تعز.. الشرارة الثانية

> محمد اللطيفي

>
محمد اللطيفي
محمد اللطيفي
عندما تغفو تنام معها اليمن، وعندما تستيقظ لا تدع محافظةً تنام، تلك هي تعز، لا تنام إلا لتصحو، ولا تصحو إلا لجللٍ وخطرٍ أعظم، تكتب في فجرِ صحوتها تاريخها الخاص بها: مدنية، مواطنة، سلمية، تعايش. أشعلت شرارة فبراير 2011م ضد صالح، وها هي تشعل شرارة يناير 2015 ضد الحوثي.
ما بين التاريخين مرّ اليمن بأفظع خيانة عرفها في تاريخه، اجتمع العالم كله لتوقيع خيانة تاريخية سُميّت بالمبادرة الخليجية، وعاشت اليمن مسرحية عالمية اسمها قرارات مجلس الأمن، ظهر جليّاً أن هذا المجلس أسد على من يخاف قراراته، ونعامة على من يستأسد عليه، أنتجت المبادرة حواراً سمي بالوطني، مرّ من خلاله الحوثي، بسرعة “الدفاع عن النفس، ومكافحة الدواعش”، إلى مربع السياسة، ليستحوذ تحت ظلالها وزيف شعاره على كامل سلطة ونصف بلد.
لتعز روحٌ نبيلةٌ ومتمردة في آن، إنها مدينة المتناقضات، وهي كذلك لأنها تؤمن بالتعايش، لكن إيمانها بالتعايش لا يعني قبولها بالعبودية، وعلى مرّ تاريخها سكَنت في ترابها، كلّ الملل والمذاهب وكلّ التيارات الأيدلوجية والسياسية، واحتضنت الجميع (الإصلاحيين والسلفيين والمؤتمريين والاشتراكيين والناصريين.. وأخيراً الحوثيين)، ولكنها لم تسمح لأحدٍ ما أن يتحكّم بها أو يغيّر هويتها المدنيّة، قامت بالثورة وغفرت أخطاءها، وتحملت صلّف الثورة المضادة، تُجيد الكفاح المسلح لكنها تنتهج السلمية كخيار حتمي للتعايش.
لماذا انتفضت تعز ضد الحوثي؟ ولماذا تهتف ضده؟ ليس بينها وبين جماعته ثأر مناطقي، فهي ليست مناطقية، لا تكره عقيدته، فلطالما احتضنت حتى اليهود الذين هجرهم وقبلت بالسلفيين الذين شرّدهم، لم يفهم الحوثي تعز، وتلك مشكلته، سمحت له بالتحرك الحر بفكره في أروقة مدينتها، لكنه حاول مراراّ وتكراراً أن يتحكّم بحركة سيرها الرسمي، ويغيّر نمط سلمها الاجتماعي.
ظلّ شباب تعز بكل نبلهم بعد 21 سبتمبر 2014م يهتفون ضد المليشيات المسلحة، حتى بدون أن يذكروا اسم الحوثي، لكنهم بعد قيام سلطة المليشيا بجريمة الانقلاب التي ابتدأت بالاعتداء على أعلى مؤسسة سيادية (الرئاسة)، وانتهت باستقالة الرئيس احتجاجاً على محاولة الحوثي استكمال حوثنة السلطة عندها خرجت تعز لتهتف: “لا للملكية، لا للانقلاب، لا للرجعية”.
لتعز حساسيتها مع الهوية الوطنية، هذا كلّ ما في الأمر، أسقطت صالح من رأس السلطة، لأنه عبث بتلك الهوية، رغم أنه ترعرع في عزها، وهي تستعد الآن لإسقاط الحوثي لذات السبب، رغم أنها أول محافظة بعد ثورة فبراير سمحت له بممارسة نشاطه السياسي والفكري بحرية وحماية، وحالياً تشعر تعز أن الجماعة التي دمّرت نصف اليمن باسم السلم، وابتلعت كلّ شيء باسم الشراكة، وباسم مكافحة الفساد أهانت كرامة كلّ يمني، عندما اعتدت على هادي كرمز سيادي للدولة، تشعر تعز أن الحوثي ليس خطراً فقط على هوية الدولة بل وعلى هوية المجتمع، وليست خطراً فقط على حاضر اليمن بل وعلى مستقبله.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى