قصة قصيرة: الصياد الفريسة

> محمد الخضر المحوري

> حمدان شاب عادي، ليس في جعبتي الكثير عنه لأحكيه لكم، وهذا عائد بالطبع لكونه نسخة مكررة لآلاف الحالات التي تصدفكم في حياتكم الاعتيادية الرتيبة.
حنطي البشرة، مدور العينين، وفي التماعتهما، أحيانا لا دائما، تطفو آمال، يواريها بحذر كي لاتلحظ.
حياته الرتيبة اعتيادية، فوق المستوى القياسي، يخدم مع والده في حقل الشيخ فريد في الصباح، وفي المساء يسمح له بالتسكع في الأدغال المتاخمة للقرية، وحد الوقت المسموح له لا يجاوز التاسعة، وأي تأخر سيجني من وراءه لسعتين أو أكثر من هراوة والده الغليظة، أكثر مايثير غيضه ليس تلك الهراوة المستندة بصفاقة على الجدار ذي الطلاء المتآكل، لا ليس هذا ، بل تحذير والده من مغبة الاقتراب من ممتلكات الشيخ فريد.
آآه نسيت أن أخبركم بما ربما يشكل اختلاف من نوع ما في هذه النسخة المكررة، ولا أدري أهي منحة أم محنة، هذه الميزة هي مهارته البالغة في صيد القماري وهوسه المجنون باقتنائها، لا يجرؤ على كسر إرادة والده إلا حين يلمح قمريا يرك على غصن مجاور له، حينئذ يتلبسه هوس عربيد، يجبره على الركض بلا هوادة حتى يحتوي فريسته، تاركا خلفه منجلا ووالدا يكاد يختنق من الغيظ، هذه المرة لم يعد خالي الوفاض كعادته، عدا أن صيده الثمين كان أكبر ممايتوقع، في المساء تقلب في مرقده كموبوء وفي الصباح تقاعس عن الرواح، متحججا بصداع نصفي يثقله عن القيام.
لم تلامس قدما والده الحقل حتى انتفض من فراشه وراح يطالع بشغف ذاك القمري المتهادي بوله في فناء منزل الشيخ.
توالت مراوغته عن الرواح، وبدأ الخوف يدق ناقوسه برتابة وانتظام في صدر والده، لم يواجهه بطرح مخاوفه، كان يدرك براعة حمدان في التملص والمراوغة، فقرر أن يضبطه متلبسا، فكان له ما أراد، ولولت والدته حينها كثكلى، ونفشت كممسوس شعرها، بدأ الأمر بالنسبة لحمدان في غاية البساطة ولا مبرر لهذا الخوف الغامض.
حين أحس والده أن تحركه جاء متأخرا ولم بعد ذا نفعا ، رشق كلماته بتأن قبل انصرافه، قائلا: أخاف أن يأت عليك يوما ما، تصبح فريسة كقماريك.
كان حمدان يعوم في خدر النشوة المارقة للقاءاته، تسلى عقب نزاعه معهم بملاطفة ابنة الشيخ فريد، وعلى بعد خطوات منهما، كان الشيخ فريد يرصد فريسته، وعلى حين غره، أطلق من فوهة بندقيته ثلاث رصاصات، كانت كفيلة بسقوط فريسته، وتسمر والد حمدان كمومياء محنطة، في تلك اللحظة بالذات، ملئت سماء القرية بقماري بائسة، ولا يعلم أحد أكان ذلك احتجاج أم احتفال.
محمد الخضر المحوري

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى