المؤسسة العامة للملح بعدن.. تم إنشاؤها تزامناً مع تأسيس الغرفة التجارية بعدن عام 1886م

> كتب/ علي راوح

> يبدو أن الفاسدين والمفسدين في الأرض قد وجدوا من عدن مرتعًا لهم لممارسة نشاطهم الإجرامي في نهب كل شيء وبحماية رسمية منذ العام 1990م.. فطال نشاطهم في النهب والمصادرة كل مفاصل الحياة الاقتصادية والاجتماعية وغيرها من مجالات الحياة التي كانت آمنة على مدى مئات السنين، حيث عرفت عدن منذ أن وجدت على الأرض النظام والقانون وتعود الناس على احترام الحق واحترام الممتلكات العامة وحتى الخاصة منها.
لكن بعد العام 1990م انقلبت الموازين وجاء العابثون ليصادروا الأرض والبحر والهواء، جاؤوا يتسابقون إلى الاستحواذ على ملكية القطاع وملكية الشعب المسكين المسالم في هذه المدينة التي كانت آمنة، طالت أيدهم المساحات الشاسعة من الأراضي، وطالت أيديهم مباني ومؤسسات كانت قطاعا عاما تعود ملكيتها للدولة.
وفي هذه التناولة سنستعرض إحدى مؤسسات القطاع العام الذي وصلت إليه أيادي العابثين، تلكم هي المؤسسة العامة للملح والتي لم تسلم من أيادي الفاسدين فسطوا على أحواض المؤسسة المخصصة لإنتاج الملح وشيدوا مرافق غاية في الخطورة من حيث تلويث مياه هذه الأحواض، وبالتالي إلحاق الخطر على مادة الملح التي يستخدمها جميع أفراد المجتمع.. كما أن ملح عدن يصدر إلى العديد من بلدان العالم ويجلب العملة الصعبة للبلد، لكن هؤلاء العابثين لا يهمهم صحة الإنسان ولا يهمهم تنمية الصادرات التي ترفد الإقتصاد الوطني، ولا هم يراعون ما تشكله مؤسسة الملح من موقع بيئي نقي، وتعتبر مركزاً للطيور المهاجرة التي تأتي من مختلف دول العالم.
وبهذه الميزة فإن مؤسسة الملح وأحواضها الشاسعة المساحة شكلت محمية بيئية ولم يجرؤ أحد مهما كانت سلطنة على أن يمس هذه المحمية أو أن يقيم أي مشروعا بالقرب من أحواضها وذلك منذ إنشائها في العام 1886م.
وقبل أن نتناول بالتفصيل ما لحق بهذه المؤسسة من أذى من قبل الفاسدين والمتنفذين دعونا نتطرق للتاريخ العريق لصناعة الملح في عدن، والتي تعد من أقدم الصناعات في هذه المدينة، وتزامن إنشاء هذه الصناعة في العام الذي تأسست فيه الغرفة التجارية والصناعية وهو عام 1886م، ولذا فإن عمر هذه الصناعة (131) عاماً.
ففي 25 مارس 1886م أنشئت أول شركة للملح في عدن وهي (شركة الملح الإيطالية) ولا تزال مباني الملاحات الخاصة بهذه الشركة قائمة حتى اليوم، ثم توالى إنشاء شركات الملح في عدن تباعاً.. ففي 1908م أنشئت الشركة الهندية العدنية للملح في الموقع الحالي بمنطقة خور مكسر بجانب مطار عدن الدولي، وفي عام 1923م أنشئت الشركة المتحدة لأعمال الملح في منطقة كالتكس ولا زالت آثارها باقية.
عمال مؤسسة مصنع الملاح بعدن
عمال مؤسسة مصنع الملاح بعدن

وفي العام نفسه 1923م أنشئت شركة الملح الفارسي في مدخل مدينة عدن الصغرة (البريقة) ولا يزال يطلق على ذلك الموقع بمنطقة الفارسي.
*مؤسسة الملح الحالية
في مطلع العام 1970م صدر القرار الجمهوري رقم (11) بشأن إنشاء المؤسسة العامة للملح، وصدر القانون رقم (4) بشأن استخراج وتصنيع الملح، وتم تصفية تلك الشركات الخاصة وظلت المؤسسة الوطنية تعمل بنفس وسائل عمل تلك الشركات حتى بداية عام 1973م، حيث جرى تغيير شامل لوسائل وأساليب العمل بالتعاون مع حكومة الصين الشعبية لتصبح قدرة إنتاج المؤسسة بين (120 - 150) ألف طن سنوياً، بدلاً من (25) ألف طن في السابق.
ويعتبر ملح عدن من أفضل أنواع الملح في العام نظراً للارتفاع الكبير في ملوحة بحر العرب، ولهذا فقد حقق شهرة عالمية، وحازت المؤسسة على الجائزة الذهبية للجودة من أوروبا عام 2001م، وحازت في عام 1989م على الجائزة البرونزية، ومنذ عام 1997م، عملت المؤسسة على إضافة مادة (اليود) إلى الملح استناداً إلى القانون رقم (32) لعام 1997م بشأن إضافة هذه المادة إلى ملح الطعام.
*كيفية إنتاج الملح
عملية إنتاج الملح عملية طويلة وليس كما قد يتصور البعض بأن العملية تتم في حوض واحد، لكن العملية تبدأ من خلال خزن كميات المياه في أحد الخزانات الرئيسية، وهو الموقع الكائن في منطقة الجسر في الطريق البحري بين المنصورة وخور مكسر، ويتم من خلاله خزن المياه لأن هناك مد وجزر لمياه البحر، فعند المد يتم فتح بوابات خاصة لخزن المياه ومن ثم إغلاقها، بعدها يتم تشغيل المضخات على مدار 24 ساعة لنقل هذه المياه إلى بقية الأحواض الواسعة مما يساعد على زيادة مساحة السطح، الأمر الذي يزيد من عملية التبخر لأن تركيز الملوحة في مياه البحر تكون (3.5) درجة ونقل المياه إلى أحواض واسعة وكبيرة يؤدي ذلك إلى تقليص كميات الماء وزيادة نسبة تركيز الملح، وعندما يصل تركيز الملح في المنطقة الوسطى، وهناك تتم عملية بقاء المياه إلى أن تصل نسبة الملوحة إلى (20) درجة، ومن ثم يتم نقلها إلى أحواض التبلور وهي المرحلة الأخيرة، وعندما تصل نسبة الملوحة إلى (20) درجة وتظهر ملامح تغيير لون المياه إلى اللون الوردي يتم عندها فتح بوابات خاصة لإخراج الماء، ويتم ظهور الملح الذي يقوم العمال بتجميعه ونقله إلى المساحة المخصصة لغرض تجفيفه.. وهذه العملية تستغرق مدة قد تصل إلى ثلاثة أشهر في فصل الصيف بينما تتراوح في فصل الشتاء بين أربعة إلى خمسة أشهر.
ولهذا فإن إنتاج الملح من الأعمال الشاقة التي تتطلب جهداً كبيراً من قبل العاملين الذين يعملون تحت أشعة الشمس طيلة فترة إنتاج الملح، فضلاً عن عمل الشحن الخارجي عند تصدير الكميات إلى الخارج.
بعد هذا السرد التاريخي لعمل وصناعة الملح، فإننا نقول إن هذه المؤسسة الاقتصادية رغم ما تؤديه من دور في تقديم المنتوج للمواطنين، وما تضطلع به من دور في عمليات التصدير الخارجي ورفد خزينة الدولة بالعملات الصعبة، إلا أخطبوط الفساد ركز ومنذ الوهلة الأولى على المساحات الشاسعة لهذه المؤسسة وأراد التهامها لكسب الملايين وربما المليارات من خلال مصادرة أراضيها وبالتالي إفشال عملها وتشريد عمالها مثلها مثل بقية المؤسسات والمصانع التابعة للقطاع العام.
وإنه لمن المستغرب أن يأتي الاعتداء على أراضي وحرم المؤسسة من قبل أشخاص هم في قمة المسئولية في المحافظة والذين من واجبهم حماية هذه المؤسسة وغيرها من مؤسسات القطاع العام، ولكنها ضياع لأمانة المسئولية، ورسولنا محمد صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا ضيعت الأمانة فانتظروا الساعة"، فهؤلاء المسئولون كشروا عن أنيابهم بغرض التهام أراضي ومساحات المؤسسة ومارسوا الضغوط والتهديد ضد مدير المؤسسة السابق/ عبدالرحمن حسن، الذي وقف موقفاً وطنياً مستميتاً وحاول صد المعتدين، لكن لم يكن له من يسنده، حتى أن أحد المتنفذين (الرجل الثاني في المحافظة) صوب مسدسه إلى رأس المدير العام للمؤسسة كان ذلك عام 2000م تقريباً، وكما يقول المثل (إذا كانت الحكومة غريمك فمن تشارع؟!).
ومنذ العام 2001م تعرضت المؤسسة للخطر، وبدأ ذلك في إقامة محطة لبيع المشتقات النفطية بجانب أحواض الملح، فقام المدير حينها بتوجيه رسائل احتجاج إلى الجهات المسئولة موضحاً خطر مثل هذا الفعل، لكن دون جدوى، وأُتبع ذلك قرار بنقل سوق القات إلى جانب محطة البنزين. ويومها نزلت (أنا كاتب الموضوع) إلى الموقع باعتباري صحفياً ومسئولاً إعلاميًا في جمعية اليمن الأخضر لحماية البيئة، التي أسسها الأستاذ محمد عبدالوهاب أحمد فوجدنا أنه في اليوم الأول لافتتاح السوق قد امتلأت قنوات الملح الموصلة للأحواض بأنواع الملوثات من أكياس (النايلون) وعلب وأعقاب السجائر وعلب المياه والمشروبات الغازية، والأخطر من ذلك أنه لا توجد حمامات لقضاء الحاجة، مما جعل مرتادي السوق يلقون بمخلفاتهم الآدمية بجوانب قنوات الملح، وحينها ذهب مدير عام المؤسسة يرافقه رئيس جمعيتنا (اليمن الأخضر لحماية البيئة) إلى محافظ محافظة عدن، فقام المحافظ بطردهما من مكتبه، وتواصل موضوع اختراق حرمة المؤسسة بعد أن ظلت منذ العام 1886م محمية طبيعية، ولم يتجرأ أي كان التعرض لها.
فلله المشتكى وإليه يعود الأمر كله.. وفعلاً نحن في زمن العجائب.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى