبمبر 1962م، وبجانبه ينتصب نصب تذكاري آخر لجنود استشهدوا في ذات الميدان أثناء عرض عسكري تجريبي عشية الاحتفال بعيد الوحدة اليمنية في 21 مايو 2012م، حيث نفذت عملية انتحارية من قبل أحد إرهابيي عناصر تنظيم القاعدة، وافتتح النصب بعد عام على ارتكاب تلك الجريمة.
صورة مجسم الإيمان يمان
صورة مجسم الإيمان يمان

إن الهدف الرئيس من هذه الجولة الصحفية هو البحث عن المجسمات في صنعاء على الرغم من أن النصب التذكارية للجنود المجهولين أو للعمال المجهولين التي تنتشر في صنعاء هي الأخرى تعتبر تقليداً قديماً اتبعته بعض الدول الأوروبية وبعض دول الشرق بعد الحرب العالمية الأولى، وأصبحت ذات أهمية في أية مدينة في العالم باعتبارها ملامح وسمات خاصة للمدن في العصرالحديث.
وأخيراً وبعد جولة شاملة وجدنا مجسما واحدا وهو الأشهر في عصرنا الحاضر، المجسم كتب عليه عبارة (الإيمان يمان والحكمة يمانية)، المجسم هذا يمثل رمزا لثورة الشباب السلمية والتي أنهت حقبة حكم الرئيس السابق صالح، وفي منطقة الحصبة التي شهدت حروباً متقطعة بين الجنود ومسلحي القبائل خلال أحداث ثورة الشباب عام 2011م، ينتصب مجسم (الساعة) والذي تعرض جراءها إلى طلقات نارية أوقفت عقارب الساعة فيه، وفي الناحية الشمالية لصنعاء يقع مجسم (آية قرآنية) كتب فيه الآية القرآنية التي ذكرت الملكة سبأ، وفي جنوب صنعاء يوجد مجسم (المفكر) الذي افتتح بمناسبة احتفائية صنعاء عاصمة للثقافة العربية عام 2004م.
هذه المجسمات التي تم حصرها في صنعاء فقدت، وهو ما يتوجب على وزارة السياحة والثقافة والسلطات المحلية في المحافظات، وكذا المراكز الثقافية والوكالات السياحية ضرورة تزيين المدن بأكبر عدد من المجسمات وذلك لكونها معالم مهمة في صناعة السياحة.

وتنقسم هذه المجسمات إلى أرضية وجدارية، وعادة ما يستخدم النحت في إنشائها، وقد ركز علماء الآثار في دراساتهم للتماثيل القديمة على الطرق والأساليب الفنية التي استخدمها الصناع في صناعة التماثيل، باعتبارها أحد أهم المعايير في قياس تطور الفنون وتحديد طبيعة الصلات التي كانت قائمة بين مجتمعات العالم القديم، وخلال دراستهم للأساليب الفنية كانوا يضعون في الاعتبار معرفة مهارات الصناع والتقنيات التي استخدموها في صناعة التماثيل، كونها تلقي كثيراً من الضوء على الأحوال الاجتماعية والاقتصادية والدينية التي كانت شائعة، علماً أن دراسة صناعة التماثيل لهذه الفترة لا تنتهي عند تحديد خصائصها ومميزاتها، بل تمتد لتشمل توضيح تلك الخصائص والمميزات كخطوة أساسية نحو تحديد مكان ومراحل النمو والتطور.
واليمن في الماضي لم تدخل ضمن استراتيجيات علماء آثار الشرق الأدنى القديم، ولهذا فإن نتائج الأعمال الأثرية التي نفذها بعض من علماء الآثار والمؤسسات العلمية ذات الاهتمام بآثار وحضارة اليمن القديم جاءت منقوصة وغير قادرة على تحديد خصائص ومميزات الفنون اليمنية القديمة، خصوصاً فن النحت ولم تحاول حتى رسم خطوط عريضة تساعد في تتبع مراحل نشوئها وتطورها، ورغم اعترافهم بأن التماثيل اليمنية التي قاموا بدراستها صنعها فنانون يمنيون لكنهم متمسكون برأيهم القديم المستمر بأن الفكرة والموضوعات التي تجسدها التماثيل اليمنية مستعارة.
**أسباب غياب المجسمات**
يرجع عدم وجود المجسمات في شوارع مدن اليمن إلى الجانب الديني، حيث يعتبر رجال الدين بأن هذه المجسمات الجمالية تعتبر نوعاً من الأصنام التي حرم تواجدها الدين الإسلامي.
وتنتشر هذه المجسمات في دول إسلامية وعربية كثيرة ومنها دول خليجية ولم تعتبرها دليلاً للعودة إلى عبادة الأصنام، وهو ما يدل على أن رفض هذه المجسمات في البلاد يعتبر ثقافة سائدة في المجتمع كونه يدار من قبل نخب قبلية في ثقافتها.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى