مدير عام مكتب التربية والتعليم بلحج في حوار لـ «الأيام»:التعليم أيام دولة الجنوب مثال يحن إليه من شهد ذلك الزمن الجميل

> حاوره/ محيي الدين شوتري

> حين تراه متحسرا على ماضي التعليم في الجنوب وغير راضٍ عن وضع التعليم اليوم، وحين تستمع له وهو يتحدث عن واقع التعليم بأسلوب علمي راقٍ وبمنهجية مقنعة، تشعر أنك أمام رجل تربوي من الطراز الأول، وتستشعر من لمحات وجهه - وهو يتحدث بمرارة - أنك أمام مسؤول فيه من الوطنية ما تؤهله أن يكون فعلا في هذا المكان..
مدير مكتب التربية والتعليم بمحافظة لحج د. محمد الزعوري أطربنا وأعاد إلى نفوسنا حنين الأيام الخوالي للعلم والتعليم في لحج الخضيرة، حيث كان لنا الشرف أن نستضيفه على صفحات «الأيام» في أول حوار صحفي له تحدث فيه عن مجمل القضايا التربوية والتعليمية في لحج.. فهاكم نص الحوار:
*دكتور محمد.. ماهي استعدادات مكتب التربية بلحج لانطلاق العام الدراسي الجديد ؟
- في البدء نتقدم بالشكر الجزيل لمراسلي صحيفة «الأيام» الغراء ومحرريها وناشريها وكل العاملين فيها، ونبارك لهم هذه العودة القوية بعد انتظار طويل نتيجة لما تعرضت له وناشراها وطاقمها للقمع والايقاف.. فأهلا بـ«الأيام» المنبر الإعلامي الحر والمتميز كقائد للصحافة الجنوبية..
وبالعودة لسؤالكم فقد استلمت مهمتي لقيادة العمل التربوي والتعليمي في المحافظة في نهاية شهر اغسطس 2017م بتكليف من الاخ المناضل الدكتور ناصر الخبجي محافظ المحافظة وباشرت عملي بالاجتماع مع الطاقم الاداري في الادارة العامة ممثلين برؤساء الشعب ومدراء الإدارات لمناقشة الكثير من القضايا التربوية والتعليمية العاجلة لتهيئة الظروف لبدء العام الدراسي الجديد 2017 - 2018م.. وفعلاً استطعنا تشخيص بعض المشكلات التربوية التي تشكل عائقاً أمامنا وأمام مدراء التربية في المديريات ومدراء المدارس، ونحن بصدد تذليلها وتخفيف حدتها بابتكار الحلول المبدعة للمضي قدماً لتحقيق إنجاز جديد يضاف للرصيد الذي حققه التربويون في لحج في ظروف أكثر تعقيداً مما نحن عليه اليوم ..
هذه المشكلات سنتخطاها بتعاون الجميع الذين تفهموا الواقع الذي تكون بفعل سياسة تدميرية ممنهجة استهدفت المؤسسة التربوية والتعليمية في محافظات الجنوب دون استثناء منذ ما بعد حرب اجتياح الجنوب عام 1994م، ونحن نالنا ما نالهم من تطبيق هذه السياسة القذرة للتجهيل، وقد لمسنا حيوية وحماسا للعمل بروح الفريق الواحد لتخطي العقبات لبدء عام دراسي جديد بتوجهات جديدة استقيناها من التوجيهات الكريمة لسيادة الأخ المحافظ ناصر الخبجي ومعالي الأخ الوزير عبدالله لملس وزير التربية والتعليم، وتأتي في مقدمتها محاربة الغش وكل ما يؤدي إليه، والعمل بمواد اللائحة المدرسية والنظم، والحد من الارتجال في التعاطي مع القضايا التربوية، وإعادة النظر في الكثير من الأساليب المتبعة كأمر واقع دون تقييم أو تشخيص والتي أثرت سلباً على سير العملية التربوية في البلاد بشكل عام.
لقد ورثنا واقعا مخيفا، ونحن مع كل الطاقم التربوي نستشعر حجم المسؤولية الملقاة على عواتقنا للنهوض بالعمل التعليمي وفقاً للأصول العلمية والانضباط الواعي، للخروج من المأزق الثقافي الدخيل الذي تشكل منذ ما بعد حرب 94م، وأصبح فكراً نسير على هداه دون وعي، هذا الفكر العقيم الذي كبلنا وعرقل كل فعل منضبط للعودة الى النظم واللوائح التربوية التي كانت سائدة، وكان من ثمار هذه السياسة التدميرية مخرجات تعليمية لا تمت للواقع المعرفي بصلة ، ولم تراع التطور التقني والمعلوماتي، وتواكب الحداثة.. ونحن نتحسر على ضياع النظام التعليمي لدولة الجنوب والذي كان يضعنا في مصاف الدول المتقدمة في نوع الكادر المؤهل الذي قاد عجلة التنمية في مختلف المجالات ومازالت مثالاً يحن إليه كل من شهد ذلك الزمن الجميل.
واليوم نحن أمام تحدٍ كبير نكون فيه أو لا نكون لننتصر لذاتنا وقيمنا وأهدافنا الجمعية التي قاربت من الأفول، وعلينا أن نستلهم العبر والعضات من التجارب التي تحيط بنا لنفتح نافذة للأمل بعودة تاريخنا المجيد الخالي من الأمراض والمواجع .. وهي أمانة تحملناها وسنعمل على تأديتها بكل إخلاص، ومعنا الشعب الجنوبي الذي يحثنا على المضيء قدماً لنحقق إنجازاً لهذا الجيل الذي تم استهدافه وتجهيله.
*كيف ستعيدون للتعليم مكانته وهيبته؟
- لتحقيق ذلك أمامنا مصفوفة من التوجهات التي لابد من البدء فيها تدريجياً يقع في مقدمتها استكمال النواقص الضرورية لاستقرار العملية التربوية والتعليمية ، وقد لمسنا تجاوباً غير محدود من قيادة الوزارة ممثلة بالوزير ووكلاء القطاعات بمختلف تخصصاتهم لمساعدتنا على تحقيق ما نطمح لتحقيقه، ويقف الى جوارنا سنداً التربويين والمعلمين رغم كل معاناتهم، وسنبدأ بحملة توعوية واسعة لن تتوقف إلا وقد تحققت الاهداف التي نجتهد لتحقيقها.
*ماهي أجندتكم المستقبلية للنهوض بالواقع التعليمي في محافظة لحج ؟
- الواقع التربوي والتعليمي في محافظات الجنوب جميعاً وليس في لحج فقط يتعافى تدريجياً بفعل التوجهات الجديدة للوزارة.. والوضع بالمجمل مقبول الى حد ما، ولكن نحن بحاجة لمزيد من الإجراءات الجريئة للتخلص من التركة الثقيلة التي خلفتها سنوات من التجهيل الممنهج ، ونحن بحاجة لعملية تقييم شاملة وفق معايير دقيقة تستوفي كل جوانب العملية التعليمية، فالمتفحص يدرك إن نوع المخرجات كمحصلة نهائية تبين بجلاء حجم الفجوة القائمة بين المدخلات والناتج النهائي كمخرج تعليمي وفقاً للمعايير التي ننتظر حدوثها ، ولهذا فليس امامنا في لحج وفي غيرها من المحافظات إلا العودة الى البداية ودراسة كل التفاعلات ( العمليات ) في النسق التعليمي ومكوناته المختلفة ، بجهد ينبثق من التحدي .. تحدي الممكنات والاحتياجات .. تحدي جماعي لصناعة ثورة شاملة في المؤسسة التربوية تنتهي بأداء المعلم لرسالته الإنسانية في الفصول الدراسية وتفاعله الخلاق مع التلاميذ ولو بالحد الأدنى من الجهد الواعي بضرورة تغيير القوالب الجامدة وتحطيمها لنرتقي بأبنائنا الى الأمكنة التي يستحقون الوصول إليها بالجهد والمثابرة والتميز.
ومن هنا فإننا لن نألوا جهداً في متابعة الجهات ذات العلاقة لتفعيل الأطر الرقابية ، والفنية ، لتشخيص العلل ، وابتداع المعالجات الناجعة لتسهيل مهمتنا التربوية والتعليمية .. ولن يكون ذلك إلا بدعم السلطات لتنفيذ خططنا العملية التي وضعت كخارطة طريق لبلوغ ما نطمح لبلوغه .. ولابد أن تتظافر الجهود مجتمعة وتمتزج في إناء الفعل الخلاق لتثمر انقلابا فكرياً نظامياً يشمل كل مكونات العملية التربوية والتعليمية ( المدخلات ، العمليات ، المخرجات ).
* ماذا عن عدد المدراس ومدى جاهزيتها لاستقبال الطلاب واستيعابهم؟
- لدينا ما يزيد عن711 مدرسة منها ( 498 ) تعليم أساسي ( 32) تعليم ثانوي ، وكذلك عدد ( 181 ) مدرسة أساسي/ثانوي ، وبحسب الجنس فلدينا (86 ) بنين ، و( 82) مدرسة بنات و (543) مختلط.. تتوزع على مديريات محافظة لحج ال 15، ولدينا 6 من هذه المدارس مدمرة كلياً كما هو الحال في الحوطة وتبن ، وحوالي 16 مدرسة مدمر جزئياً، وبعضها تقع في الشريط الحدودي الذي يشهد أعمال قتالية في كرش ، وطور الباحة ، والمضاربة ورأس العارة، وتتعرض لقصف المليشيات الحوثية بين الفينة والأخرى ، ففي كرش لم تعد اكثر المدارس صالحة للتدريس، نتيجة لما تعرضت له من تدمير ، او لوقوع بعضها في نطاق المواجهات ، وبعض منها تستخدم لأغراض عسكرية، وفي المضاربة يوجد اربع مدارس على الأقل محتلة من النازحين الهاربين من مناطق الصراع في ذباب، والوازعية ، إحدى هذه المدارس في المضاربة العليا ، وثلاث في رأس العارة ، وقد ناقشنا قضيتهم مع منسقة منظمة رعاية الطفولة بغرض توفير خيام، او منازل خشبية لإخراج النازحين إليها حتى تتمكن ادارات هذه المدارس من استقبال التلاميذ والقيام بالعمل التدريسي دون أي منغصات ، وما زلنا على تواصل مع المنظمات حتى نوجد الحل للأسر النازحة.
وفي مديرية تبن تشهد بعض المدارس كثافة طلابية كبيرة بسبب النازحين ، حيث لم تعد مدرسة السلام قادرة على استيعاب التلاميذ بسبب وجود اعداد كبيرة من الأسر النازحة في منطقة العند القريبة من المدرسة مما سبب لنا مشكلة تربوية نسعى لحلها مع المنظمات الانسانية الداعمة.
*كثير من مدارس لحج تعاني من مشاكل نقص الكادر التعليمي وتسرب المعلمين وعدم وجود اي حلول بديلة ، كيف سيواجه المكتب هذه المعضلة ؟
- نعم معاناتنا من نقص الكادر التعليمي كبيرة جداً ، وللأسف توقفت عملية التوظيف منذ عدة سنوات كان آخرها 2012م ، ولم يشهد المكتب أي عملية توظيف بعدها ، علاوة على بلوغ حد التقاعد ما يزيد على 710 موظف خرجوا من الخدمة ، وما يزيد عن ( 1000) موظف مرشحين للتقاعد ، ضف إليهم المتوفين والشهداء ، وجرحى الحرب والمعوقين؛ لهذا نحن في وضع كارثي وقد ناقشنا ذلك مع دولة رئيس الوزراء أثناء زيارته للمحافظة في 9 سبتمبر ، وقد وعد بحل هذه المعضلة ، ودون ذلك فنحن أمام وضع لا نحسد عليه ، وعلى الحكومة الاستجابة الفورية والتوجيه للجهات ذات العلاقة لعمل معالجات سريعة تخفف من حدة النقص للكادر التربوي.
ودون فتح باب التوظيف لدماء جديدة شابة ترفد بها المدارس سيكون ذلك ناقوس خطر ينذر بكارثة تعليمية وشيكة، علماً أن ما نسبته (70%) من الموظفين تقع في الفئة العمرية ما بعد الخمسين واستوفت أحد الأجلين لبلوغ التقاعد.
ونحن من جانبنا نسعى بشكل حثيث لوضع حلول مؤقتة تتمثل في استيعاب خريجي الجامعات الذين ترقموا أخيراً في الجيش الوطني ولكن في إطار محدود ، وتواصلنا مع مدير الموارد البشرية في الوزارة والذي وعدنا بإعادة توزيع عدد من المعلمين النازحين بصورة مؤقتة لحل بعض النقص، ولدينا أمل أن يستجيب الصندوق الاجتماعي للتنمية بالتعاقد مع خريجي التربية في مناطق تشهد نقصاً حاداً في الكادر التعليمي كالحد، وطور الباحة والمضاربة وحبيل جبر والحبيلين والملاح ، ونأمل من الأخ دولة رئيس الوزراء النظر في ما نحن فيه نتيجة لهذا الوضع والتوجيه بالسماح لنا بعملية الإحلال بدلاً عن حالات التقاعد والمتوفين، بعد نقلهم الى صندوق التقاعد وحل قضاياهم المالية العالقة .
