> تحقيق/جمال محمد حسين
تبدأ حكاية فاطمة ذات الـ 16 ربيعا من لحظة دخولها غرفة العمليات، وكان أملها كبيرا بنجاح عمليتها بعد أن طمأنتها الطبيبة بأن العملية سهلة ولا داعي للقلق، وأنها ستتخلص نهائيا من متاعب ومضاعفات الكيس المائي الموجود بجانب كبدها كانت تحلم بأن تعود لدراستها وتمتحن بدون آلام ومضاعفات مثل السابق، وتلتقي بزميلاتها، وتعيش بين أهلها بسعادة، ولن تكبد والدها ذو الدخل المحدود تكاليف علاج غير مجدية والأسرة في أمس الحاجة إليها فقررت فاطمة وأخوها خالد إجراء العملية مقتنعين بكلام الطبيبة، وأقنعوا والدهما الذي لم يكن مقتنعا بالعملية، وكان يريد علاج ابنته بالأعشاب بعد أن سمع أن هناك حالات تم علاجها بالأعشاب وشفيت إلا أن خالدا أقنعه بأن الطب تقدم والعملية بسيطة فوافق الأب وقرر بيع أغلى ما يملك لإجراء عملية لابنته، وهي بقرته التي تدر عليه الحليب الطازج ويصنعون منه الحقين والزبدة وغيرها، فصحة ابنته أغلى من كل شيء إلا أن خالدا أخبر والده أن تكاليف العملية سيدبرها هو ولا داعي لبيع البقرة، فهم بحاجة لها.
يروي لنا خالد محمد أحمد هرير شقيق فاطمة والأكبر منها القصة كاملة بنبرة حزن وألم لمأساة أخته فاطمة، وما حدث لها في غرفة العمليات فيقول: “قررت علاج شقيقتي بعد أن رأيت الوالد قد تعب من الذهاب إلى العيادات البسيطة الموجودة في الحصن وباتيس، وكانت تعطى له علاجات لم تجدِ نفعا، وتعددت التشخيصات وصرفت الأدوية بناء على ذلك وتكبد الوالد العلاجات، ولكن دون فائدة أقنعته إن أخذ شقيقتي للمدينة، وهناك مستشفى أبين مستشفى كبير وفيه أطباء - إن شاء الله - سيعالجونها العلاج المناسب أفضل من كل هذه الخسارة التي تخسرها، ولا توجد فائدة، فوافق الوالد فأخذتها، وفي مستشفى أبين عرضتها على طبيبة وهي من أشرفت على علاجها، وعملت لها فحوصات وجهاز فتبين أن عندها كيسا مائيا بجنب الكبد تقريبا فأعطتنا علاج لمدة شهر تقريبا، وقالت بعد أن تستخدم العلاج تعود إليه وسنعمل لها عملية استئصال الكيس، وبعد أخذ العلاج عدنا إليها بعد شهر فقررت العملية، وقالت لنا إنها عملية سهلة فطمأنتنا بسهولة العملية ونجاحها فتوكلنا على الله وأخبرنا الوالد فرفض، وكان يريد أن يعالجها بالأعشاب أفضل لأنه سمع أنه في حالات تم علاجها بالأعشاب فشفيت فأقنعته بتطور الطب وسهولة العملية والطبيبة قد طمأنتنا ولا داعي للقلق فوافق، وجاء يوم العملية، وكان يوم الأحد الموافق 25 يناير2015م”.
وتابع قائلا: “أخذتها وهي تمشي بكامل قواها، لم تكن حالتها متعبة، بل طبيعية، وكانت تأكل وتعمل في البيت وتذهب مدرستها، ولكنها كانت تعاني بين فترة وأخرى من بعض مضاعفات الكيس، المهم دخلت غرفة العمليات الساعة الواحدة ظهرا وهي تمشي بكامل قواها، واستمرت العملية من الواحدة ظهرا إلى الثالثة عصرا، حيث خرجت الطبيبة التي أجرت العملية قبل خروج الحالة بحوالي نصف ساعة فسألتها عن العملية فقالت الحمد لله تمام، ولكن الضغط هبط علينا أثناء العملية، وحاولنا ضبطه وسيخرجونها إلى غرفة العناية المركزة، وغدا سيحضر الدكتور أكرم ليراها، فغادرت الطبيبة وانتظرنا تقريبا نصف ساعة، وبعدها خرجت من العمليات واستلمناها، وقالوا لنا خذوها إلى العناية المركزة فأخذناها، وكان الدم مركب لها، وواحد آخر فيه أدوية لا نعلم ما هي؟ فنظرت إلى وجهها كانت عيناها مفتوحتان ولا تتحرك فقلت ربما مازالت تحت تأثير التخدير، وصلنا غرفة العناية المركزة واستقبلنا الممرض المناوب ودخل الحالة، ووضعناها على السرير فتساءل الممرض فقال لماذا لم يحضر معكم الطبيب الذي أجرى العملية ليتابع الحالة حتى تستقر فقلت له والله لا أعلم فأخذ الملف وقرأه وطلب مني إحضار الأدوية المسجلة التي ستستخدم بعد العملية فذهبت وأحضرتها والحالة بنفس الوضعية لم تتحرك ولم تفق، وعند الساعة الخامسة والنصف لاحظ الممرض أن الحالة لم تتحرك ولا تتنفس فاستدع الطبيب المناوب فحاول إنعاش الحالة بمحاولات عديدة ووسائل مختلفة استمرت قرابة النصف ساعة فأعلن بعد كل هذه المحاولات وفاة الحالة كيف توفت والطبيبة قالت العملية تمام وناجحة؟ ! فكانت صدمة كبيرة لي ولخالتي التي لم تتمالك نفسها وانهارت بالبكاء والصراخ”.
وأضاف خالد: “فقمت بعمل الإجراءات اللازمة للسماح لي بخروج الحالة من المستشفى وأخذتها إلى البيت وهي جثة هامدة، وقد خرجت معي الصباح وهي تمشي بكامل قواها نظرت إلى وجهها ونحن في طريق العودة إلى البيت فلم يكن ذلك الوجه الذي خرج معي في الصباح ونحن في طريقنا إلى المستشفى لقد كان غير طبيعي تغير لونه الجميل، وأصبح فيه مثل الزرقة، وكأن شيئا ما حدث غير طبيعي لا أدري ما هو؟ كنت أفكر في أبي وأخوتي وأهل البيت جميعا كيف سيتقبلون ويستوعبون ما حدث؟!، ونحن قلنا لهم إن الطبيبة قالت إن العملية سهلة وبسيطة ولا داعي للخوف أو القلق”.
يتوقف خالد للحظات وكأنه يعيد شريط ذكريات ذلك اليوم المؤلم له ولأفراد أسرته فيقول مستغربا: “أثناء تطهيرها - رحمها الله - كان يخرج من فمها وأنفها وأذانها دم، وعندما أنزلناها للقبر كان هناك أيضا دم يخرج، حيث تحول الكفن الناصع البياض من جهة رأسها إلى أحمر من الدم الذي يخرج، وهذه حالة غريبة ونريد الأطباء يفسروها لنا، متسائلا ماذا حدث بالضبط؟ وهذا ما دفعني بعد العزاء إلى تقديم بلاغ إلى مدير مستشفى أبين بما حدث، وشكل مدير المستشفى لجنة طبية للتحقيق، والمؤسف أنهم عندما شكلوا اللجنة لم يشعرونا بتشكيل اللجنة، لأن من حقنا أن نعرف من هم أعضاء اللجنة ومن حقنا طلب إضافة طبيب ضمن هذه الجنة وأن نستلم نسخة من قرار تشكيل هذه اللجنة كل ذلك لم يتم للأسف، وأعتقد أن تشكيل لجنة طبية من المستشفى نفسه للتحقيق غير مجدية لأنهم زملاء جميعا، ومن غير المنطقي أن يحقق زميل مع زميله تحقيق شفاف، المسألة فيها حساسية كبيرة، وكان يفترض على المستشفى أن تشكل لجنة محايدة لو كانت هناك نوايا صادقة للوصول لحقيقة ما حدث لأختنا أثناء العملية وأدى لوفاتها فمن غير المعقول أن تكون أنت الخصم والحكم، بل والمؤسف الذي يحز في أنفسنا أنه لم يحضر أحد من المستشفى حتى يعزينا خلال أيام العزاء ويقدر ويحس بحجم خسارتنا وآلامنا هل لأننا فقراء وأناس متواضعة على قدر حالنا، نحمد الله على كل شيء، ولكن أعتقد أن الوضع سيختلف لو كانت بنت شيخ من قبيلة فلان أو مسئول، لهذا نطالب بلجنة طبية محايدة للتحقيق، وحتى التقرير الذي وعدونا به لم يظهر إلى الآن وسنعرضه على مختصين، وإن استدعى الأمر إخراج الجثة سنخرجها، لأن ما حدث لن نسكت عنه، لأن حياة الناس غالية وليست رخيصة لهذه الدرجة، ويجب أن نستشعر جميعا بالمسئولية أمام ما حدث اليوم فقد يتكرر غدا، لهذا لا نريد غير الحقيقة ومحاسبة كل من أخطأ أو أهمل وتسبب في فقدان حياة شخص صحيح، نحن نؤمن بالقضاء والقدر ونؤمن كذلك بالأسباب”.
الممرض حسين المشرقي، الذي كان مناوبا في العناية المركزة واستقبل الحالة قال: “وصلت الحالة إلى قسم العناية المركزة الساعة الثالثة عصرا قادمة من العمليات وبرفقتها أهلها فقط لم يكن معها طبيب أو طبيبة أو فني التخدير أو أي شخص من الطاقم الذي أجرى لها العملية ليتابع الحالة حتى تستفيق من تأثير التخدير وتزول مرحلة الخطر ويطمأنوا عليها، ويوضحوا لي نوع العملية التي أجريت لها والمضاعفات التي تعرضت لها في العملية، ونوع الأدوية التي أعطيت لها حتى أكون على علم ببعض الأشياء المهمة، لأن الملف لا يحتوي على كل شيء”.
وتابع الممرض حسين: “المهم اطلعت على الملف الخاص بالمريضة، وعندما سألت عنها علمت أنه حدث لها مضاعفات داخل العملية من هبوط الضغط وغيره فتم عمل لها الإنعاش والصدمة الكهربائية وأدوية رفع الضغط الذي هبط إلى أن تعدل الضغط، وبدأت الحالة تستقر فأحضروها للعناية فاستقبلتها وعملت لها الجهاز التلفزيوني وشغلت الدم الذي كان مركب لها المغذي (الدريب) الآخر الذي يحتوي على الأدوية، وسجلت لأخيها بقية الأدوية ليحضرها من الصيدلية الخارجية، وكانت معي حالات أخرى قمت بعملي تجاهها، وعندما عدت أتفقد الحالة مرة أخرى فقست لها الضغط فوجدته هابطا، وكذلك التنفس فعملت لها الأكسجين، وتم استدعاء طبيب الطوارئ فوصل والحالة قد توقف تنفسها ونبضها فحاول جاهدا بالإسعافات الأولية بعدة طرق ووسائل لمدة نصف ساعة لكن دون جدوى فقد فارقت الحياة فأعلن وفاتها وكتب تقرير عن الحالة”.
الطبيب الذي حاول إنقاذ حياة الحالة بكل الطرق كتب تقريره وقال فيه: “تم استدعائي يوم الأحد الساعة الخامسة والنصف عصرا إلى قسم العناية المركزة، حيث وجدت الفتاة بحالة زرقة في الجسم، وتوقف للقلب والتنفس، حيث أجري لها إنعاش قلبي رئوي لمدة ثلاثين دقيقة دون جدوى وأُعطيت أتروبين عدد ثلاث وأدرنالين عدد 3”.
**شرح الطبيب الجراح للعملية**
واستطرد خالد شقيق فاطمة: “شرح لنا الطبيب الجراح أكرم عبدالله الذي قال إنه من قام بعمل العملية وليس الطبيبة، وإن مثل هذه العمليات تحتاج لجراح ولمساعد جراح، فلم نفهم من الجراح ومن المساعد، حيث قال الجراح أكرم إن الطبيبة أجرت العملية الأولى لطفلة تعاني من كيس في الكبد، وهو من قام بعملية فاطمة”، فشرح لنا مراحل العملية فقال: “كانت المريضة تتعالج عند الطبيبة انشراح، وقد تم عمل لها الفحوصات المخبرية وأجهزة فوق الصوتية للبطن وأعضاء البطن الداخلية وتبين أن عندها كيسا يسمى كيس عذاري داخل تجويف الكبد، وكان كبيرا، حيث وصلت مقاساته إلى 11سم×14سم×12,5سم، وسببه الاحتكاك مع الحيوانات بعد عمل كل الفحوصات ولوازم العملية دخلت العملية، وكانت هي الحالة الثانية لأن قبلها كانت عملية لطفلة عمرها تقريبا عشر سنوات عندها نفس الكيس، بل وأكياس ثانوية، أنهينا العملية الأولى وأدخلنا فاطمة تقريبا الساعة الواحدة الظهر واستقبلها طاقم العملية وتم تخديرها وبدأنا العملية بشق البطن وعزل المنطقة التي حول الكيس حتى لا يتم انتشار السائل أو الأكياس الثانوية الأخرى، والتي ممكن تنشر العدوى داخل التجويف البطني، فعزلت المنطقة حسب ما هو متعامل به وموجود في الكتب، وتم شفط محتويات الكيس، والذي وصلت إلى ألف وثلاثمائة ملي لتر تقريبا، وتم بعد ذلك ضخ المادة المطهرة كلوهيركسجين وسحبها من داخل الكيس، وتم عمل شق بسيط في الكيس لإخراج الأكياس الثانوية والداخلية، وتم تعرية المنطقة الداخلية في التجويف الكبدي كاملة وعزلها لمعالجة بقايا الكيس التي ممكن تسبب نزيف تم خياطتها ووضع أنابيب لشفط السوائل التي قد تتراكم بعد العملية”.
وأضاف الطبيب: “وبعد مرور ساعة تقريبا من العملية - وكان كل شيء تماما - لاحظنا حدوث هبوط في الضغط للمريضة وأعطيت الأدوية التي رفعت ضغط الدم وأعادته لوضعه الطبيعي فاستكملنا العملية وأدخلنا المريضة العناية المركزة، طبعا صاحبت العملية الجراحية صدمة تحسسية، وهذا ما رجحناه واطلعتنا عليه الكتب أنه في هذا النوع من الجراحات لأكياس الكبد قد تصاحبها صدمة تحسسية، وتحدث في كل خمس آلاف حالة واحدة، وهي نادرة الحدوث، ويقال إن سببها ناتج عن الكيس نفسه نتيجة للمضاعفات، ولم تصادفني هذه الصدمة طيلة عملي، والذي بدأته في 97م، وعملت في مستشفيات في صنعاء وعدن، أما فيما يخص خروج الدم من فمها وأنفها بعد الوفاة - كما سمعنا - فهذا ليس دما لأن لونه مثل القهوة، وليس الدم الوريدي هذا يفسر نتيجة للقلق العام في الجسم وسببه بعض الأدوية، وأما زرقة وجه المريضة عند الوفاة فسببه نقص أكسجين”.
وقال خالد: الطبيب المخدر حاولنا التواصل للجلوس معه وكان في كل مرة يأتي بعذر، مرة مشغول ومرة عنده ظروف خاصة وآخرها تواصل مع الإدارة، وطلبت منه أن لا يتحدث معنا وأي شيء نريده سنتواصل مع الإدارة، وهذا ما أوضحه لي المكلف برئاسة الهيئة الدكتور أكرم، وطلبت منه السماح لطبيب المخدر التحدث معي إلا أن الطبيب المخدر الدكتور السوري (أنس) لم يكن طبيعيا، وظهرت عليه علامات قلق اتضحت لي من خلال رسائله التي رد بها على طلباتي للجلوس معه وأعذاره التي تتغير بين لحظة وأخرى، فمن مشغول إلى ظروف خاصة إلى تأجيل اللقاء به، وأحيانا يقول إنه يريد أن نذهب إلى الشرطة لكي تكون المقابلة أمام رئيس الهيئة، فقلت له موافق، رغم عدم قناعتي بذلك، وعندما طلبت منه أن يحدد الوقت الذي أحضر فيه للمستشفى للجلوس معه غير الطبيب المخدر رأيه و رد باللهجة السورية بغضب (أنت إلي ماذا تريد أن تصل أعطيني من الآخر شو بدك شو بدك تعرف؟) فقلت له أريد أن أعرف حقيقة ما حدث، وقد أرسلت لك الأسئلة أرجو أن ترد عليها فلم يرد”.
ماذا يقول الأطباء عن خطورة تسرب محتويات الكيس؟.
قال الأطباء: “إن انفجار الكيس المائي أو تسرب محتوياته على جوف البطن يسبب حالة سمية تحسسية خطرة قد تصدم المريض بصدمة تحسسية وتغيبه عن وعيه، وقد تودي بحياته فتمزق الكيسة المائية الكبدية أو تسربها أثناء الجراحة له تأثير على الأقنية الصفراوية، ويسبب ألماً كبدياً ويرقاناً والتهاباً في الطرق الصفراوية وأعراضاً تحسسيه، وشعوراً بالاختناق، ناتجة هذه الأعراض عن خروج السائل الذي تحتويه هذه الكيسة”.
في نهاية هذا التحقيق لا نعلم تحت أي بند تندرج وفاة المريضة فاطمة، هل هو من قُبيل المصادفة أم قضاء وقدر؟، وإذا سلمنا بقضاء الله وقدره فماذا بشأن الصدمة التحسسية وما أسبابها؟ هل بسبب تسرب سائل الكيس أثناء العملية الجراحية؟ أم بسبب المخدر؟ أم بسبب نقل الدم؟ أم أن هناك أسبابا أخرى؟ وماذا عن الإنعاش الذي أُجريَ لها بعد ظهور الصدمة التحسسية والتي ظهرت خلال الساعة الأولى من العملية والتي أدت لهبوط الضغط والنبض وانخفاض ضربات القلب إن لم تكن قد توقفت، هل كان ذلك أيضاً صدفة وقضاء وقدراً؟!!.. ولماذا لم تفق من التخدير بعد ساعتين من العملية؟.
أعتقد أن المريضة كانت تملك فرصة النجاة لو توفرت لها الرقابة والمتابعة المستمرة لحالتها بعد خروجها من العملية من قبل الأطباء والممرضين، حيث كان الإهمال سببا من بين أسباب أخرى مجهولة تحتاج لتحقيق دقيق لمعرفتها.
وفي الختام نضم صوتنا مع من خرج من المواطنين وعمل وقفة أمام مستشفى أبين وطالبوا إدارة المستشفى التحقيق في هذه الحادثة نرجو من المعنيين في مستشفى أبين العام التأكد من هذه التفاصيل وفتح تحقيق موسع في ظروف وملابسات وفاة المريضة فاطمة بعد العملية بساعتين وأسباب الصدمة التحسسية التي حدثت لها خلال الساعة الأولى من العملية وهبطت الضغط ومضاعفات أخرى حتى لا يتكرر ما حدث لضحية أخرى.
يروي لنا خالد محمد أحمد هرير شقيق فاطمة والأكبر منها القصة كاملة بنبرة حزن وألم لمأساة أخته فاطمة، وما حدث لها في غرفة العمليات فيقول: “قررت علاج شقيقتي بعد أن رأيت الوالد قد تعب من الذهاب إلى العيادات البسيطة الموجودة في الحصن وباتيس، وكانت تعطى له علاجات لم تجدِ نفعا، وتعددت التشخيصات وصرفت الأدوية بناء على ذلك وتكبد الوالد العلاجات، ولكن دون فائدة أقنعته إن أخذ شقيقتي للمدينة، وهناك مستشفى أبين مستشفى كبير وفيه أطباء - إن شاء الله - سيعالجونها العلاج المناسب أفضل من كل هذه الخسارة التي تخسرها، ولا توجد فائدة، فوافق الوالد فأخذتها، وفي مستشفى أبين عرضتها على طبيبة وهي من أشرفت على علاجها، وعملت لها فحوصات وجهاز فتبين أن عندها كيسا مائيا بجنب الكبد تقريبا فأعطتنا علاج لمدة شهر تقريبا، وقالت بعد أن تستخدم العلاج تعود إليه وسنعمل لها عملية استئصال الكيس، وبعد أخذ العلاج عدنا إليها بعد شهر فقررت العملية، وقالت لنا إنها عملية سهلة فطمأنتنا بسهولة العملية ونجاحها فتوكلنا على الله وأخبرنا الوالد فرفض، وكان يريد أن يعالجها بالأعشاب أفضل لأنه سمع أنه في حالات تم علاجها بالأعشاب فشفيت فأقنعته بتطور الطب وسهولة العملية والطبيبة قد طمأنتنا ولا داعي للقلق فوافق، وجاء يوم العملية، وكان يوم الأحد الموافق 25 يناير2015م”.
وتابع قائلا: “أخذتها وهي تمشي بكامل قواها، لم تكن حالتها متعبة، بل طبيعية، وكانت تأكل وتعمل في البيت وتذهب مدرستها، ولكنها كانت تعاني بين فترة وأخرى من بعض مضاعفات الكيس، المهم دخلت غرفة العمليات الساعة الواحدة ظهرا وهي تمشي بكامل قواها، واستمرت العملية من الواحدة ظهرا إلى الثالثة عصرا، حيث خرجت الطبيبة التي أجرت العملية قبل خروج الحالة بحوالي نصف ساعة فسألتها عن العملية فقالت الحمد لله تمام، ولكن الضغط هبط علينا أثناء العملية، وحاولنا ضبطه وسيخرجونها إلى غرفة العناية المركزة، وغدا سيحضر الدكتور أكرم ليراها، فغادرت الطبيبة وانتظرنا تقريبا نصف ساعة، وبعدها خرجت من العمليات واستلمناها، وقالوا لنا خذوها إلى العناية المركزة فأخذناها، وكان الدم مركب لها، وواحد آخر فيه أدوية لا نعلم ما هي؟ فنظرت إلى وجهها كانت عيناها مفتوحتان ولا تتحرك فقلت ربما مازالت تحت تأثير التخدير، وصلنا غرفة العناية المركزة واستقبلنا الممرض المناوب ودخل الحالة، ووضعناها على السرير فتساءل الممرض فقال لماذا لم يحضر معكم الطبيب الذي أجرى العملية ليتابع الحالة حتى تستقر فقلت له والله لا أعلم فأخذ الملف وقرأه وطلب مني إحضار الأدوية المسجلة التي ستستخدم بعد العملية فذهبت وأحضرتها والحالة بنفس الوضعية لم تتحرك ولم تفق، وعند الساعة الخامسة والنصف لاحظ الممرض أن الحالة لم تتحرك ولا تتنفس فاستدع الطبيب المناوب فحاول إنعاش الحالة بمحاولات عديدة ووسائل مختلفة استمرت قرابة النصف ساعة فأعلن بعد كل هذه المحاولات وفاة الحالة كيف توفت والطبيبة قالت العملية تمام وناجحة؟ ! فكانت صدمة كبيرة لي ولخالتي التي لم تتمالك نفسها وانهارت بالبكاء والصراخ”.
وأضاف خالد: “فقمت بعمل الإجراءات اللازمة للسماح لي بخروج الحالة من المستشفى وأخذتها إلى البيت وهي جثة هامدة، وقد خرجت معي الصباح وهي تمشي بكامل قواها نظرت إلى وجهها ونحن في طريق العودة إلى البيت فلم يكن ذلك الوجه الذي خرج معي في الصباح ونحن في طريقنا إلى المستشفى لقد كان غير طبيعي تغير لونه الجميل، وأصبح فيه مثل الزرقة، وكأن شيئا ما حدث غير طبيعي لا أدري ما هو؟ كنت أفكر في أبي وأخوتي وأهل البيت جميعا كيف سيتقبلون ويستوعبون ما حدث؟!، ونحن قلنا لهم إن الطبيبة قالت إن العملية سهلة وبسيطة ولا داعي للخوف أو القلق”.
يتوقف خالد للحظات وكأنه يعيد شريط ذكريات ذلك اليوم المؤلم له ولأفراد أسرته فيقول مستغربا: “أثناء تطهيرها - رحمها الله - كان يخرج من فمها وأنفها وأذانها دم، وعندما أنزلناها للقبر كان هناك أيضا دم يخرج، حيث تحول الكفن الناصع البياض من جهة رأسها إلى أحمر من الدم الذي يخرج، وهذه حالة غريبة ونريد الأطباء يفسروها لنا، متسائلا ماذا حدث بالضبط؟ وهذا ما دفعني بعد العزاء إلى تقديم بلاغ إلى مدير مستشفى أبين بما حدث، وشكل مدير المستشفى لجنة طبية للتحقيق، والمؤسف أنهم عندما شكلوا اللجنة لم يشعرونا بتشكيل اللجنة، لأن من حقنا أن نعرف من هم أعضاء اللجنة ومن حقنا طلب إضافة طبيب ضمن هذه الجنة وأن نستلم نسخة من قرار تشكيل هذه اللجنة كل ذلك لم يتم للأسف، وأعتقد أن تشكيل لجنة طبية من المستشفى نفسه للتحقيق غير مجدية لأنهم زملاء جميعا، ومن غير المنطقي أن يحقق زميل مع زميله تحقيق شفاف، المسألة فيها حساسية كبيرة، وكان يفترض على المستشفى أن تشكل لجنة محايدة لو كانت هناك نوايا صادقة للوصول لحقيقة ما حدث لأختنا أثناء العملية وأدى لوفاتها فمن غير المعقول أن تكون أنت الخصم والحكم، بل والمؤسف الذي يحز في أنفسنا أنه لم يحضر أحد من المستشفى حتى يعزينا خلال أيام العزاء ويقدر ويحس بحجم خسارتنا وآلامنا هل لأننا فقراء وأناس متواضعة على قدر حالنا، نحمد الله على كل شيء، ولكن أعتقد أن الوضع سيختلف لو كانت بنت شيخ من قبيلة فلان أو مسئول، لهذا نطالب بلجنة طبية محايدة للتحقيق، وحتى التقرير الذي وعدونا به لم يظهر إلى الآن وسنعرضه على مختصين، وإن استدعى الأمر إخراج الجثة سنخرجها، لأن ما حدث لن نسكت عنه، لأن حياة الناس غالية وليست رخيصة لهذه الدرجة، ويجب أن نستشعر جميعا بالمسئولية أمام ما حدث اليوم فقد يتكرر غدا، لهذا لا نريد غير الحقيقة ومحاسبة كل من أخطأ أو أهمل وتسبب في فقدان حياة شخص صحيح، نحن نؤمن بالقضاء والقدر ونؤمن كذلك بالأسباب”.
الممرض حسين المشرقي، الذي كان مناوبا في العناية المركزة واستقبل الحالة قال: “وصلت الحالة إلى قسم العناية المركزة الساعة الثالثة عصرا قادمة من العمليات وبرفقتها أهلها فقط لم يكن معها طبيب أو طبيبة أو فني التخدير أو أي شخص من الطاقم الذي أجرى لها العملية ليتابع الحالة حتى تستفيق من تأثير التخدير وتزول مرحلة الخطر ويطمأنوا عليها، ويوضحوا لي نوع العملية التي أجريت لها والمضاعفات التي تعرضت لها في العملية، ونوع الأدوية التي أعطيت لها حتى أكون على علم ببعض الأشياء المهمة، لأن الملف لا يحتوي على كل شيء”.
وتابع الممرض حسين: “المهم اطلعت على الملف الخاص بالمريضة، وعندما سألت عنها علمت أنه حدث لها مضاعفات داخل العملية من هبوط الضغط وغيره فتم عمل لها الإنعاش والصدمة الكهربائية وأدوية رفع الضغط الذي هبط إلى أن تعدل الضغط، وبدأت الحالة تستقر فأحضروها للعناية فاستقبلتها وعملت لها الجهاز التلفزيوني وشغلت الدم الذي كان مركب لها المغذي (الدريب) الآخر الذي يحتوي على الأدوية، وسجلت لأخيها بقية الأدوية ليحضرها من الصيدلية الخارجية، وكانت معي حالات أخرى قمت بعملي تجاهها، وعندما عدت أتفقد الحالة مرة أخرى فقست لها الضغط فوجدته هابطا، وكذلك التنفس فعملت لها الأكسجين، وتم استدعاء طبيب الطوارئ فوصل والحالة قد توقف تنفسها ونبضها فحاول جاهدا بالإسعافات الأولية بعدة طرق ووسائل لمدة نصف ساعة لكن دون جدوى فقد فارقت الحياة فأعلن وفاتها وكتب تقرير عن الحالة”.
الطبيب الذي حاول إنقاذ حياة الحالة بكل الطرق كتب تقريره وقال فيه: “تم استدعائي يوم الأحد الساعة الخامسة والنصف عصرا إلى قسم العناية المركزة، حيث وجدت الفتاة بحالة زرقة في الجسم، وتوقف للقلب والتنفس، حيث أجري لها إنعاش قلبي رئوي لمدة ثلاثين دقيقة دون جدوى وأُعطيت أتروبين عدد ثلاث وأدرنالين عدد 3”.
**شرح الطبيب الجراح للعملية**
واستطرد خالد شقيق فاطمة: “شرح لنا الطبيب الجراح أكرم عبدالله الذي قال إنه من قام بعمل العملية وليس الطبيبة، وإن مثل هذه العمليات تحتاج لجراح ولمساعد جراح، فلم نفهم من الجراح ومن المساعد، حيث قال الجراح أكرم إن الطبيبة أجرت العملية الأولى لطفلة تعاني من كيس في الكبد، وهو من قام بعملية فاطمة”، فشرح لنا مراحل العملية فقال: “كانت المريضة تتعالج عند الطبيبة انشراح، وقد تم عمل لها الفحوصات المخبرية وأجهزة فوق الصوتية للبطن وأعضاء البطن الداخلية وتبين أن عندها كيسا يسمى كيس عذاري داخل تجويف الكبد، وكان كبيرا، حيث وصلت مقاساته إلى 11سم×14سم×12,5سم، وسببه الاحتكاك مع الحيوانات بعد عمل كل الفحوصات ولوازم العملية دخلت العملية، وكانت هي الحالة الثانية لأن قبلها كانت عملية لطفلة عمرها تقريبا عشر سنوات عندها نفس الكيس، بل وأكياس ثانوية، أنهينا العملية الأولى وأدخلنا فاطمة تقريبا الساعة الواحدة الظهر واستقبلها طاقم العملية وتم تخديرها وبدأنا العملية بشق البطن وعزل المنطقة التي حول الكيس حتى لا يتم انتشار السائل أو الأكياس الثانوية الأخرى، والتي ممكن تنشر العدوى داخل التجويف البطني، فعزلت المنطقة حسب ما هو متعامل به وموجود في الكتب، وتم شفط محتويات الكيس، والذي وصلت إلى ألف وثلاثمائة ملي لتر تقريبا، وتم بعد ذلك ضخ المادة المطهرة كلوهيركسجين وسحبها من داخل الكيس، وتم عمل شق بسيط في الكيس لإخراج الأكياس الثانوية والداخلية، وتم تعرية المنطقة الداخلية في التجويف الكبدي كاملة وعزلها لمعالجة بقايا الكيس التي ممكن تسبب نزيف تم خياطتها ووضع أنابيب لشفط السوائل التي قد تتراكم بعد العملية”.
وأضاف الطبيب: “وبعد مرور ساعة تقريبا من العملية - وكان كل شيء تماما - لاحظنا حدوث هبوط في الضغط للمريضة وأعطيت الأدوية التي رفعت ضغط الدم وأعادته لوضعه الطبيعي فاستكملنا العملية وأدخلنا المريضة العناية المركزة، طبعا صاحبت العملية الجراحية صدمة تحسسية، وهذا ما رجحناه واطلعتنا عليه الكتب أنه في هذا النوع من الجراحات لأكياس الكبد قد تصاحبها صدمة تحسسية، وتحدث في كل خمس آلاف حالة واحدة، وهي نادرة الحدوث، ويقال إن سببها ناتج عن الكيس نفسه نتيجة للمضاعفات، ولم تصادفني هذه الصدمة طيلة عملي، والذي بدأته في 97م، وعملت في مستشفيات في صنعاء وعدن، أما فيما يخص خروج الدم من فمها وأنفها بعد الوفاة - كما سمعنا - فهذا ليس دما لأن لونه مثل القهوة، وليس الدم الوريدي هذا يفسر نتيجة للقلق العام في الجسم وسببه بعض الأدوية، وأما زرقة وجه المريضة عند الوفاة فسببه نقص أكسجين”.
وقال خالد: الطبيب المخدر حاولنا التواصل للجلوس معه وكان في كل مرة يأتي بعذر، مرة مشغول ومرة عنده ظروف خاصة وآخرها تواصل مع الإدارة، وطلبت منه أن لا يتحدث معنا وأي شيء نريده سنتواصل مع الإدارة، وهذا ما أوضحه لي المكلف برئاسة الهيئة الدكتور أكرم، وطلبت منه السماح لطبيب المخدر التحدث معي إلا أن الطبيب المخدر الدكتور السوري (أنس) لم يكن طبيعيا، وظهرت عليه علامات قلق اتضحت لي من خلال رسائله التي رد بها على طلباتي للجلوس معه وأعذاره التي تتغير بين لحظة وأخرى، فمن مشغول إلى ظروف خاصة إلى تأجيل اللقاء به، وأحيانا يقول إنه يريد أن نذهب إلى الشرطة لكي تكون المقابلة أمام رئيس الهيئة، فقلت له موافق، رغم عدم قناعتي بذلك، وعندما طلبت منه أن يحدد الوقت الذي أحضر فيه للمستشفى للجلوس معه غير الطبيب المخدر رأيه و رد باللهجة السورية بغضب (أنت إلي ماذا تريد أن تصل أعطيني من الآخر شو بدك شو بدك تعرف؟) فقلت له أريد أن أعرف حقيقة ما حدث، وقد أرسلت لك الأسئلة أرجو أن ترد عليها فلم يرد”.
ماذا يقول الأطباء عن خطورة تسرب محتويات الكيس؟.
قال الأطباء: “إن انفجار الكيس المائي أو تسرب محتوياته على جوف البطن يسبب حالة سمية تحسسية خطرة قد تصدم المريض بصدمة تحسسية وتغيبه عن وعيه، وقد تودي بحياته فتمزق الكيسة المائية الكبدية أو تسربها أثناء الجراحة له تأثير على الأقنية الصفراوية، ويسبب ألماً كبدياً ويرقاناً والتهاباً في الطرق الصفراوية وأعراضاً تحسسيه، وشعوراً بالاختناق، ناتجة هذه الأعراض عن خروج السائل الذي تحتويه هذه الكيسة”.
في نهاية هذا التحقيق لا نعلم تحت أي بند تندرج وفاة المريضة فاطمة، هل هو من قُبيل المصادفة أم قضاء وقدر؟، وإذا سلمنا بقضاء الله وقدره فماذا بشأن الصدمة التحسسية وما أسبابها؟ هل بسبب تسرب سائل الكيس أثناء العملية الجراحية؟ أم بسبب المخدر؟ أم بسبب نقل الدم؟ أم أن هناك أسبابا أخرى؟ وماذا عن الإنعاش الذي أُجريَ لها بعد ظهور الصدمة التحسسية والتي ظهرت خلال الساعة الأولى من العملية والتي أدت لهبوط الضغط والنبض وانخفاض ضربات القلب إن لم تكن قد توقفت، هل كان ذلك أيضاً صدفة وقضاء وقدراً؟!!.. ولماذا لم تفق من التخدير بعد ساعتين من العملية؟.
أعتقد أن المريضة كانت تملك فرصة النجاة لو توفرت لها الرقابة والمتابعة المستمرة لحالتها بعد خروجها من العملية من قبل الأطباء والممرضين، حيث كان الإهمال سببا من بين أسباب أخرى مجهولة تحتاج لتحقيق دقيق لمعرفتها.
وفي الختام نضم صوتنا مع من خرج من المواطنين وعمل وقفة أمام مستشفى أبين وطالبوا إدارة المستشفى التحقيق في هذه الحادثة نرجو من المعنيين في مستشفى أبين العام التأكد من هذه التفاصيل وفتح تحقيق موسع في ظروف وملابسات وفاة المريضة فاطمة بعد العملية بساعتين وأسباب الصدمة التحسسية التي حدثت لها خلال الساعة الأولى من العملية وهبطت الضغط ومضاعفات أخرى حتى لا يتكرر ما حدث لضحية أخرى.