كيف وصف المواطنون والخبراء والتجار قرار تعويم العملة (4) سياسية الصرف المتبعة ليست خفض أو رفع قيمة العملة أمام الشركاء التجاريين بل استقرار صرفها

> تحقيق/ فردوس العلمي

> في هذا العدد تسلط «الأيام» الضوء على أبرز ما ورد في النقاط الورقة الاقتصادية التي قدمها الخبير الاقتصادي النقدي الدكتور محمد عمر با ناجه، الذي لفت إلى جوانب متعلقة بقرار تعويم العملة المحلية، وإلى الخيارات والتقديرات الخاطئة في ضوء المتغيرات الاقتصادية الحاصلة.
أقيمت حلقة ناقش قبل أيام قليلة تتعلق بمناقشة موضوع قرار تعويم العملة بعنوان (الجهاز المصرفي اليمني تحديات الحاضر وآفاق المستقبل).
تناولت الحلقة عددا من أوراق العمل المتعلقة بتعويم العملة، سنتناولها لأهمية ما ورد فيها، وتسليط الضوء على الآثار الناتجة عن قرار تعويم العملة، وتداعيات هذا القرار وأثره على الحالة اليمنية.
يقول أستاذ الاقتصاد النقدي، الدكتور محمد عمر با ناجه، في ورقة العمل المقدمة من قبله: "إن أكثر المسائل الاقتصادية تعقيداً هي مسالة اختيار النظام الملائم للظروف الاقتصادية في مرحلة إدارة التقلبات في أسعار صرف العملة المحلية في سوق الصرف، كون ذلك يتحكم بمتغيرات اقتصادية داخلية وخارجية".
*خطورة الخيارات الخاطئة
يؤكد عمر باناجه في طيات ورقته أن "خطورة الخيارات الخاطئة تكمن في كون العملة المعومة أمام العملات الأجنبية تحد من تنافسية صادرات الدولة، كما أن العملة المعومة بأقل من قيمتها قد تدفع بالمقدرات التنافسية للصادرات في السوق العالمية، وتتسبب برفع معدلات التضخم داخليا".
ويوضح أن "الهدف من سياسية الصرف المتبعة ونظام الصرف المنتقي ليس خفض أو رفع قيمة العملة أمام عملات الشركاء التجاريين، بل استقرار سعر صرف العملة المحلية أمام العملات الأجنبية".
ويضيف: "إن التقديرات الخاطئة في اختيار نظام صرف معين في بلد ما يكون مستجيبا للمتغيرات الاقتصادية في هذا البلد، وتحديداً المتغيرات ذات الارتباط الوثيق بسعر صرف العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، وربما يكون سبباً في خلق عدم الاستقرار وتراجع في عدد المؤشرات على صعيد الاقتصاد الكلي".
*ظروف غير ملائمة
ويشير باناجه إلى أن "مسالة اختيار نظام مصرفي ملائم في الظروف الاقتصادية والطبيعية لأية دولة يعد من المسائل المعقدة التي يفترض أن تراعى عند اتخاذ القرار بشأنها مجموعة من الاعتبارات والمؤشرات الخاصة بهذا الدولة، ومنها مستوى تحرير النظام المالي والنقدي، وكفاءة أداء الجهاز الإنتاجي، وتنوع صادرات البلد وتاريخ التضخم، ومستوى انضباط السوق ودرجة كفاءته في توزيع وإعادة توزيع الموارد".
ويتطرق إلى التجربة التاريخية للبنك المركزي اليمني في إدارة سعر الصرف ما قبل الإصلاحات وما بعد الإصلاحات، قائلاً: "إن الحكومة بدأت من مارس 1995م تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي وضع بالتنسيق مع صندوق النقد والبنك الدوليين ودعمهم المالي والنقدي، وعلى ذلك قدم البنك المركزي على اتخاذ حزمة من الإجراءات المتدرجة في الجانب النقدي هدفت في مجملها إلى تحرير القطاع المالي والنقدي، وتصحيح إدارة سعر الصرف التي كانت تتم قبلها وفق ترتيبات نظم الصرف الثابتة، وبأسعار متعددة رسمي، وسعر جمركي، وسعر دبلوماسي".
وأكد أن "إدارة تصحيح الصرف لم تأت كحاجة فرضتها مؤشرات اقتصادية دلالية، أو حاجة ملبية لتطوير انضباط السوق، وتحسين كفاءته في خلق التوازن بين العرض والطلب على النقد الأجنبية، أو بإعادة توزيع الموارد نحو الاستثمار في قطاع إنتاج الخدمات بدل المضاربة على العملات والأراضي، بل جاء ذلك تصحيح إدارة الصرف والانتقال إلى نظام صرف أكثر مرونة كمطلب ملح ضمن روشته صندوق النقد والبنك الدولي، وقد مر هذا بمراحل تدريجية صاحبها اتخاذ حزمة من الإجراءات لتأمين نجاحه، حيت يتم اتخاذ مصفوفة الإصلاحات في مجال السياسية النقدية، توزعت تدريجياً على عامي 1995م و1996م".
*إلغاء فوائد القروض المقدمة
يكمل باناجه: "في عام 1995م تم تحرير أسعار الفائدة المدنية، وإلغاء الفوائد الميسرة على القروض المقدمة من البنك للحكومة والمؤسسات العامة، وتحديد فوائد تأشيريه على الودائع بنسبة 20-22%، وتوحيد أسعار الصرف وتخفيض السعر الرسمي والجمركي إلى 50 ريالا/ دولار بدلاً من 12-18 ريالا/ دولار، ففي عام 1996م تم رفع فوائد الإيداع إلى نسبة 25 - 27% ، إصدار أذون الخزانة لفترة استحقاق أطول تتراوح من 91 يوماً - 182 يوماً، وتخفيض سعر صرف الريال من 50 ريالا/ دولار الواحد إلى 100 ريال/ دولار للعمليات الحسابية للموازنة العامة، واستخدام هذا الأسعار للمعاملات بين وزارة المالية والبنك، وباقي عمليات البنك تتم على أساس سعر الصرف في السوق، بالإضافة إلى اتخاذ حزمة من الإجراءات النقدية نحو استكمال تحرير القطاع المصرفي (1997- 1999)".
وعن إدارة سعر الصرف ما بعد الاصلاحات يقول: "صنف النظام المتبع في تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصاد (ضمن نظم الصرف المرن)، واعتبره عدد من الاقتصاديين نظام صرف معوم ومداره بيد مجلس إدارة البنك، وبعد مراحل لاحقة اتضحت ملامح نظام الصرف، الذي يمكن تصنفيه إلى نظام مرن متحرك يأتي ضمن ترتيبات نظم الصرف المرنة الوسيط، وقدم البنك على عدد من الإجراءات منها اتخاذ سعر مركزي للصرف، والتدخل في سوق النقد بيعاً عبر المزاد، وتعديل سعر الصرف الرسمي كلما توسعت الفجوة بين سعر الصرف في السوق، وتغطيه احتياجات الاسترداد لحزمة من السلع الغذائية الرئيسية".
ويضيف: "وعن إدارة الصرف بعد عام 2014م نتيجة للحرب الانقلابية في 2015م تدهورت الأوضاع الاقتصادية، وخروج السياسيات عن السيطرة، وتحديدا في جانب المالية العامة، والنشاط النقدي، وجراء ذلك فقدت الموازنة العامة للدولة جزءا كبيرا من مواردها بسب توقف الإنتاج والتصدير من حقول النفط، وعدم تدفق المساعدات والمنح والقروط الأجنبية والضرائب المباشرة وغير المباشرة"، موكدا بأن "نسبة عجز الموازنة العامة إلى الناتج المحلي بلغت في عام 2015م (15.4%) بعد أن كانت سجلت (4.7%) في عام 2014م".
ويتابع باناجه: "إدارة صرف السعر ما بعد نقل عمليات البنك المركزي إلى عدن في 14/8/2017م واتخاذ قرار بإلغاء التعامل بسعر صرف الدولار على أساس ثابت عند 250 ريالا للدولار، والتوجيه بإجراء كافة المعاملات المصرفية على قاعدة إدارة سعر الصرف المعتمدة رسمياً على أساس التعويم اعتباراً من 15/8/2017م، والذي جاء ضمنيا في خطاب محافظ البنك المركزي، ونتج عن هذا القرار الكثير من الآثار الاقتصادية والاجتماعية، ولا أحد يستطيع أن يجزم بمالآت سعر الصرف للعملة المحلية، والتي كانت من أبرز آثاره:
مزيد من ارتفاع معدلات التضخم، وارتفعت أسعار السلع في بداية عام 2017م إلى 60%، حيث ستكون الارتفاعات السعرية ناتجة عن حصيلة الجمارك والضرائب للسلع المستوردة بعد التعويم، حيث وصل سعر الصرف إلى 370، وارتفاع تكاليف مدخلات الإنتاج المستورد، وانكماش الناتج المحلي الذي وصل في النصف الأولى من عام 2017م بنسبة (34,0%)، وهناك تأثير محتمل على الموازنة العامة للدولة".
*الآثار السلبية في البلدان النامية
يلخص الدكتور باناحه في ورقته بأنه "لا يوجد في تجربة نظم الصرف نظام صرفي مثالي صالح لكل زمان، وكان بالإمكان تجنباً للآثار السلبية العميقة التي يتركها التعويم في البلدان النامية، منها اليمن، أن ينتهج مجلس إدارة البنك المركزي اليمني نظام الصرف المتحرك المرن، بحيث يعدل الصرف التأشيري إلى أعلى كلما اقتضت الضرورة مع اتخاذ الإجراءات تهدئ من فورة التقلبات وتفرمل سرعتها".
ويؤكد باناجه بشأن الإجراءات التي تتخذ في إطار السياسية النقدية قائلاً: "تضر أكثر مما تنفع، لأنه تخلف حالة من القلق عند المتعاملين، وتسبب إرباكا في السوق بعدم إعداد ميزانية عمومية للبنك المركزي إلى اليوم، وهو لا يساعد مجلس إدارة البنك في مراقبة وتتبع التغيرات النقدية الحاصلة، وبهذا تفقد إجراءات إدارة البنك غير المباشرة للسياسية النقدية، بحيث لا يمكن للبنك أن ينجح في ضبط حركة عرض النقود ولا القاعدة النقدية، إلى جانب غياب الشفافية في أداء مجلس إدارة البنك المركزي، وعدم رصد البيانات ونشرها لمساعدة اتخاذ الإجراءات السليمة في الوقت المناسب، كما أن البيانات المتاحة مفيدة لمراكز البحوث والدارسين، لتقويم الرؤيا والدراسة والتوقعات لجهة تحسين أداء البنك المركزي".

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى