توظيف اليمن ضد أشقائه

>
ياسين التميمي
ياسين التميمي

تبنى الحوثيون منذ نشأة حركتهم المصممة برؤية الحرس الثوري والمخابرات الإيرانيين سياسة مناهضة للمملكة العربية السعودية، يتم من خلالها تحقيق أهدافٍ متعددة بعضها لحساب إيران، وعقيدتها الشيعية ونظرية المهدي المنتظر، والأخرى لحساب مشروع إعادة إحياء الإمامة، التي واجهت على مدى خمسة عقود صعوبة في إعادة إحياء نفسها في بيئة لم تعد زيدية كم ا كانت قبل عام 1962.
لطالما وجَّه الحوثيون بصفتهم أنموذجا للتيار الزيدي الجارودي المتشدد سهام الاتهام للوهابية وللإصلاح في تآكل المذهب الزيدي، ونسوا تماما أن ثورة الـ26 من سبتمبر 1962 قد مثلت فاصلاً زمنياً بين الإمامة والجمهورية لا يمكن محوه أو تجاوزه أو إخفاء ملامحه، وأنها كانت خاتمة لعهد ثقيل من التخلف والتسلط والظلم لم يعد اليمنيون قادرين على احتماله.
ولعل محاولة الحوثيين مزاحمة ثورة الـ26 من سبتمبر بمناسبة “ثورية” من صناعتهم في الشهر ذاته لا تعبر سوى عن الحقد الكامن في الصدور ضد إرادة اليمنيين في الحرية والانعتاق، تماماً كما تعبر عنها الثورة اليمنية الخالدة من 26 سبتمبر 1962 حتى 11 فبراير 2011.
لم يكن للجماعة الحوثية المسلحة أن تصل إلى صنعاء وتحتل مؤسسات الدولة فيها لو لم تتآزر النوايا السيئة الداخلية والخارجية لتحقيق هدف سخيف وساذج ومغامر، ومع ذلك تصر هذه الجماعة على أن تتصرف بمنطق الدولة الغاشمة حتى قبل أن تنشئ مؤسساتها، إلى حد أن المنشآت الوحيدة الجاهزة للعمل والتي استولت عليها خلال الفترة الماضية هي السجون والمعتقلات.
لقد وضعت هذه المليشيا الطائفية المسلحة نفسها في مواجهة شعب يمني يتمتع بالوعي، حتى وإن استطاعت بمساعدة الرئيس المخلوع أن تستقطب بعض الشباب العاطلين وأنصاف الأميين إلى صفوفها، وأن تستعين بالجيش والأمن الخاضعين لنفوذ صالح، لينخرط الجميع في مهام قتالية تحصد العشرات منهم كل أسبوع في مناطق مختلفة من البلاد. ولم تكتف بذلك، بل إنها بدأت منذ لحظة دخولها صنعاء تؤكد أنها رأس حربة ضد دولة جارة مثل المملكة العربية السعودية، وأن تضع نفسها بيد اللاعب الفارسي، الذي يدير حربا قذرة في كل من العراق وسورية، ويساهم في حصد المئات من البشر في هذين البلدين من أجل تحقيق هدف واحد، وهو تأسيس هيمنته الطائفية في المنطقة.
ولعلنا نتذكر التصريح الذي سربه أحد الناطقين باسم هذه المليشيا في ثاني أيام غزوة صنعاء عندما تحدث عن مساع سعودية للقاء بمسئولين من المليشيا، ولكن المليشيا تتريث عن اتخاذ خطوة كهذه في هذا الوقت.. كانت تلك الإيماءة كافية لتوضح أن اليمن مقبل على حالة من الارتهان غير المقبول لدولة فارس الطائفية، التي سارعت من جهتها إلى الإعلان عن سقوط عاصمة عربية رابعة في نفوذها. المليشيا الحوثية المسلحة تخضع لقيادات متعصبة ومتشنجة وتعتقد أنها تحصد ثمار النصر الإلهي على الأعداء في الداخل والخارج، وليس ثمرة الظروف الموضوعية المواتية التي يبدو الآن أنها تنحسر لتسفر عن وضع صعب ستعيشه المليشيا المسلحة خلال الأيام القليلة القادمة، وها هي بالفعل تدخل من الآن في عزلة داخلية وعزلة إقليمية ودولية، ستؤثر بشكل سيئ على اليمن واليمنيين.
خلال الفترة الماضية كانت المملكة العربية السعودية هي أكبر مانح خارجي لليمن، وما تزال مشاريع كبيرة تنفذ بتمويل ومنح الصندوق السعودي للتنمية، لكنها تشعر مقابل كل ما قدمته لليمن بأنها لا تحصد سوى الحقد والعداء المجاني من طرف طائفي متعصب لا يقدر عواقب الأمور ولا يهمه المصالح الإستراتيجية لبلده، ومشكلته أنه يتحكم بمصير الدولة الآن.
ويكفي اليوم أن تسحب أمريكا والمملكة العربية السعودية بعثتيهما الدبلوماسيتين لتبدأ المصاعب الجمة أمام هذه العصابة، والمصاعب سيكون مصدرها اختفاء مصدر الدعم والتمويل، وليس أي شيء آخر.. وحينها لا يمكن لهذا المليشيا أن تغني اليمنيين بالشعارات عن احتياجاتهم الأساسية.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى