> أحمد ناصر حميدان

أحمد ناصر حميدان
أحمد ناصر حميدان
سبب رئيس من أسباب استفحال أزمتنا السياسية، وأزماتنا الاجتماعية، السعي بالفتنة بين الناس التي حذرنا منها رب العالمين فى كتابه العزيز حيث قال: “الْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ”. وقال: “وَالْفِتْنَةُ أَشَدّ مِنَ الْقَتل”، باعتبار أن الأثر المترتب على الفتنة جماعي، فالقتل يقع على شخص أو أشخاص محصورين وإن كثر عددهم، بخلاف الفتنة فإن أثرها قد يمتد إلى أناس لا ناقة لهم ولا جمل، وقد يتدحرج حتى يتجاوز حدود الزمان والمكان، فيتخطى حدود دولته الجغرافية، وتتوارثه الأجيال، وقد صدق رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم فى كل ما قال ومنه “إنَّ العبد ليتكلّم بالكلمة - مِنْ رضوان الله - لا يُلْقِي لها بالاً، يرفعه الله بها في الجنة، وإن العبد ليتكلم بالكلمة - من سَخَط الله - لا يُلْقِي لها بالاً، يهوي بها في جهنم”.
اليوم الوطن يتعرض للفتن ما ظهر منها وما بطن، وكل من يروج للعنف ويشرع للقتل واستباحة الدماء فهو فتنة، وكل من يزعم أنه يحارب الإرهاب خارج إطار النظام والقانون فتلك فتنة، كل من يغيب الدولة ويستبدلها بمليشيات ومسلحين لا سلطة لدولة ولا نظامها ولا قانونها عليهم هي فتنة، كل من يستثمر دماء الأبرياء ضد خصومه السياسيين لتحقيق غايات خاصة أو تشكيل ضغط سياسي على خصومة فهو فتنة، كل من يستولي على الإعلام والمؤسسات ويسخرها لطرف بعينه دون غيره ويشتم ويشيطن الخصوم ويتهم ويجرد خصومه من وطنيتهم ومصداقيتهم هي فتنة.
كل حياتنا اليوم عبارة عن فتن، هنا وهناك، الكل يرمي بالعيوب على الآخر ويرى ذاته منزها وطنيا شريفا نظيفا ويرى غيره متآمرا عدوا فاسدا إرهابيا، إنه جنون، يفخخون الوطن بمزيد من الأزمات والفتن والحقد والضغائن، البعض من المتعصبين لطرف دون آخر تجدهم مشبعين بالكراهية والصور المغلوطة والمشوشة ضد الخصوم، أي الطرف الآخر، وكأنهم أعداء وحوش مستعمرون لابد من قتلهم واجتثاثهم وحرقهم وكأنهم ورم سرطاني خطير عليهم استئصاله.
لا توجد روح التسامح والقبول والبحث عن ثغرات الفراق والتنافر لتجنبها، لا توجد مصداقية في البحث العلمي الدقيق والصادق للقضايا المضرة والمسيئة، أسبابها وتداعياتها والتوافق على الكيفية السليمة لمعالجتها أو محاربتها ورص الصفوف لذلك، بل كل له رؤيته وأساليبه وطرقه، وعليه أن يفرضها على الآخر، وكأن الآخر تابع وليس شريكا، ولا بد أن يخضع، متناسين أن الوطن للجميع، وهم شركاء فيه بالسراء والضراء.
اليوم هناك من يعلن التعبئة العامة، وآخر يعلن التجنيد للحرب ضد بعض ونهب أسلحة القوات المسلحة والاستيلاء على المعسكرات ونهب المؤسسات والفوضى والتخريب ثقافة دخيلة علينا في الجنوب ونرفضها في الشمال.
قلنا ونكرر، الإرهاب استئصاله يحتاج دولة عادلة وضامنة للحريات والحقوق وإصلاح إستراتيجية التعليم والاهتمام بالثقافة والإبداع والفنون والرياضة، دولة تهتم ببناء الإنسان وترسي الحب والتسامح والسلام والوئام، تنتزع من النفوس التوحش والعنف والكره والحقد، تطهر القلوب وتبني وطنا مدنيا، وتحتوي المليشيات لتتلاشى تدريجيا من الوسط الاجتماعي والتمترس السياسي ليكون القانون هو الفاعل على الأرض.
من ذلك نطالب الجميع أن يحذروا الفتن التي تحاك لهم جميعا في هذا الوطن العزيز على قلوبنا جميعا، وعليكم أن تحافظوا عليه وتصونوه ولا تفرطوا بكرامته وعزته وشرفه وسيادته، ولا يمكن أن يحدث ذلك دون وحدة الصف والكلمة والروح الوطنية العالية التي تدفن وتدوس على كل روح صغيرة طائفية مذهبية عرقية مناطقية في قاع النفس، لا تجعلها تعلو أو تتفوق على الروح الوطنية العليا ولا تتصدر المشهد السياسي أو الاجتماعي أو الثقافي، بل الوطن هو في قمة اهتماماتنا.