*ماهي الصعوبات التي تواجهكم في الإدارة التربوية ؟
- نقص الموازنة التشغيلية تعد أحد عوامل الإخفاقات التي تصيب أي مؤسسة لا تمتلك الموارد المالية الكافية لإدارة نشاطها، وتفعيل برامجها وتنفيذ خططها ، وبالتالي لا تقوى على المنافسة والاستمرار ، ونحن للأسف ورثنا وضع مالي معقد ، لا تستطيع فيه عمل شيء يرتقي بالمؤسسة التعليمية من خلال عدم القدرة على إنجاز المهام اليومية التي تتطلب مبالغ مالية كافية للثبات والاستمرار ، ونحن لانفهم حتى اليوم لماذا تم خصم ما يقارب 75% من الموازنة التشغيلية للمكتب، وإيقاف مخصصات الصيانة والتغذية، وبدلات السفر، وحتى الآن لا نعلم سبباً مقنعاً لهذا الإجراء الظالم الذي اعتمدته الحكومة، وهو للأسف عمل محبط يسرع كثيراً للسقوط في الهاوية.
* ما تقييمكم للعلاقة مع المنظمات الدولية ومدى مساهمتها في حل معضلة التعليم بالمحافظة ؟
- بالنسبة للمنظمات لها دور محوري في دعم العملية التربوية في المحافظة ، وتأتي منظمة اليونيسف في المقدمة لما تقدمه من دعم كبير في لمختلف جوانب العملية التربوية والتعليمية ، وتتفاوت درجة ما تقدمه بقية المنظمات بين هذه وتلك في قطاع التدريب والتأهيل ، وإعادة تأهيل بعض المباني المدرسية وتأهيلها ، بالإضافة الى الدور الكبير الذي يلعبه الهلال الأحمر الإماراتي ، وهيئة الإغاثة الكويتية ، ومركز الملك سلمان ، ونحن نتوق لمزيد من الدعم للبنية التحتية وبناء مدارس جديدة تستوعب الكثافة الطلابية، ووضع حلول ناجحة لمشكلة النزوح، ودعم القوة الوظيفية بالكادر ، ودعم المدرسة بالأثاث والتجهيزات المدرسية حتى تستقر العملية التعليمية ولو بالحد الأدنى.
*هل تتابعون أداء الإدارات التربوية في المديريات وهل تثقون في ما يرفع اليكم من تقارير؟
- نحن وهم نكمل بعضنا الآخر ، ولن ينجح أحدانا بمعزل عن الآخر ، وجميعنا نشبه سلسة واحدة متداخلة الحلقات هي المؤسسة التربوية والتعليمية ، ولا شك بأن هناك الكثير من القصور لدينا جميعاً ، وهذا ما ناقشناه مع مدراء مكاتب التربية في المديريات في الاجتماع الاستثنائي الذي عقدناه في مبنى الإدارة العامة في صبر الاسبوع الماضي 14 سبتمبر والذي خرجنا منه بجملة من القرارات كان ابرزها ايقاف نقل الموظفين والانتساب ووقف نقل الطلبة في السنوات الاخير لمرحلتي التعليم الاساسي والثانوي ومحاربة الغش كسنة دراسية تحمل اسم (عام دراسي خال من الغش ) .. والعمل وفق الممكن لإعادة تفعيل النصاب القانوني للمعلم من الحصص ، والاستفادة القصوى من المشاركة المجتمعية المساندة للإدارة المدرسية لإنجاز مهامها ، وهذا يمثل ارقى انواع التفاعل الذي نفتقده ونحث عليه، لأنه هو المفتاح الذهبي للنجاح والتميز.
*هل من كلمة أخيرة تود قولها؟
وفي الأخير لا يسعني إلا أن اتقدم بجزيل الشكر لزملائي المعلمين والقيادات التربوية على مستوى المركز والمديريات لما يبذلونه من جهود جبارة مع إصرارهم على التحدي والنجاح رغم كل الظروف المحبطة التي تحيط بهم ، واتمنى من الله أن يجعل هذا العام الدراسي عاماً متميزا يحقق فيه أبنائنا وبناتنا كل أمنياتهم بالجهد النشاط والمثابرة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى