> أحمد بان
هل لايزال اليمن سعيدا وما زالت الحكمة يمانية؟ تجيبنا التطورات السياسية الأخيرة في اليمن الحبيب بغير ذلك، البلد الذي ظل طوال العقود السابقة يحكم بتحالف ثلاثي غير مكتوب بين علي عبدالله صالح وحزبه وتركيبته القبلية المعقدة من جهة، واللواء علي محسن الأحمر قائد الجيش، الذي ظل يحتفظ بأهم أسلحة وقوة الجيش بيده من جهة أخرى، ثم الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر شيخ قبيلة حاشد ومؤسس حزب التجمع اليمني للإصلاح، الذي ضم بشكل أساسي الإخوان المسلمين في اليمن.
كرست تلك التركيبة التي هي نتاج توازنات إقليمية ودولية، ما بين حرص أمريكا على بقاء علي عبدالله صالح، الذي قدم نفسه للأمريكان باعتباره الأقدر على مواجهة تنظيم القاعدة، الذي تعاظم نفوذه في اليمن حتى أصبح فرعه هناك من أكثر الفروع تهديدا لمصالح الولايات المتحدة الأمريكية، حيث افتتح العمليات التي استهدفت المصالح الأمريكية مع تفجير المدمرة كول فى العام 2000 قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر، بما أكد مركزية هذا الفرع في كل العمليات، التى استهدفت الغرب ومصالحه عموما، كذلك مثل حكم علي عبدالله صالح للسعودية بديلا آمنًا يحول دون صعود الحوثيين المدعومين إيرانيا، الذين ظلوا يحاولون إنتاج صيغة قريبة من صيغة حزب الله رغم اختلاف السياق السياسي والاجتماعي والإقليمي.
لم تنجح تلك التركيبة بالمرور بالدولة اليمينية من ربقة التخلف التنموي الذي احتفظ لها بالمركز 164 من ضمن 182 دولة فى مؤشر تقرير الشفافية الدولية لعام 2011، كما أكد حضورها ضمن الدول الفاشلة، حيث احتلت المرتبة 13 في مقياس الدول الفاشلة، بما انعكس على كافة مناحي الحياة في دولة ظلت تعاني الفساد وسوء توزيع الدخل والتنمية بين أقاليمها المختلفة، بالذات الجنوب بالشكل الذى خلق أوضاعا دفعت اليمنيين إلى الثورة، وتصاعدت ضغوط الشباب ولم تفلح كل محاولات صالح الالتفاف على الثورة وساهم فقدانه لورقة القبائل التي اعتمد عليها في حكمه في رضوخه بالنهاية للمبادرة الخليجية، التي استهدفت إخراجه بشكل آمن ومبرمج يعيد تسكينه في اللعبة السياسية من جديد، حيث بقي رئيسا لحزب المؤتمر آمنًا من الملاحقة وتدحرجت الأمور باتجاه انتخاب رئيس انتقالي جديد، هو عبدربه منصور هادي، الرجل الذى اتهمه بعض خصومه بأنه لم يكن سوى سياسي باهت، ينوب عن صالح في افتتاح بعض المشروعات.
وللحقيقة الرجل ظلم في تجربته، حيث يعتقد البعض أنه لم يتسلم من الدولة اليمنية سوى العلم، بينما بقيت كل أوراق الدولة بعيدة عن يده، حيث يبقى القرار السياسي لأي رئيس ترجمة أمينة لقدراته الميدانية على الأرض، ومدى قدرته على تحريك مؤسسات الحكم، التي ظلت في حالة عبدربه بعيدة عن سلطته، بفعل الضغوط التى مارستها حركة أنصار الله الحوثيين من جهة، وبفعل أجندة علي عبدالله صالح، التى اقتضت الاحتفاظ بولاء قوات الجيش ورقة في لعبته للعودة للحكم عبر ابنه أحمد، حيث يبدو أنه لم يتخل بعد عن حلمه في توريثه حكم اليمن.
يعزو البعض سقوط هادى لتخليه عن حلفائه من حزب الإصلاح ورضوخه لمطالب الحوثيين، الذين كانت خطتهم تقضي ببقائه حتى يعين نائبا حوثيا يحكمون اليمن من خلاله، أو من خلال مجلس عسكري فضلوا ألا يكون الصيغة الأولى للحل خوفا ربما من حليفهم علي عبدالله صالح، الذي بدا التحالف بينه وبينهم مجرد تحالف تكتيكي أقرب إلى توظيف متبادل يسعى فيه كل طرف لمصالحه الخاصة، بما يعزز فرص الصدام القادم بينهما على غنيمة حكم اليمن، الذي سقط فعليا فى فراغ سلطة وفوضى تبدو ملامحها في رفض البرلمان استقالة هادي، حيث لا يريد البرلمان أن يبدو كما لو كان ينتظر تلك الخطوة، بالشكل الذي يجعل مطالب تولي رئيسه رئاسة الدولة بشكل مؤقت وفقا للدستور مطلبا شعبيا لإنقاذ الدولة من الفراغ الدستوري، بما يمهد لصالح أن يكتب مع حزبه السيناريو القادم لليمن، الذي سيحدد فصوله في تقديري طبيعة العلاقة بين الحوثيين وصالح من جهة، والقاعدة التي تمثل أجواء الفوضى السياسية أفضل البيئات لصعودها خصوصا مع تقارير تقول إنها سيطرت بالفعل على ثلاث محافظات بجنوب ووسط البلاد.
ويزيد الأمر تعقيدا أحاديث عن وجود داعش في اليمن، بما يفتح الباب مع تعدد اللاعبين وتنوع وتضارب الأجندات، إلى حرب أهلية مفتوحة بين كل الأطراف، حيث لم يعد مصير اليمن مرتبطا بالساسة، الذين يقرؤون الواقع المحلي والإقليمي والدولي ويستدعون تراث الحكمة والتوافق، الذي جعل اليمن يوما سعيدا وحكيما، بل ما يكتب المستقبل ربما سلاح القاعدة والقبائل داخليا، وإيران والسعودية خارجيا في هذا البلد ذي الأغلبية السنية الشافعية التي تصل إلى سبعين بالمائة لكنها متشظية قبليا وجغرافيا، مقارنة بأقلية زيدية يقال إنها تحولت إلى الجارودية الأقرب إلى ولاية الفقيه فى المذهب الاثني عشري. يتعقد الأمر كل ساعة في اليمن حتى أن أربعا من محافظات الجنوب أعلنت تشكيل كيان سياسي جديد وتنسيقية لإدارة أمورها، مؤكدة رفضها تلقي أي أوامر أو تعليمات من العاصمة صنعاء.
أطلق احتلال الحوثيين لقصر الحكم وإجبار هادي على الاستقالة هو ورئيس حكومته الفوضى من عقالها فى اليمن، وأتصور أن فرص عودته إلى اليمن الذى كنا نعرفه بعيدة، بالشكل الذي قد يجعل عودته سعيدا بعيدة بعدما غادرت الحكمة ولم يبق سوى صوت السلاح.
**عن (اليوم السابع)**
كرست تلك التركيبة التي هي نتاج توازنات إقليمية ودولية، ما بين حرص أمريكا على بقاء علي عبدالله صالح، الذي قدم نفسه للأمريكان باعتباره الأقدر على مواجهة تنظيم القاعدة، الذي تعاظم نفوذه في اليمن حتى أصبح فرعه هناك من أكثر الفروع تهديدا لمصالح الولايات المتحدة الأمريكية، حيث افتتح العمليات التي استهدفت المصالح الأمريكية مع تفجير المدمرة كول فى العام 2000 قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر، بما أكد مركزية هذا الفرع في كل العمليات، التى استهدفت الغرب ومصالحه عموما، كذلك مثل حكم علي عبدالله صالح للسعودية بديلا آمنًا يحول دون صعود الحوثيين المدعومين إيرانيا، الذين ظلوا يحاولون إنتاج صيغة قريبة من صيغة حزب الله رغم اختلاف السياق السياسي والاجتماعي والإقليمي.
لم تنجح تلك التركيبة بالمرور بالدولة اليمينية من ربقة التخلف التنموي الذي احتفظ لها بالمركز 164 من ضمن 182 دولة فى مؤشر تقرير الشفافية الدولية لعام 2011، كما أكد حضورها ضمن الدول الفاشلة، حيث احتلت المرتبة 13 في مقياس الدول الفاشلة، بما انعكس على كافة مناحي الحياة في دولة ظلت تعاني الفساد وسوء توزيع الدخل والتنمية بين أقاليمها المختلفة، بالذات الجنوب بالشكل الذى خلق أوضاعا دفعت اليمنيين إلى الثورة، وتصاعدت ضغوط الشباب ولم تفلح كل محاولات صالح الالتفاف على الثورة وساهم فقدانه لورقة القبائل التي اعتمد عليها في حكمه في رضوخه بالنهاية للمبادرة الخليجية، التي استهدفت إخراجه بشكل آمن ومبرمج يعيد تسكينه في اللعبة السياسية من جديد، حيث بقي رئيسا لحزب المؤتمر آمنًا من الملاحقة وتدحرجت الأمور باتجاه انتخاب رئيس انتقالي جديد، هو عبدربه منصور هادي، الرجل الذى اتهمه بعض خصومه بأنه لم يكن سوى سياسي باهت، ينوب عن صالح في افتتاح بعض المشروعات.
وللحقيقة الرجل ظلم في تجربته، حيث يعتقد البعض أنه لم يتسلم من الدولة اليمنية سوى العلم، بينما بقيت كل أوراق الدولة بعيدة عن يده، حيث يبقى القرار السياسي لأي رئيس ترجمة أمينة لقدراته الميدانية على الأرض، ومدى قدرته على تحريك مؤسسات الحكم، التي ظلت في حالة عبدربه بعيدة عن سلطته، بفعل الضغوط التى مارستها حركة أنصار الله الحوثيين من جهة، وبفعل أجندة علي عبدالله صالح، التى اقتضت الاحتفاظ بولاء قوات الجيش ورقة في لعبته للعودة للحكم عبر ابنه أحمد، حيث يبدو أنه لم يتخل بعد عن حلمه في توريثه حكم اليمن.
يعزو البعض سقوط هادى لتخليه عن حلفائه من حزب الإصلاح ورضوخه لمطالب الحوثيين، الذين كانت خطتهم تقضي ببقائه حتى يعين نائبا حوثيا يحكمون اليمن من خلاله، أو من خلال مجلس عسكري فضلوا ألا يكون الصيغة الأولى للحل خوفا ربما من حليفهم علي عبدالله صالح، الذي بدا التحالف بينه وبينهم مجرد تحالف تكتيكي أقرب إلى توظيف متبادل يسعى فيه كل طرف لمصالحه الخاصة، بما يعزز فرص الصدام القادم بينهما على غنيمة حكم اليمن، الذي سقط فعليا فى فراغ سلطة وفوضى تبدو ملامحها في رفض البرلمان استقالة هادي، حيث لا يريد البرلمان أن يبدو كما لو كان ينتظر تلك الخطوة، بالشكل الذي يجعل مطالب تولي رئيسه رئاسة الدولة بشكل مؤقت وفقا للدستور مطلبا شعبيا لإنقاذ الدولة من الفراغ الدستوري، بما يمهد لصالح أن يكتب مع حزبه السيناريو القادم لليمن، الذي سيحدد فصوله في تقديري طبيعة العلاقة بين الحوثيين وصالح من جهة، والقاعدة التي تمثل أجواء الفوضى السياسية أفضل البيئات لصعودها خصوصا مع تقارير تقول إنها سيطرت بالفعل على ثلاث محافظات بجنوب ووسط البلاد.
ويزيد الأمر تعقيدا أحاديث عن وجود داعش في اليمن، بما يفتح الباب مع تعدد اللاعبين وتنوع وتضارب الأجندات، إلى حرب أهلية مفتوحة بين كل الأطراف، حيث لم يعد مصير اليمن مرتبطا بالساسة، الذين يقرؤون الواقع المحلي والإقليمي والدولي ويستدعون تراث الحكمة والتوافق، الذي جعل اليمن يوما سعيدا وحكيما، بل ما يكتب المستقبل ربما سلاح القاعدة والقبائل داخليا، وإيران والسعودية خارجيا في هذا البلد ذي الأغلبية السنية الشافعية التي تصل إلى سبعين بالمائة لكنها متشظية قبليا وجغرافيا، مقارنة بأقلية زيدية يقال إنها تحولت إلى الجارودية الأقرب إلى ولاية الفقيه فى المذهب الاثني عشري. يتعقد الأمر كل ساعة في اليمن حتى أن أربعا من محافظات الجنوب أعلنت تشكيل كيان سياسي جديد وتنسيقية لإدارة أمورها، مؤكدة رفضها تلقي أي أوامر أو تعليمات من العاصمة صنعاء.
أطلق احتلال الحوثيين لقصر الحكم وإجبار هادي على الاستقالة هو ورئيس حكومته الفوضى من عقالها فى اليمن، وأتصور أن فرص عودته إلى اليمن الذى كنا نعرفه بعيدة، بالشكل الذي قد يجعل عودته سعيدا بعيدة بعدما غادرت الحكمة ولم يبق سوى صوت السلاح.
**عن (اليوم السابع)**