بماذا أصف وطني

>
كتب / أحمد ناصر حميدان
كتب / أحمد ناصر حميدان

إذا سألوك عن وطنك وقلت لهم إنك يمني، لا بد أن تتبجح وتقول بلد عريق وله حضارة عميقة، وتذكر سبأ وحمير ومعين وحضرموت وبلقيس وأروى وذويزن وحديث النبي العظيم - عليه الصلاة والسلام - بلد الحكمة والإيمان، فإذا رد أحدهم عليك نحن أولاد اليوم، ماذا عن وطنك الذي تعيشه اليوم، ماذا ستقول: وطني منهوب دولته منكوبة، رئيسنا ورئيس حكومتنا تحت الإقامة الجبرية، وزراء وشخصيات وطنية في قبضة السيد قائد المسيرة القرآنية الذي دمر وفجر مساجد ومعاهد تحفيظ القرآن، واستولى على المؤسسات والأمن والجيش بمليشياته المسلحة، واستولى على الأسلحة والعتاد، قيد دولة على فراش المرض تتعافى، ماذا ستقول: يحكمنا الجهلة والسيد وأتباعه من اللجان الثورية ثوار صعدة والطائفة الزيدية، ماذا ستقول عن قنوات وطنك الرسمية: نهبها السيد وسخرها للترويج لمشروعة الانقلابي ورقصات البرع الشعبية والصحف الرسمية، منع فيها كتاب الوطن والوطنية، وجعلها منبرا لأكاذيبه وخزعبلاته وسمومه المذهبية؟.
سألني حفيدي، في سنته الأولى من مرحلته الابتدائية الذي تفوق بمعدل 100 % في زمن الفشل السياسي، وفخر في زمن الهزيمة، سؤالا أرهبني: أين رئيسنا؟ افتقده الطفل فجأة دون مقدمات ومؤشرات تغيير رئاسي، ولكنه يجهل أنهم شوهوه، وعزروه، اتهموه دون أية دلائل، جعلونا نصب غضبنا عليه وعلى كل وطني يسعى للتغيير يناضل لبناء الوطن المنشود من خلال الحوار والمشاريع كل من يرفض العنف ويسعى لتجنيب الوطن الدخول في دائرة العنف والعنف المضاد، دفعوا بالوطن نحو ذلك، لم تستطع القوى الرافضة للعنف الوقوف في وجه آلة الدمار التي تحركت لتجرف معها إنجازات ثلاث سنوات من حوار عصي وصعب مع قوى ترفض التغيير، لكنها استخدمت آلة تحمل راية الثورة بمعناه العكسي ثورتهم المضادة لثورة الشعب الحقيقية.
ماذا أقول له، رئيسنا تحت الإقامة الجبرية؟ هل سيستوعبها، هل يستوعب أنه كطفل قادر أن يحجز مدير مدرسته في غرفته جبريا، ونحن نعلمه أصول احترام الكبير للصغير والمقامات محفوظة في حدود النظام والقانون تجاهلته حتى لا تتأصل فيه الفكرة كسلوك يتمرد على كل شيء، كما تمرد شباب وأطفال مران على الدولة خارج أصول النظام والقانون والعرف والحياة؟.
إنه قهر الرجال أن يصل المرء إلى حالة يصاب معها بالعجز عن دفع السوء عن نفسه أو تحصيل الخير لها، وقد يلحقه بذلك شماتة الأعداء وتجافي الأصحاب، فيصاب حينها بنوع من الاستياء والعجز عن الدفاع ليس عن النفس بل عن مشروع الوطن، عن مستقبل الأجيال في زمن صار فيه القبح جميلا والجمال قبيحا دون أن تراه واضحا بالأسس والقوانين والتشريعات والمؤسسات، بل كلها ألغيت وتحولت لمجرد كلام وهرج ومرج وشعارات واتهامات لا معنى لها على الواقع، فالواقع مختلف، ملامحه تؤشر للأزمنة الغابرة، قضوا على كل جديد أسسناه وتعشمنا أنه سينمو ويتطور، وإذا بهم يقتلونه، لم يعد لدينا هامش ولا غيره، فقدنا كل شي.
لم نستوعب جميعا إلى هذا اليوم الإقامة الجبرية المفروضة على الشخصيات والرموز القيادية، لم نستوعب أطفالا في العاشرة وما دون يحملون البنادق والراجمات وينتهكون الكرامات والشخصيات دون وجه حق، أطفال الأحرى بهم أن يكونوا في المدارس ويحملون حقائب كتبهم ومحفظات أقلامهم يتعلمون ليبنوا وطنا بالعلم يتفوق ويعلو، لا أن يكونوا وقودا للحرائق والحروب التي تعزز هيمنة وتسلط سيدهم الحوثي.
لست هنا مدافعا عن شخص الرئيس، ولكن اعتبره رمزا توافقيا لبناء الدولة، ولم يكن في يده كل أدوات اللعبة، فالدولة العميقة في يد الرئيس السابق ونفوذه و33 عاما من المصالح والشراكة في النهب والتدمير جعلت سلسلة المصالح متينة ومتداخلة تدير الدولة عصابات النهب، واستمر الفساد، بل انتعش الفاسدون، لأن المسئولية لم تعد مسئوليتهم، بل فسادهم تحول لوسيلة لضرب مشروع الدولة، والإضرار برموز هذا المشروع فأعاقوه إذا أدان فاسدا أو أقاله، صرخوا مناديين أقصونا استحوذوا على كل شيء (حق يراد به باطل)، وآلياتهم الإعلامية تعمل وتروج وتبث الإشاعات والسموم، وقالوها يوما ويكررونها، ليس المهم بالتوقيع، بل في النوايا، وكانت تلك نواياهم.
أنا أقولها بصراحة كمتابع: نحن نريد دولة عادلة وضامنة وقضاء عادلا مستقلا يدين المخطئ والمسيء والفاسد بالدلائل والبراهين من خلال مؤسسات، كائنا من كان، فنحن ضده حتى وإن كان أقرب الناس إلينا، كنا نريد أن نسير لنؤسس لبناء هذه الدولة الضامنة التي ستجعل الرئيس وغيره عرضة للعقاب والحساب، لكن من عاق ولايزال يعيق التسوية للوصول لهذه الدولة هو من لا يريد للقانون أن يكون نافذا، يريد الفوضى ورمي التهم جزافا دون وجه حق، والحق يفرض علينا أن نلتزم بالقاعدة، إن الشك يفسر لصالح المتهم وإن المتهم بريء حتى تثبت إدانته، فإن المرء يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى