ضحايا الفعل السلبي

> محمد بالفخر

> تجلس في مكان عام قد اشتعل بدخان السجائر فيصيبك المرض وتتأذى وأنت لا تدخن!.
تعاني كغيرك من بسطاء الشعب من الفقر والبطالة وتراكم الديون وعدم تساوي دخلك مع أسعار السوق، وتعرف من يسبب معاناة شعب بأكمله!.
تفقد حياتك أو حياة من يعز عليك، تصاب أو أحد أفراد عائلتك بإعاقة بسبب طبيب مهمل أو يجهل أبسط أساسيات عمله مع أنك شرحت له مرضك بالتفصيل!.
تدخل ابنك للمدرسة منتظرا أن يخرج وقد صقل ذكاؤه وتطورت مهاراته فتفاجأ أنه تحول طفلا مشاغبا بليدا وقد اكتسب العديد من الصفات السيئة، مع أنك وضعته في مدرسة يفترض أن المعلم يتقاضى راتبا شهريا أو في مدرسة خاصة تنفق عليه ولو فوق قدراتك!.
كل ما سبق يسمى ضحايا الفعل السلبي، أنت شخص لا تدخن ومع ذلك يأتي من يدخن بجوارك ويزعجك ويتسبب بمرضك وتبقى صامتا، فأنت تشارك في تدمير نفسك لأنك تتصرف بسلبية وتصمت وغيرك مثلك يصمت، فتصبح ضحية للفعل السلبي.
تذهب لطبيب يسيء التعامل معك ويتسبب بمعاناتك أو يقتل أحدا من أهلك أو معارفك بإهماله وسوء تشخيصه فتصمت وتكتفي بالبكاء وتوديع من فقدت أو البحث عن مكان آخر لمحاولة معالجة ما أفسد الطبيب الفاشل، ولم تفكر بمقاضاته أو تغريمه ومعاقبته، فيتعظ غيره، أنت ضحية الفعل السلبي.
تعلم أن المدرسة التي اخترتها لتعليم طفلك وتهذيبه لن تقدم له شيئا وتشاهد بعينك أن المعلم الذي يفترض أن يشكل عقلية طفلك لا يحسن التعامل معه ولا يقدم له شيئا، وأن المدرسة أشبه بحانوت تحنط فيه عقول التلاميذ، فتصمت، وتكتفي بأن يحفظ ابنك حروف الهجاء، أو تبحث له عن مكان آخر، فأنت وغيرك ضحية الفعل السلبي.
وهذا ينطبق تماما على وضع بلداننا، فالصمت والقبول بالموجود والرضا بنظام تسيير أوطاننا جعل من الأنظمة تستبد على شعوبها وجعلهم يظنون أنهم وصلوا مرتبة الألوهية، فلا يجب أن يحاسبهم أحد ولا يفترض أن ينتقدهم بشر، ولو كانت الشعوب من زمن ليس بالقريب واعية بحقوقها ومدركة واجبها في الردع والوقوف بوجه الظلم والفساد مهما كلف الأمر لما آلت الأمور إلى ما هي عليه الآن، ولكانت الضحايا أقل بالكثير الكثير ممن يسقطون اليوم لأجل التغيير والإصلاح.
لو لم يوجد في المجتمع ذلك الكم الهائل من البشر السلبيين الذين يرضون بالنتائج مهما كانت سلبية لما تفاقمت مشاكل الناس ولما استفحل الفشل واللامبالاة في كل مناحي حياتنا، فمن أمن العقاب أساء العمل.
الفعل السلبي قاتل، قد يفوق قتلى الحروب، والصمت عن الخطأ والعفو عن المخطئ تحت مسمى ومن عفا وأصلح أو تحت ذريعة الحياء أو بدواعي الكسل والخوف كلها أمور أورثتنا خدمات رديئة واستهتارا بحقوق البشر ومجتمعا مريضا وجيلا جاهلا فاشلا.
متى نتعلم من الغرب الذين لا يمتلكون ما يمتلكه المسلم من قيم وأخلاقيات أنه كما تطلب حقك فعليك تسديد واجبك، متى نتعلم منهم أن المخطئ يقاضى ويعاقب، ربما لو تحول الناس من الفعل السلبي للرد الإيجابي لما كثرت الحوادث المأساوية التي نسمع عنها أشدها الموت وأقلها قتل المواهب وتجميد العقول.
متى تتعلم مجتمعاتنا معنى الحقوق والواجبات، وكيف نتحول من السلبية، ابتداء من حياتنا الخاصة إلى تفاعلنا في المجتمع كأفراد يفترض أن نكون فاعلين. متى نتعلم؟!.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى