حقوق المرأة .. قراءة بين نظامين

> د. أسمهان العلس

>
د. أسمهان العلس
د. أسمهان العلس
اللافت للأذهان أن حقوق المرأة تراجعت في اليمن على الرغم من تزايد الدعم الدولي والاهتمام العالمي بأشكاله المختلفة لهذه الحقوق، والمتمثل بصدور العديد من الاتفاقيات المنظمة لحقوق المرأة، وانعقاد المؤتمرات الدولية، وارتفاع آليات العمل المختلفة الداعية لدعم هذه الحقوق. والواقف على حقيقة هذا الواقع لا يمكنه أن يفهمه بمعزل عن السياق السياسي لهذه البلاد، قبل الوحدة اليمنية وبعدها.
ولعلنا لا نجافي الحقيقة التاريخية إذا ما أكّدنا أن تمتع المرأة الجنوبية بحقوقها العامة قبل عام 1990 لا يخرج بعيدا عن كونه جزءا من هوية ذلك النظام السياسي في عدن المؤسس من 1967 حتى 1990، وذلك باعتبار أن الأنظمة الوطنية العربية المؤسسة منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية كانت تعتبر المرأة في بلدانها جزءا مؤسسا لأنظمتها الوطنية التحررية، وبالمقابل تمتع النساء بحقوقهن السياسية يأتي من اعتبار تلك الحقوق ملمحا مهما من الملامح العامة المحددة للهوية الوطنية لهذه الأنظمة، والنظام الوطني التحرري في عدن يعد واحدا من أبرز هذه الأنظمة.
في هذا الاتجاه قفزت المرأة الجنوبية إلى قمة الهرم الوظيفي، وتصدرت مركز القرار السياسي، وفتحت أمامها فرص التساوي مع الرجل في حقوق التعليم والعمل والحق السياسي العام، وتفردت هذه المرأة باحتلال مركز الصدارة في شغل الوظائف القانونية والقضائية، ولم تغلق أمامها كافة الأبواب تحت أي ذريعة ولا تأثير اجتماعي أو عقائدي، وأصبح الحكم الرئيس لهوية ذلك النظام هو مصداقية تعامله مع حقوق المرأة.
ولتعزيز ذلك النهج كانت القوانين المنظمة لتلك الحقوق هي الفاصل في هذا المجال، وجاء قانون الأسرة تعزيزا للضوابط السماوية في تنظيم الزواج وحفظ حقوق الزوجة والمطلقة والأطفال في عزف متجانس بين حقوق كل الأطراف، وذلك في قراءة متكاملة وناضجة لتعاليم كتاب الله (القرآن الكريم): {وآتوا اليتامى أموالهم ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم إنه كان حوبا كبيرا وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع وإن خفتم ألاّ تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك كان أدنى ألاّ تعولوا}.
واختلف الوضع تماما بعد عام 1990، وعلى الرغم من إعلان اليمن النهج الديمقراطي، حيث تعد التعددية السياسية وحقوق الإنسان أقوى ركائزه، فقد تمّ التنازل عن قانون الأسرة بكل مضامينه الحقوقية للمرأة التي كانت تعد مكسبا فريدا على مستوى البلاد العربية. ومنذ ذلك العام، وبدلا من العمل بالقوانين التي ضمت بنودا صماء خرساء لحقوق النساء، تمّ الاحتكام إلى العرف والعادات الاجتماعية في ضبط إيقاع السلوك العام تجاه قضايا المرأة، وأصبح نافذا في اليمن مصطلح العيب وضد الأعراف عند المطالبة بممارسة المرأة لحقوقها العامة، وغدا الحد الأدنى من الحقوق الممنوحة للمرأة مجرد تزيين للنظام السياسي في هذه البلاد.
في مقابل ذلك تزايد عدد المنظمات المعنية بحقوق المرأة وكثر توقيع اليمن للعديد من الاتفاقيات والمشاركة في المؤتمرات الداعية للمساواة، وظلت المرأة تدور منذ انعقاد مؤتمر بجين في عام 1995 وحتى 2015 في دوامة البيانات المليئة بالشعارات الفارغة من آليات التمكين الصحيح للمرأة، وخرج مؤتمر الحوار الوطني في العام الماضي بالدعوة إلى ضمان التمثيل النسائي في مواقع القرار بنسبة 30%، وهو جوهر التوصية التي تضمنها مؤتمر بيجين في عام 1995، وكأن اليمن لم تنفذ شيئا من عام 1995 حتى اليوم.
هذه القراءة لحقوق المرأة بين نظامين يعزز لدينا الرؤية باستيعاب حقيقة غير قابلة للنقاش مفادها: أن النظام السياسي حاضن أساسي لحقوق المرأة، وأن تمتع المرأة بالحقوق العامة هو تعزيز للنهج الوطني لأي نظام سياسي، وما جاء به نظام ما بعد الوحدة إنما هو اغتيال واضح لحقوق النساء، مثلما اغتيلت مقدرات الجنوب وقدراته البشرية والمادية بعد تلك الوحدة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى