انقلبت الطاولة

> محمد بالفخر

> في صيف العام 1994م سطع نجم الرئيس عبدربه منصور هادي بعد أن تم تعيينه وزيرا للدفاع، وقاد جيش الجمهورية اليمنية الذي أطلق عليه جيش الوحدة والشرعية في ذلك الوقت وهو يجوس خلال الديار الجنوبية للقضاء على من تم وصفهم في الإعلام اليمني بفلول الردة والانفصال.
وتحقق النصر لذلك الجيش وأحكم قبضته على كل أراضي الجنوب من باب المندب غربا إلى الحدود العمانية شرقا، وقيل حينها إنه اختيار موفق لهذه المهمة، فقد كان له من اسمه نصيب، فسلوكه هادي والنتيجة منصور، وبطبيعة الحال لم يكن اختياره من أجل سواد عيونه شخصيا بل لأنه مواطن جنوبي بالدرجة الأولى، ولأن الجنوب هو الرقم الأصعب في المعادلة حتى تتم عملية الضم والإلحاق دون منغصات تؤثر على شرعية الوحدة الاندماجية وذوبان الجنوب وأرضه ودولته التي قدمها (الرفيق البيض ورفاقه في الحزب الاشتراكي اليمني) على طبق من ذهب في 22 مايو1990م.
وبعد أن وضعت الحرب أوزارها ووزعت الغنائم على المتفيّدين تم تعديل الدستور، وتشكلت حكومة جديدة بتحالفات جديدة، وبطبيعة الحال بقيت المعادلة الجنوبية هي الحاضرة، فكان لابد أن تتم الاستعانة بـ(هداوة) هادي مرة أخرى، ولكن في منصب أعلى مكانة ووجاهة، ولكنه فارغ المحتوى إلا من وضع الحجر الأساس لبعض المشاريع أو قص الشريط لأخرى، فكان منصب نائب رئيس الجمهورية، والذي استمر فيه كواجهة جنوبية تضفي شيئا من الشرعية أمام الأنظار، واستمرت المهمة حتى اندلاع الربيع العربي وثورته المغدور بها في اليمن، والتي حولها تجار السياسة إلى أزمة سياسية بين الفرقاء المتشاكسين، وكانت المبادرة الخليجية.
وهنا سطع نجم الجنوبي عبدربه منصور هادي مرة أخرى، فكان اليد الأمينة التي أصر الرئيس السابق ألا يسلم الحكم إلا لها، وكان التوافق عليه من كافة أطراف العملية السياسية اليمنية والدول الراعية، وكان المؤهل الرئيس في نظرهم جميعا (جنوبيته) ليس إلا، فجذوة الثورة الجنوبية والقضية الجنوبية التي أزيح عنها رماد السنين بدت أكثر توهجا ولمعانا وأكثر اشتعالا، ويزيدها قوة شباب صغار في سنهم كبار في مواقفهم وتضحياتهم، يقولون للجميع لن يضيع حق وراءه مطالب، ولم يهدفوا سوى لحقهم في الحرية والحياة الكريمة تظلهم العدالة والمساواة من خلال دولة مدنية منشودة يبنونها بسواعدهم وبعقول مفكريهم وقياداتهم السياسية والفكرية والاجتماعية، وليس استعادة تلك الدولة المسخ التي ضيعت آباءهم نصف قرن من الزمن، ومسخت هويتهم وسلمتهم لقمة سائغة لوحوش باب اليمن في نهاية المطاف.
ولهذا فإن عبدربه منصور هادي كرئيس توافقي كانت جنوبيته هي الركن الرئيس لاختياره، وكانت القضية الجنوبية، ومطالب ثوارها وجماهير الشعب في الجنوب، ومحاولة وأدها، وإطفاء جذوتها، هي الهم الرئيس لمن اختاروه، فكانت حساباتهم مركزة مبنية على هداوة هادي، لكن ما حصل لهم من هادي لم يكن في الحسبان، فمهما قيل عنه إلا أنه غير معادلات كبيرة داخل المنظومة في الشمال بأكملها، فكك معظم مراكز القوى والنفوذ والهيمنة، وخرج من موقع أسره سليما معافى، وعاد إلى عدن وقلب الطاولة على من جعله تحتها، وتغيرت الخارطة السياسية على أرض الواقع، وعاد الإقليم بقضّه وقضيضه داعما ومساندا.
فهل تستوعب قوى الحراك المرحلة لما يعود بالفائدة على الجنوب؟ وهل سيطيح عبدربه بأصنام الحراك التي استرزقت باسم القضية، كما فعل بقوى النفوذ في صنعاء؟.
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا
ويأتيك بالأخبار من لم تزود.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى