الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها

> يحيى عبدالله قحطان

>
يحيى عبدالله قحطان
يحيى عبدالله قحطان
إن الوقوف أمام المشهد السياسي في اليمن وتداعياته الكارثية يتطلب من جميع الفرقاء علاج ذلك بإشاعة ثقافة التصالح والتسامح والتوافق، والاحتكام إلى التحاور والتفاوض واحترام الرأي والرأي والآخر، وقبول التعايش مع الآخر مهما اختلفت الرؤى وخياراتنا الوطنية.
وعلى الجميع أن يدرك أن الحوار مع المختلف معهم خاصة في القضايا الساخنة يعد ذلك وسيلة إسلامية وحضارية يباركها المنهج القرآني والهدي النبوي، وهو الخيار الأفضل والأسلم، والبلسم الشافي لجراحنا ومظالمنا وشتاتنا، بدلا من مجابهة المعارضين بالعنف والعنف المضاد، وسفك الدماء والتقطع والخطف وتكفير وتخوين وإقصاء بعضنا بعضا، وبدلا من إخافة السبيل وإذكاء نار الفتن والحروب الأهلية، والله المستعان.
كما أن التعاطي مع قضايا شعب الجنوب المطلبية والحقوقية والسياسية والمصيرية لايكون باستعمال العنف والتقتيل والتنكيل والتشريد والسجن من قبل الجيش والأمن المركزي، وتحت علم الوحدة المغدور يها، كما هو حاصل اليوم في ردفان والضالع وبقية المحافظات الجنوبية، ونقول لمن دأبوا على تعميد الوحدة بالدم والقتل وقتل الوحدة فعلا برفع شعار الوحدة أو الموت كيف يكون ذلك ورسولنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم يرشدنا “لحرمة المسلم عند الله أعظم من حرمة الكعبة، ولهدم الكعبة حجرا حجرا أهون عند الله من سفك دم امرئ مسلم”، فهل الوحدة الاندماجية الفاشلة التي تمت بين كيانين ونظامين عام 90م أعظم عند الله من حرمة الكعبة المشرفة التي أشار إليها رسولنا الكريم، ما لكم كيف تحكمون؟.
ولاريب أن ما نشاهده اليوم في اليمن من صراعات مقيتة وصدامات دامية، وتعصبات حزبية ومناطقية ومذهبية وطائفية منتنة، واغتيالات انتحارية وتفجيرية هنا وهناك، ومن قتل يومي في صفوف المواطنين والمسؤولين والجيش والأمن، كل ذلك يحرمه ديننا الإسلامي الحنيف، ويحرم كل ما يقوض السكينة العامة والسلم الاجتماعي، ويمزق أواصر النسيج الاجتماعي، ويدفع باليمن - شمالا وجنوبا - إلى شفا جرف هار، وإلى فتن كقطع الليل المظلم والعياذ بالله، تدع الحليم فيها حيرانا.
ونذكر أن الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها، ورحم الله من أخمدها، جاء في الخبر (إذا أراد الله بقوم سوءا سلب ذوي العقول عقولهم حتى يقضي الله أمره)، ومعلوم أن لله في هذا الكون خزائن ولهذه الخزائن مفاتيح (فطوبى لمن كان مفتاحا للخير مغلاقا للشر، والويل لمن كان مفتاحا للشر مغلاقا للخير).
لذلك فإن الواجب الديني والوطني يستوجب على العلماء والحكماء والمشايخ وعقلاء اليمن، وكل من يؤمن بالله واليوم الآخر الالتزام بإصلاح ذات البين، ودرء الفتن وحقن دماء اليمانيين، ورفع الظلم عن المظلومين والمستضعفين وتحقيق العدل الاجتماعي، ومبدأ الإطعام من جوع والأمن من خوف، وتقليم أظفار المتنفذين والمترفين والفاسدين، الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون، والالتزام بمبدأ التحاور والتفاوض والتصالح والتسامح، تطاوعوا ولاتختلفوا، بشروا ولا تنفروا، يسرو ولا تعسروا، تحاوروا ولا تتقاتلوا، تسامحوا ولا تتباغضوا وكونوا عباد الله إخوانا، ولنصرة قضايا أمتكم العادلة أعوانا، فالمسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ولا يخذله، كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه.
ونعتقد أمام هذا المشهد المأساوي الذي تمر به بلادنا اليوم أن يلتزم الجميع بما يلي:
1 - على جميع الفرقاء العودة إلى طاولة الحوار والتفاوض مع كل الأطراف بدون استثناء، وأن يكون ولاء الجميع لله عز وجل أولا وأخيرا، متحررين من الارتهان الخارجي، ومغلبين المصلحة العليا للأمة على المصالح البرجماتية الذاتية والفئوية والحزبية والمذهبية، وأن يعمل الجميع على عقد صلح عام، وتحريم تكفير وتخوين وقتل وإقصاء بعضنا بعضا، ووقف التصعيد الإعلامي والمناكفات والمكايدات والهمز واللمز والتنصت والتجسس ضد بعضنا بعضا، ومنع الانزلاق باليمن شمالا وجنوبا إلى حروب أهلية وفتن كارثية تنفيذا لأجندة خارجية.
أرى تحت الرماد وميض نار *** وأخشى أن يكون لها ضرام
فإن لم يطفها عقلاء قومي *** يكون وقودها جثث وهام
فإن النار بالعودين تذكى *** وأن الحرب أولها كلام
كما يجب العمل فورا على إطلاق سراح المساجين الجنوبيين، وأصحاب الرأي ورفع الإقامة الجبرية عن المسؤولين، وإطلاق سراح المختطفات المحارم والكرائم الحرائر، أختنا في الإنسانية (ايزابيل) الفرنسية وبنتنا الحرة اليمنية العدنية (شيرين) حفيدة المناضل الكبير الأستاذ عبدالقوي مكاوي طيب الله ثراه وأسكنه فسيح جناته، وسيظل اختطاف وترويع النساء الحرائر المحصنات والمستأمنات وضيوف اليمن وصمة عار في جبين كل يمني حر شريف، والله المستعان.
2 - يجب حل القضية الجنوبية حلا عادلا، وبما يرضي شعب الجنوب، عبر حوار ندي ومتكافئ بين الجنوب والشمال، ومنح الجنوب الحق الشرعي في تقرير المصير، وبإشراف إقليمي ودولي.
كل ذلك هو السبيل الوحيد الذي يزيل ما علق في نفوس الجنوبيين من احتقان مجتمعي بسبب الظلم والقهر والإقصاء والحرمان الذي تعرضوا له منذ حرب 94م المشؤومة وحتى يومنا هذا، هذه الحرب الظالمة التي ألغت الوحدة والمعمدة بفتوى تكفير الجنوبيين واستباحة دمائهم وأموالهم وأعراضهم، ونهب مساكنهم وثرواتهم وأراضيهم (كفيد وغنائم)، مؤكدين أن منح شعب الجنوب حقه الشرعي في تقرير مصيره بالطرق السلمية والديمقراطية سيعزز الأخوة في الشمال والجنوب ووشائج القربى والاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، ويرسخ أيضا الأمن والاستقرار والتعايش السلمي على المستوى المحلي والإقليمي والدولي، والله المستعان.
“يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون، واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب”.. اللهم جنب بلادنا الفتن والمحن والحروب والأزمات ما ظهر منها وما بطن.. اللهم آمين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى