صناعة الطائفية في اليمن

>
بدر الإبراهيم
بدر الإبراهيم

يعيش اليمن فصلاً جديداً من فصول الصراع الأهلي، قد يكون الأخطر، الدولة في اليمن نموذج لهشاشة الدولة العربية، وفشلها في بناء هوية وطنية جامعة.
بعد الثورة عام 2011، تكرست صورة الانقسامات الأهلية، وهي لم تكن غائبة عن المشهد اليمني، غير أن صعود العامل المذهبي ضمن المعادلة، وتحوله إلى العامل الأبرز في الصراع، هو ما يجعل الخطورة تتصاعد.
شهد اليمن توترات ناجمة عن تنازع هويات فرعية مختلفة، فاليمن يحوي هويات فرعية متعددة ومتشابكة، أي أنها قد تتداخل مع بعضها، إذ تتداخل، مثلاً، الهويات المذهبية مع المناطقية والقبلية. لم يقم نظام الرئيس علي عبدالله صالح مؤسسات حديثة، ويبني دولة تستوعب المواطنين، لكنه اعتمد على الولاءات القبلية في تدعيم حكمه، وأدار التناقضات بين الهويات الفرعية لضمان استمرار هذا الحكم، وهو بلعبه بالنار، عزز حضور هذه الهويات الفرعية في المشهد السياسي اليمني، خصوصاً وأنه اعتمد على قبيلة حاشد في تقوية نظامه، ولولا اعتماده، لاحقاً، على عصبية “سنحان” داخل حاشد، ثم على أسرته داخل “سنحان”، لربما لم يكن موقف مشايخ حاشد مضاداً له وقت الثورة.
عزز نفوذ حاشد من استنفار قبيلة بكيل، وهي اتخذت موقفاً مؤيداً لتحرك الحوثيين في سبتمبر العام الماضي، كما أن هويات فرعية أخرى تُظهِر تضادها، بالإضافة إلى الهوية القبلية، إذ تحضر التقسيمات الجهوية والمناطقية أيضاً، ولا يقتصر الأمر على تقسيم (شمال/جنوب) بين شطري اليمن، بل يتعداها إلى تقسيم (أعلى/ أسفل) داخل “اليمن الشمالي”، وهو يحمل، في طياته، تقسيماً مذهبياً بين المذهبين السائدين تاريخياً في اليمن: الزيدي والشافعي.
تاريخياً، لم يكن هناك تضاد واضح بين أتباع المذهبين، الزيدي والشافعي، وعلى الرغم من أن حكم الإمامة في اليمن استند إلى المذهب الزيدي، ما أوجد شعوراً مضاداً له في أوساط الشوافع، وجعلهم، بحسب بعض المؤرخين، يفضلون الحكم العثماني، إلا أنه لم يحصل توتر سياسي واضح على خلفية الانتماءات المذهبية، وعلى الرغم من أن عهد الجمهورية شهد تنصيب أتباع المذهب الزيدي على الدوام، في منصب رئاسة الجمهورية (باستثناء الرئيس عبدربه منصور هادي)، غير أن هذا لم يكن معبراً عن سلطة زيدية، بل إن الرئيس صالح نفسه هو من بدأ في استنفار الهويات المذهبية بشكل فاقع، بدعمه السلفيين في صعدة.
دعم نظام علي عبدالله صالح نشاط السلفيين في صعدة، وخصوصاً الشيخ مقبل الوادعي، الذي أسس، في مطلع الثمانينيات، دار الحديث في دماج في محافظة صعدة، المحسوبة، تاريخياً، على أتباع المذهب الزيدي. ومن هنا، بدأ شعور زيدي بالخوف من محاولةٍ سلفية مدعومة حكومياً، لطمس الهوية الزيدية، وترافق هذا الأمر مع حالة التهميش الاقتصادي لهذه المحافظة، ونتج عن ذلك ظهور كتابات بدر الدين الحوثي، في الرد على مقبل الوادعي، ثم ظهور الحركة الحوثية في التسعينيات، لإقامة نشاطات مضادة للنشاط السلفي، وتطور الأمر إلى الاشتباك مع الحكومة اليمنية، وخوض ست جولات عسكرية بين عامي 2004 - 2009، أسفرت عن تقوية موقع الحوثيين في المشهد اليمني.
شارك الحوثيون في ثورة فبراير 2011، لكنهم تمددوا، بعد ذلك، بواسطة العمل العسكري، وبعيداً عن الرواية الإخوانية التي تبكي نفوذاً ضائعاً داخل النظام السياسي، نتج عن تحالف آل الأحمر مع علي عبدالله صالح فترات طويلة قبل اختلافهما، وتصنع من آل الأحمر، وعلي محسن الأحمر، أبطالاً ثوريين، فيما هم جزء من المنظومة الفاسدة القديمة، فإن الحوثيين جاءوا من خارج بنية النظام، ليثوروا على من كانوا جزءاً منه، لكنهم تحالفوا مع خصمهم السابق، علي عبدالله صالح، وعززوا حضور الهوية المذهبية في السياسة، وهم يصنعون بذلك خطراً طائفياً.
كان الحوثيون يشتكون من الاستفزاز السلفي في صعدة، وهم انتقموا منه عبر توسعهم في دماج وعمران، لاحقاً، وباتوا يستنفرون الهوية السنية داخل اليمن، بسعيهم إلى التمدد إلى المناطق المحسوبة تاريخياً على أبناء المذهب الشافعي، وإحيائهم المناسبات الدينية الشيعية خارج مناطق الزيدية، والتأكيد على مظاهر الهوية الشيعية في الخطاب والسلوك العام، ضمن عملية إنتاج لهوية سياسية زيدية.
ينقل الحوثيون، عبر تسييسهم الهوية الزيدية، وعلاقتهم بإيران، الصراع في اليمن إلى مستوى آخر، يتداخل فيه المحلي بالإقليمي، وتنتعش فيه القوى الطائفية السنية في مقابل الحوثيين، وأهمها تنظيم القاعدة الذي يستفيد من الاستفزاز الحوثي في تعبئة أبناء السنة وتحشيدهم. يطبق الحوثيون ما اشتكوا منه في السابق، ويستنفرون العصبيات المذهبية، وفي ظل غياب الدولة، فإن الصراعات الأهلية المتشابكة هي سيدة الموقف في المشهد اليمني.
* كاتب سعودي نقلا عن (العربي الجديد)

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى