هل تحسن وضع التعليم في عدن؟

> تقرير/ نايف محمد حيدرة

> تأثر التعليم كغيره من القطاعات الأخرى كثيرًا بالأوضاع التي تشهدها البلد، وخصوصا بالحرب التي جاءت كمحصلة للصراع السياسي الدائر في اليمن الذي لم يبدأ بسقوط أول قذيفة في مارس 2015م، بل يعود هذا الصراع إلى أكثر من عشرين عاما من الاضطراب السياسي. فقد خلّف هذا الصراع بلدا فقيرًا ينخره الفساد الذي انعكس سلبًا على جميع المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية.
إن واقع التعليم في البلد، وفي عدن خصوصا، يعد أحد الانعكاسات السلبية للوضع العام في البلد. فمشاكل التعليم في عدن تكاد تكون متطابقة مع مشاكل التعليم في اليمن عمومًا، وهي لا تخرج عن دوائر مشكلات الالتحاق والجودة والإدارة وانفتاح نظام التعليم على مجتمعه المحلي. وعلى الرغم من أن عدن تمتعت في فترات سابقة بسجل تعليمي جيد مقارنةً مع الدول الأخرى في شبه الجزيرة العربية، إلاّ أن إحدى الدراسات التقييمية التي قامت بها إحدى المنظمات الدولية لتشخيص واقع التعليم الأساسي في عدن بعد فترة الحرب الأخيرة (أجري التقييم في يناير 2016، وشمل عينة من مدارس التعليم الأساسي في ست مديريات من محافظة عدن) وجدت بأن هناك طفل من بين كل خمسة أطفال من هم في سن التعليم يكون خارج المدرسة، هذا بالإضافة إلى المشاكل الأخرى التي انعكس ضررها على جودة التعليم في مدارس المحافظة، مثل مشكلات انقطاع وغياب المعلمين، نقص الكتاب المدرسي، ازدحام الصفوف الدراسية بالتلاميذ، عدم استكمال المقررات الدراسية، وإهمال الأنشطة اللاصفية والترويحية التي تسهم في تعزيز بيئة التعلم عن طريق جذب الأطفال إلى المدرسة وبقائهم فيها لإكمال مراحل التعليم.
كما سلطت الدراسة الضوء على مواطن الخلل في الإدارة التعليمية. على سبيل المثال، لوحظ إهمال الإدارة التعليمية في المديريات والمحافظة، تفعيل نظام لمتابعة وتقييم المدارس، حيث إن مثل هذا النظام سوف يساعد تلك الإدارات على فهم المشكلات التعليمية الحقيقية، وأداء وظائفها الجوهرية، كما سيساعدها على إدراك أهمية حصولها على نظام معلوماتي للإدارة التعليمية يكون أكثر موثوقية ويزودها ببيانات حديثة تساعدها على اتخاذ قرارات صائبة وذات صلة بالتعليم، ويعزز لديها القدرة على المحاسبة. وهذا في مجمله يشكل مدخلًا عقلانيًا لتحسين نظام التعليم في المحافظة.
ولم تغفل الدراسة أهمية الشراكة (Partnership) والمشاركة المجتمعية (Community Participation) في التعليم لما لها من دور حيوي يصب في صالح الأطفال وتعلمهم.
وضمن هذا السياق، لا ينبغي أن ننسى بأن الحكومة اليمنية قد ألزمت نفسها بتقديم تعليم إلزامي ومجاني للأطفال من سن ست سنوات إلى أربع عشرة سنة عن طريق تبنيها لإستراتيجية وطنية لتطوير التعليم الأساسي (2003 - 2015)، والذي كان أحد أهم أهدافها هو زيادة معدل الالتحاق الوطني بالتعليم الأساسي إلى (95 %) للأطفال بين سني (6 - 14) بحلول عام 2015م، إلاّ أنه في محافظة حضرية مثل عدن التي تمتعت سابقا بسجل تعليمي جيد، قد فشلت الجهود في تحقيق هذا الهدف الذي نصت عليه الإستراتيجية. ففي العام الدراسي 2012 – 2013م كان معدل الالتحاق في التعليم الأساسي في عدن 85 % للبنين و74 % للبنات بفارق بين الجنسين يبين بأن هناك حوالي عشرين ألف فتاة في سن التعليم هن خارج المدارس في عدن. ومرجع هذا الخلل في تقديرنا يقودنا إلى الاعتراف بأن هناك جهود كبيرة بذلت في تطوير السياسات على المستوى الوطني لم يرافقها اهتمام بتنفيذ تلك السياسات والخطط على مستوى المحافظات والمديريات والمدارس.
*لمحة سريعة على نتائج الدراسة
1.الالتحاق و بيئة التعلم
- إن إعادة فتح المدارس وعودة الأطفال إليها بعد فترة الحرب قد أسهم بشكل واضح في تعافي الوضع وتطبيع الحياة في عدن وفي وقت قياسي نسبيا. وقد أشارت الدراسة إلى الدور الفاعل للهلال الأحمر الإماراتي في هذا الصدد.
- إن مشكلة وجود أطفال خارج نظام التعليم الرسمي في عدن هي مشكلة تمتد إلى ما قبل الحرب التي اندلعت في مارس 2015م. ففي الكتاب السنوي للمؤشرات التعليمية، الصادر من مكتب وزارة التخطيط والتعاون الدولي في محافظة عدن للعام الدراسي 2012م – 2013م، حدد بأن هناك (32203) أطفال في سن التعليم هم خارج المدارس (منهم 12528 بنين، و19675 بنات). ونتيجة لافتقار المؤسسة التعليمية في عدن لبيانات محدثة في فترة إجراء الدراسة، فإن أعداد الأطفال الذين هم خارج المدرسة يتوقع بأن يزداد عمّا كان عليه سابقا نتيجة تدهور الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية بسبب الأزمة.
كما أكد المشاركون في المجموعات البؤرية من الأطفال وأولياء الأمور وجود أطفال في مجتمعاتهم المحلية التي استهدفتها الدراسة، لا يذهبون إلى المدرسة، وحددوا بأن معظم هؤلاء الأطفال ينتمون إلى الطبقات المهمشة والفقيرة والفئات الوافدة مؤخرا من خارج المحافظة. وأجمل الآباء والأمهات الذين شملتهم الدراسة أسباب عدم التحاق أولئك الأطفال بالمدارس في الآتي: الفقر، التهميش، تدني مستوى الوعي بأهمية التعليم وتهميش قيمته الاجتماعية، الزواج المبكر.
أما فيما يتعلق بغياب التلاميذ، وجد أن 14 % من التلاميذ المسجلين في مدارس العينة غير حاضرين يوم زيارة مدارسهم، حيث إن نسبة غياب التلاميذ أكبر من نسبة غياب التلميذات (15 % و12 % على التوالي). كما وجد أيضا بأن هذه النسبة تزيد في المدارس التي تقع في أو بالقرب من المناطق المهمشة. وأشار بعض التلاميذ المشاركين إلى أن بعض المدارس لا تقوم بالمتابعة المستمرة والكافية للأطفال المتغيبين لفترات طويلة.

أما فيما يتعلق بالقدرة الاستيعابية للصفوف الدراسية، فإن النظام التعليمي في عدن يواجه تحديًا يتمثل في ارتفاع معدل النمو السكاني السنوي الذي يقدر بـ(3.7 %)، بالإضافة إلى الزيادة السكانية الناجمة عن نزوح أسر من مناطق الصراع المجاورة أو الهجرة الداخلية من المحافظات المجاورة التي تكاد تنعدم فيها الخدمات الأساسية والاجتماعية. بالمقابل هذه الزيادة في عدد السكان لا يقابلها توسع في البنية الأساسية لنظام التعليم في المحافظة.
بالرغم من أن 83 % من مدارس العينة تعمل بنظام الفترتين الدراسيتين (الصباحية والمسائية)، إلاّ أن مشكلة محدودية الطاقة الاستيعابية للصفوف الدراسية لا تزال تثقل كاهل الإدارات المدرسية والمعلمين، وتؤثر سلبا في تحصيل التلاميذ. ويعلق أحد المشاركين من الإدارات المدرسية المشمولة بالدراسة قائلًا: “كيف يتسنى لنا الاهتمام بالأطفال الذين هم خارج المدارس والعمل على إعادة إلحاقهم في حين أن مدرستنا بالكاد تستوعب أعداد الأطفال المقيدين فيها؟!”.
في حين أن اللائحة المدرسية الصادرة من وزارة التربية والتعليم تنص على أن متوسط عدد التلاميذ في الصف الدراسي لا ينبغي أن يتجاوز (40) تلميذا للصفوف (1 - 4)، و(45) تلميذا للصفوف (5 - 9)، إلاّ أن عينة الدراسة أظهرت بأن متوسط عدد التلاميذ قد بلغ (68) تلميذا في الصف للصفوف (1 – 5)، حيث إن أعلى عدد للتلاميذ في الصف الواحد قد تجاوز 100 تلميذ في بعض المدارس، ويقل عن 40 تلميذا في البعض الآخر.
من منظور آخر، وجد أن 72 % من المدارس تشكو من زيادة عدد التلاميذ في الصف الواحد، بينما 11 % فقط تجد بأن العدد مناسب لحجم الصف، و17 % من مدارس العينة وجد فيها عدد التلاميذ أقل من طاقة الصف الدراسي. وهذا بدوره يشير إلى وجود خلل بسيط في توزيع المبنى المدرسي، وتوزيع التلاميذ.
بما أن معظم المدارس تقع في مناطق مأهولة بالسكان فإن مخاطر انتقال الأطفال عبر مسافات طويلة أو تعرض سلامتهم للتهديد في أثناء الانتقال من وإلى المدرسة تكاد تكون معدومة. إلاّ أن بعض الأطفال وأولياء الأمور عبروا عن مخاوفهم من اندلاع بعض الاشتباكات غير المتوقعة أو وقوع بعض الحوادث الأمنية. كما أن مخاطر الرصاص الراجع الناتج عن الاستخدام العشوائي للسلاح يمثل خطرًا حقيقيًا للأطفال. كما لوحظ أيضا أن جميع المدارس ليس لديها خطة مكتوبة تحدد الإجراءات التي ينبغي اتباعها في حالات الطوارئ.
2.التعليم والتعلم
عبر معظم المعلمين عن عدم رضاهم الكامل عن جودة التعليم الذي يتلقاه التلاميذ في المدارس العامة، فهم يرون أن نسبة كبيرة من التلاميذ يكملون مرحلة التعليم الأساسي دون أن يمتلكون المستوى المتوقع منهم في إجادة المهارات القرائية والحسابية والحياتية الأساسية.
كما أشار بعض المعلمين إلى أن الثقافة الجديدة الوافدة خلال العشرين عاما الأخيرة والتي أثرت أيضا على النظام التعليمي جعلتهم يشعرون بأنهم يقدمون الدروس للتلاميذ لتمكينهم فقط من اجتياز الاختبارات، لا لتغيير سلوكهم وإكسابهم المهارات والمساهمة في بناء شخصياتهم.
كما عبر المعلمون عن شكواهم من كثافة المقررات الدراسية وكثافة المادة المعرفية، وإهمال تدرج البناء المعرفي عند تطوير الكتب الدراسية لبعض المواد.
من الملاحظات الإيجابية التي رصدها التقييم هي استخدام المعلمين الوسائل التعليمية في تنفيذ دروسهم، مع التأكيد بأن معظم تلك الوسائل قام المعلمون بصنعها بأنفسهم من مواد البيئة والسوق المحليين.
عادة ما يشكل نقص الكتاب المدرسي عائقا أمام المعلم والتلميذ عند بداية العام الدراسي، ويتم التغلب على هذه المشكلة عن طريق التشارك في نسخة واحدة من الكتاب بين تلميذين أو أكثر، أو عن طريق النسخ الضوئي للكتب محليا.
إن انتشار المدارس الأهلية في المحافظة (التي خففت العبء على المدارس الحكومية) بصورة ملفتة وبلوغ عددها ما يقارب من سبعين مدرسة قد يفسر بأنه مؤشر لعدم الثقة بالمدارس الحكومية العامة، وخصوصا عندما يكون الأطفال الملتحقون بها هم من أبناء الأسر متوسطة الدخل.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى