الاستثمار و الاستحمار

> محمد بالفخر

> في كل بلاد العالم تراهن الحكومات والمنظمات والمؤسسات الوطنية على بناء الإنسان والاستثمار فيه، فتتسابق على تقديم أفضل الخدمات التعليمية والبرامج التأهيلية إيمانا منها أن الإنسان هو الثروة الحقيقية لتحقيق أي نهضة لأي بلد.
في العالم الحر الذي يحترم آدمية الإنسان يصنعون من المعاقين ذهنيا مخترعين ومبتكرين، ومن أصحاب الإعاقات البدنية مهرة ومبدعين وأرباب إنجازات.
أما في عالمنا العربي الذي ابتلي بالأنظمة القمعية الفاسدة على اختلاف درجات فسادها فكان همها الوحيد هو تدمير الإنسان، فنجد تعليما يتجه من سيئ إلى أسوأ ومعلما غير كفؤ في إدارة الصف ومناهج خالية من المعلومات والطرح المطور وصولا لأبنية لا تمت بصلة لما يمكن أن يسمى فصولا دراسية.
كم يؤلم النفس ويحزن القلب حين تقرأ أو تطلع على إنجازات الغرب وبعض الدول الأخرى في مجالات التعليم، خاصة التعليم ما قبل الابتدائي مرورا بالمراحل الابتدائية صعودا لبقية المراحل، وكيف أن هم الجميع بناء العقل البشري.
نجد مؤسسات حقيقية تعنى بتطوير المواهب ومساعدة من يمتلكون مهارات في صقل مهاراتهم والخروج بنتائج على الواقع لا مجرد دورات تبيع كلاما لا يملأ عقلا ولا يحرك ذهنا، وحين تقارن وضع بلدك المزري في هذا الجانب تجده كبقية الجوانب التي يصر صناع القرار في أوطاننا على استغباء عقلية المواطن العربي.
لكن لا غرابة في ظل أنظمة فاسدة وحكومات فاشلة أن يكون همها هو استحمار المواطن العربي ليظل وعاء فقط يتلقى ما يصبون فيه من أكاذيب السلطة وترهات الحكام والزعماء.
ويتجلى هذا العبث في عقول النشء والشباب العربي في الأنظمة الأكثر فسادا والأكثر جهلا والأشد طغيانا.
في حين قد نرى بعض الأمل في بعض البلدان العربية ولو جاء بجهود شعبية وطنية صادقة لمواجهة التجهيل المتعمد وإنشاء أجيال أقصى ما تعرفه من العلم حروف الهجاء، وجل ما تفهمه من الإنجاز كتابة واجبات المعلم لينجو من عقاب محقق، أما الإبداع وتحرير الفكر من القيود التي تعيق تطوره فلا يعرف منها أي شيء.
التجهيل المتعمد للعقول البشرية في الوطن العربي جريمة تضاف لجرائم الطغاة في حق المواطن العربي يصنعون به تلك المجموعات التي لا تفهم لغة العقل بل لغة القتل وحمل السلاح ثم يسخّرون مقدرات البلاد لمحاربتهم، يقتل في طريق حربهم الكثير من الأبرياء، وتدمر البنى التحتية لتلك البلاد ويظل الوطن يعاني.
العالم الغربي لا يهمه البشر بقدر ما تهمه مصالحه، لذلك فإن يتطور العقل العربي فهذا ـ كما يظن ـ كارثة ستحل به يعمل جاهدا لدعم أنظمة تحارب شعوبها سواء حرب سلاح أو حرب اقتصاد أو حرب فكر وعقل، وبالتالي يعتقد أن هذا يضمن له بلادا عربية تعيش صراعات داخلية لا تفكر بحال خارج حدود الوطن وفق احتياجاتها اليومية وتوفير ما تحفظ به حياة الفرد من مأكل ومشرب، وهذا العالم الماكر لا يعلم أن مشاكل الجهل وما سيواجهه العالم من مصاعب ستكون أكبر بكثير من المشاكل التي كان سيواجهها من شعوب متعلمة مثقفة مشغولة بتطورها التقني والفني والاقتصادي.
إننا بحاجة لوقفات جادة في مجال بناء الفكر العربي الذي به سنواجه كل مشاكلنا من تطرف جماعات وطغيان أنظمة وتسلط قوى خارجية، يكفينا استحمارا للعقل العربي فقد جرّ على أوطاننا الويلات أكثر مما جرّته المجاعات والكوارث الطبيعية.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى