عندما يعطس الاقتصاد تصاب السياسة بالزكام

> عياش علي محمد

>
عياش علي محمد
عياش علي محمد
عندما يتكلم الاقتصاد تسكت السياسة، وعندما يعطس الاقتصاد تصاب السياسة بالزكام، وعندما يدمر الاقتصاد تصب اللعنة على اليمن برمته.
منذ عشرين عاماً والاقتصاد لم تفتح صفحاته، وكل ما جرى من تلك السنين حوارات نظرية مكرسة للسياسة ونحي الاقتصاد جانباً، وتجاوزت تلك الحوارات مآسي ما لحق بالجنوبيين واقتصادهم، تعمدوا النسيان، واهملوا شريان تدفق الحياة، وأرادوا أن يذيقوا الجنوبيين ويلاً حتى يسقطوا مسألة المطالبة باستقلال بلادهم، وحتى يظل الجنوب فرعاً للشمال، قاموا بتدمير الاقتصاد الجنوبي ومحو معالمه الاقتصادية وجعلوا السلع المنتجة في الشمال تأتي إلى عدن عن طريق البر، وتناسوا موانئ الجنوب وأطلقوا العنان للشركات الأجنبية تعبث بأسماك الجنوب، يبحث الجنوبي عن سمكة رخيصة يتغذى بها فلا يجدها، هكذا صوروا بأن البندقية ستنتصر على الاقتصاد، فانهزمت البندقية وانتصر الاقتصاد.
اليوم اقتصاد صنعاء قابل للانهيار، والعجز في الموازنة الحكومية تجاوز خمسة مليارات دولار، وإذا أرادوا تغطية هذا العجز فهم بحاجة إلى طباعة نقود تتجاوز هذا الرقم مما يؤدي إلى الانهيار النقدي، فتزيد نسبة النقود عن السلع فتؤدي إلى أمراض التضخم وغلاء الأسعار، وتراجع في قيمة العملة وتردي القوة الشرائية عند الناس، فتزيد نسبة الفقراء في البلاد وسوف تتجاوز معدلاتهم السابقة من 60 % إلى أكثر من 75 % حيث سيتكاثر عدد الذين لا يتحصلون على الوجبة الغذائية الثالثة.
واليمن عاجز حالياً عن أداء دوره الاقتصادي لأنه استبدل نشاطه الاقتصادي بالنشاط (الشحاتي) من خلال إلغاء تسمية وزارة التخطيط والتنمية واستبدالها بوزارة التخطيط والتعاون الدولي، وهذه التسمية لا تعبر عن النشاط التنموي، بل على الأكثر يستخدم التعاون الدولي للشحاتة الدولية.
واليمن عاجز عن تسديد أقساط ديونه وعاجز عن دفع فوائد ديونه وعاجز عن التنمية، ومع ذلك دمّر الاقتصاد الجنوبي، فهل سيبقى اليمن شامخاً برايته ومفتخراً بحضارته بينما رأسه مدفون في تراب التخلف، إن لعنة الاقتصاد المدمر الجنوبي ستلاحقه إلى آخر ساعة في حياته.
وهذه ساعته الأخيرة وهي الساعة المحددة قبيل الانهيار، ونحن لا نود أن نصل إلى مرحلة الانهيار، لأن الانهيار الاقتصادي سيؤدي إلى الدولة الفاشلة وبعدها الحرب الاهلية، كما أشار إلى ذلك السيد جمال بنعمر في خطابه المكشوف في رواق مجلس الأمن الدولي.
لقد حاولت في عدة مقالات سابقة في صحيفة «الأيام» العزيزة على قلوبنا، وحاولت عبرها أن ألفت انتباه المشاركين في مؤتمر الحوار الوطني إلى ضرورة البدء بالحوار الاقتصادي لأنه الحوار الوحيد الذي لا يجد من ينتقده أو يقاومه أما السياسة فهي معجونة بالنقد والاعتراض ولن يخرج المتحاورون بشيء يساعد على استقرار البلد ونموه.
وكان حكماء الصين قد أعطوا أمثلة حية عن كيفية إيجاد الاستقرار السياسي، فعملوا بالإصلاحات الاقتصادية أولا، فازدهرت الصين ووصلت اليوم إلى المرتبة الاقتصادية الثانية في العالم، وبدأت التنمية في الصين عن طريق تشغيل (الموانئ) وأجلت مسألة الإصلاحات السياسية حتى عام 2025م، أما الذين هرولوا بالبدء بالحوارات السياسية فقد أصابتهم مصيبة الانهيارات والتأخر الاقتصادي.
اليمن يسير نحو المصير المجهول ومؤشراته مخيفة، فانسحاب سفارات عدد من الدول العظمى والأوروبية والدول الخليجية قد يؤدي باليمن إلى الانعزال السياسي ثم الاقتصادي، ومن ثم انعدام الاستقرار الأمني والسياسي وبعد ذلك ستكون اليمن على مرمى حجر من الانتحار.. وعساكم ما تشوفوا شر!.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى